عاممقالات

لغة العيون في مخيلة الأدب العربي

لغة العيون في مخيلة الأدب العربي
بقلم الدكتور أحمد عبد الحكم
لم يعرف الأدب العربي لغة أقوى في الدلالة من لغة العيون هى وحدها قادرة على كسر حاجز الصمت فحين يعجز اللسان عن التعبير والقلم عن البوح وتموت الكلمات في حلق صاحبها تتدخل العيون لتخلق واقعا عميقا يصنع السعادة ويرسم البسمة على الشفاة تلك هي العيون التى إذا نظرت إليها سرتك لذا كانت العيون مرمى الأدباء أيا كان نوعها فاترة أو يقظة ساحرة أو ساخرة آمنة أو خائنة قال الله تعالى
” يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور” 
قد تكون العين صامتة فتوحى بأروع نطق 
فإذا وقفت أمام حسنك صامتا 
فالصمت في حرم الجمال جمال
حتى قيل إذا عدمت المرأة جمال الأسنان ضحكت بعينيها فالكلمات التى تحكيها العيون لا تجدها في لسان العرب 
وقد امتدح العرب العيون التى تشبه المها 
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدرى
أعدن لي الشوق القديم ولم 
أكن سلوت ولكن زدن جمرا على جمر 
بل إنها لتسحر اللب فيقف عاجزا عن الفهم 
ماكنت أومن بالعيون وسحرها 
حتى دهتنى في الهوى عيناك 

لغة العيون في مخيلة الأدب العربي



ولا شك أن العين رسول القلب وكلاهما جناحا الحياة فالعين ترى الوجود بماديته والقلب يرى الكون بعمقه لذا سميت عين الوجه باصرة وعين القلب بصيرة 
قال تعالى
” فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور”
ومن أجمل ما قيل في وصف العيون السود قول إيليا أبو ماضي
ليت الذي خلق العيون السودا
خلق القلوب الخافقات حديدا 
لولا نواعسها ولولا سحرها 
ما ود مالك قلبه لو صيدا 
وقد تصل لغة العيون إلى حبات القلوب دون حديث يسرى 
أشارت بطرف العين خيفة أهلها 
إشارة مذعور ولم تتكلم 
فأيقنت أن الطرف قال مرحبا
أهلا وسهلا بالحبيب المتيم 

لغة العيون في مخيلة الأدب العربي


وقديما قالوا أغلى الدموع دموع الأم وأصدقها دموع المظلوم وأكثرها براءة دموع الطفل وأرقها دموع العاشق 
فعلمت أن من الدموع محدثا
وعلمت أن من الحديث دموعا
حتى الأدب العالمي لم ينكر قوة هذه الدموع يقول الأديب الفرنسي فيكتور هوجو عندما تتحدث إلى المرأة أنصت إلى ما تقوله عيناها 
ويرى الأديب سير فاتتيز صاحب رواية دون كيخوته الأرملة الغنية تبكي بعين وتنعم بالأخرى 
ويقول الأديب دوماس المرأة تميز الرجل بعينيها والرجل يميز المرأة بعقله 
وأدرك الشاعر جميل صدقى الزهاوى مدى تأثير هذه العين فقال 
كل السيوف قواطع إن جردت 
وحسام لحظك قاطع في غمده 
ومن هنا نتبين أن للعين قدرة عجيبة على التعبير عن المشاعر والمعاني والأحاسيس 
فالعين تنطق والأفواه صامتة 
حتى ترى من صميم القلب تبيانا 
ثم يأتي شوقى فيذكر أن العيون تتخطى 
لغة الإشارات
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت 
عينى فى لغة الهوى عيناك 
وللعين نصيب من الحزن لا يقل عن نصيبها من الفرح قال تعالى 
” وابيضت عيناه من الحزن “
وأخيراً ستبقى العيون فتنة الناظرين وحلم العاشقين ودنيا المتأملين إنها فيض معان لا نهاية لها فى شكلها وصفاتها وبريقها وسعتها ولونها وظاهرها ومكتومها 
وللحديث بقية إن شاء الله

لغة العيون في مخيلة الأدب العربي


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock