عاممقالات

عباءة رجل الدين

عباءة رجل الدين



كتبت جيهان عوض


منذ فترة ليست ببعيدة، هطل علينا وابل من القنوات الفضائية والتي تم تصنيفها بالقنوات الدينية لتبُث لنا تعاليم دينية للشريعة الاسلامية، مصقولة ببعض الدعاة والشيوخ، لفت نظري ذاك الداعية المحنك والذي لا يتحدث إلا بالقرآن والسُنة، فكان يأسر القلوب باسلوبه السلس، وابتسامته التي تعلو ثغره.


اقرأ المزيد: 

الملياردير الكفيف


حينما وجدني أبي انصت له بتمعن شفن إليه، وأصابه الاهلاس، فقد بدا لي حينها أنه لم يرق لأبي البته، وذلك لمظهره العصري فكان يرتدي البذلة، ويصفف شعره كنجوم السينما كما يدعو أبي، والطريف في الأمر أنه يرى مثل هذه الأشياء مياعة لرجل الدين، واضاعة لمهابته، هكذا قال لي! لم يشفع له أثيث لحيته أو عذوبة صوته، وحتى عندما رتل سورته المفضلة وكنت أزجه للحجره زجًا لكي يتسنى له سماعه إلا أنه أبى أن يذعن لرغبتي، لم تفلح محاولاتي المضنية لتغير فكرته وعدوله عنها، حتى بلغ مني اللغوب مبلغه.

عباءة رجل الدين

إقرأ أيضا
 شنشنة أبي تؤول أن مظهر رجل الدين جزء لا يتجزأ من كينونته بل الأصل لرجل الدين ارتداءه العباءة والعمامة، وكذا المسبحة تتخلل أنامله، ويكون رجل متزن، شفن، غليظ الكلم، أجش الصوت، قاطب، عابس!
في حين أن النبي كان بسامًا ضاحكا.
كانت حُجته مقولة الفاروق”عاملوا الناس بما يظهرونه والله يتولى ما في صدورهم”فنوقر رجل الدين بما ظهره لنا، والله يتولى ما في سريرته.
تُرى هل أبي محق؟ أم السؤال الذي يجب أن يُسأل: مَن الذي وضع رجل الدين في هذا القالب؟ وإلى أي مدى تقبلنا نحن للتغير؟ كما تقبلنا تغيرات جمة في كافة الأمور الحياتية، بل والخضوع لها أحيانًا.

طالما طالبنا بتجديد الخطاب الديني، ومحاكاة القضايا المعاصرة، وحينما خرج علينا مثل هؤلاء الدُعاة لم يقتصر الأمر بعدم تقبلهم بل وجدنا من يهاجمهم، أرى إنما هم يهاجمون كل جديد، فلنرجع للوراء للحظات سنجد أن مشركي قريش قالوا: “بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون “
رفضوا الدين الذي يدعو للسماحة لمجرد أنه يخالف دين أسلافهم.

 تقبلوا رجل الدين لمظهره فقط حتى وإن كان جعسوس، والسخيمة تملأ صدره، والديجور يسكن قلبه، حتى وإن جاس في الأرض فسادًا، فستجد من يدافع عنه، بل ويتفانى في الدفاع عنه، فهو رجل دين! فلا مساس! كيف لنا أن نندد به ؟
ألت تلك المفاهيم لدى البعض إلى تأليه الرموز وتقديسها كالحكام ورجال الدين.

على صعيد آخر تجد من يرحب بكل جديد ما دام لم يمس المحتوى، فتكون مجرد غلاف وبين طياته المتن، فلا ضير من تغييره ما دام
الأصل ثابت، والمرام واحد.
وهنا حشحش الجمهور ما بين مؤيد ومعارض لفكرة خلع العباءة واستبدالها بأسمال عصرية تواكب العصر.

عباءة رجل الدين


إقرأ أيضا

ثمة أشياء اندثرت في عصرنا الحالي فالآن قلما نجد من يرتدي العباءة والعمامة دون الأزهريين،وبات الغريب هو الرائج!
أما أبي فقد اعتاد رؤيتهم، رؤيتهم فقط، فأكاد أجزم أنه يصم أذنيه لكي لا يسمعهم!

وأنا أقول مثلما قال العقاد:
إن الغرابة ليست بعيب، ولكن المألوف هو المَعِيب إن قصر عن الغرض المطلوب.
وبالأخير فوجب على رجل الدين ارتدائه عباءة الإنسانية والفضيلة فضلا عن كونه رجل دين.






     






مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock