أخبار وفنعام

قراءة فى لوحة سيرك الجزار.. والنُّصُب الخرافى للدنيا “2 “



بقلم :صفوت قاسم

بدت اللوحة- فى مجملها- كعرض بانورامى فلسفى لمتناقضات الدنيا.. التى
يتصارع فيها القدر (الحياة والموت) مع الوهم والمجهول… وقد لعبت رؤى معالجة
الأشكال أدوارها فى بلورة كل ما انطوت عليه اللوحة من أبعاد ودلالات وأعماق
فلسفية، مُغلفة بحس تهكُّمى، جعل محتوى اللوحة أشبه بالكوميديا السوداء، فمصارع
الأفاعى 

والحيّات- يسار المقدمة- بصدره القوى وعضلاته البارزة ورقبته الممتلئة..
بدت ذراعه اليسرى (الممسكة بالثعبان) قصيرة، بمعالجة لونية ذات لمسات مندمجة وملمس
صلب.. جعلته أشبه بتمثال من الحجر المصقول، تتوافق مع ما يدّعى من قوة عضلية، لكنه
رغم هذا التحوير بدا متناسقا كشكل فنى لا تنفر منه العين. أما البناء الخرافى
المكون من ثلاثة أشكال إنسانية (اختفى جزء من كل شكل خلف الآخر فى تتابع رأسى
)

 بدا
فى نفس الوقت كشكل مركب غريب لساقى آدمى بثلاث جذوع وستة أذرع ورأس امرأة.. ذو
كتلة مختزلة نسبيا.. أشبه بتمثال هش [والملفت.. أن الفنان لم يعمُد إلى المبالغة
فى تحريف نسب الأذرع والساقين والرأس وملامح الوجة.. التى اقتربت من الواقعية، حيث
اكتفى بما انطوى عليه التركيب الرأسى المتتابع الغريب من قوة الإيحاء]. أما
البارِك عاريا أمام النصب الخرافى للدنيا.. 

ففى حين اقتربت ساقاه وجذعه من النسب
الواقعية.. فإن ذراعاه القصيران ورقبته الاسطوانية المبالغ فى طولها ورأسه النحيل
بملامح وجهه المشوّهة.. جعلته يبدو متوافقا مع معالجة الأشكال الأخرى. ويعكس الشكل
الإنسانى الواقف خلف النصب نوعا آخر من مفاهيم التحوير.. تمثـلت فى تحطيم العلاقات
المنظورية بحجمه الصغير- مقارنة بحجم البارِك المرسوم معه على نفس مستوى الرؤية
(على خط واحد) بالإضافة لتكوينه المُحوّر برأس صبى وجسم شخص بالغ، 

مُلخِّصا
تفاصيله الجزئية وكتلته المختزلة وجلبابه الأسود المصمت. أما الأكروباتى ذو البزّة
القاتمة الجالس فوق رأس حيوان خرافى.. لم يلجأ الفنان إلى تحطيم او تحوير نسبه،
إلا ان علاقته اللا منطقية بالرسم المجرّد انطوت على رؤية تحويرية بديلة. أما
طابور المُمدّدين على ظهورهم فى مستوى اللوحة الثالث- فى العمق- فقد ظهروا
بأشكالهم المختصرة لأقصى درجة كمجموعة من الدّمى المتشابهة. وبدت أشكال المتفرجين
فوقهم- رغم حيوية حركاتهم- كطابور من الأشباح المشوّهة غامضة الملامح. 

وقد توافقت
رؤى معالجة الأشكال الإنسانية- مجملا- مع ميتافيزيقا الموضوع وتناقضاته.

 أما
التصميم.. فقد اعتمد فى توزيع عناصره على حسابات دقيقة- رغم كثرتها- متخليا عن
أسلوبه التقليدى فى المراحل السابقة (الذى كان يعتمد- فى الغالب- على تماثل شطرى
التكوين، مع وضع الأشكال الرئيسية فى مركز اللوحة) حيث وزّع الأشكال الكثيرة فى كل
أرجاء التكوين، إلا أن أوضاع هذه العناصر، وحركاتها- خاصة أشكال المقدمة- تقود عين
المُتفرّج فى اتجاه بؤرة التصميم، بينما اتخذت اشكال الخلفية المتجاورة
المتتابعة.. شكلى قوسين، يحتضنان الأشكال الرئيسية فى مركز اللوحة، ويساعدان على
استقرار التكوين.

 أما الرؤية اللونية.. فقد ارتكزت على هارمونى الأصفر الثرى
المُشرّب بالأحمر فى بعض الأجزاء، بينما يميل للأخضر فى أجزاء أخرى، مما أسهم فى
تجانس وترابط أشكال وتفاصيل التكوين الكثيرة.

 أما التباين اللافت بين الأبيض
والأسود.. فقد لعب دورا محوريا شديد الأهمية فى جذب عين المُشاهِد إلى الأشكال
الرئيسية الموحية، مساهما فى تألّق أبعادها الفلسفية بدرجة كبيرة
.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock