شعر وحكاياتعام

الزلزال…(إلي زلزال عصف بكيانى فلم يبقني علي حال)

رانيا الرباط
رأيتها في إصبعه وهو يصافحنى..بالنسبة له دائرة ذهبية تكلل إصبعه وبالنسبة لي لست أدرى، لماذا شعرت بها وكأنها طوق حديدي يكبر ويكبر حتى يطوق عنقي يضغط عليه يسحقه حتى عجز عن إخراج الكلمات لترد علي ترحابه بي.. تفرسنى بعيونه التى وجدتنى سريعا أغرق ببحورها وأجاهد في صراع تلاطم أمواجها أسبح وأسبح وأرانى وأنا أتعلق برموشه أملاً في الوصول إلي أهدابه فأنال النجاة ولكننى لم أفعل..أغلقها فسقطت ببحره ثانية وعندما فتحها ليعاود النظر تيقنت من أننى قد غرقت بالفعل في بحرها وغمرنى الاحساس بأننى لن أبرح عيونه أبداً وأننى سأظل لفترة ما بها.. غارقة في بحورها.
دعانى للجلوس وامتثلت وحين نطق باسمى ازداد يقينى بأننى له.. لست أدرى لماذا خالجنى مثل هذا الشعور؟ ولكننى أحسسته بكل خلجة في نفسي التى أظهرته رغما عنى في ارتعاشه بدنى وتقطع الكلمات في حلقي ونظرات عينى الخجلى وكان هو.. هادئاً رزيناً مرحاً تعلو وجهه ابتسامة عذبة كم كانت تغرينى بالنهل من نبعها وكم كان التقيد والتزين بالخلق يعذبنى.
ويحى!!ماذا حدث لي؟! لماذا هو؟! أين كان قبل أن يلتقي بالتى أسرته وضمنته سجيناً خلف سورها الدهبي.
ويحى إلام يدفعنى ذلك الشعور المتدفق ألا يعلم أنه ليس لي.. هو بالتأكيد يعلم إنه لأخرى يحتفظ بها في قلبه ويتذكرها كلما لامست أصابعه يده اليمنى وبالرغم من ذلك..رآنى أطيل النظر والتحديق به أعجز عن إخراج الكلمات التى لا تسعفنى تفضحنى عينى بالشوق ويرتجف بين يديه بدنى..وعدنى..ووفي بوعده وقبل منه كنت أنا في المكان أمتثل بإذعان لقوى لا أعلمها تحركنى تدفعنى ولا تستوقفنى بل تجرف كل نبت فكر يسألنى..ماذا تريدين؟ تعلمين أنه لأخرى ومع ذلك إليه تسيرين ..ماذا ترغبين؟ ولأول مرة لا تسفر حمرة خدودى عن انخجالي فقد زالت وأعلنتها لنفسي وبين نفسي بل صرخت بها في وجه نفسي لتكف عن سؤالي..أبغيه..أريده لي..لعنها الله عادت لتوقظنى من حلمى..كيف؟! ويستدر دمع عينى عطفها وأنا أردد لست أدرى..فتربت علي كتفي وتتركنى..وما أن تبتعد عنى حتى أجدنى أهم إليه لا أشعر بتلك القدم التى تحملنى كأننى أطير من فرط السعادة التى أشعر بها والتى تنتظرنى..هذا هو كل ما شعرت به..أن أقترب من هذا البنيان القائم أمامى أتحسسه بيدي وأتنفس عطره..أن يحتوينى أذوب فيه يفتتنى إلي ذرات..أن أهوى في أفق ذراعيه وأقبع في صدره أحتمى به أدفن رأسي فيه..أستشعر الأمان..لطالما بحثت عنه ولم أجده إلا معك..عندك..فيك..وجدته وأردته كيف بعد أن كلت قدمى في البحث عنه إذا وجدته يتدفق حيوية ورجولة فيك أن أسلاه؟!
وبدأت حربي معها وأنا لم أراها أناطح مجهولاً لا أعلم شيئاً عنه..أتخيله..أحاول أن أصفه..أجسده حتى أستطيع مبارزته ولكنها كانت دائماً لي عدواً لدوداً لذلك تسلحت بكل أسلحتى حاربت إلي آخر قطرة من دمى سرت في جميع الدروب واكتسيت بشتى الألوان جعلته يرى كل نساء العالم في ورغم ذلك احتفظت بميزتى..رغبته ورهبته..قربته أجل أدنيته وأبعدته..رويته وارتويت حتى اكتفيت وما أنا بمكتفيه..تجردت من عطرى السابق وانتشيت من عطره وبه أكتسيت صنعت لهيكلي منه لحماً وكسيت به العظم فصار منى صار أنا جسدى لحمى ودمه أسكرنى فشعرت به يسرى في شريانى ويغمرنى يلون بشرتى وينبض به قلبي..حتى ملامح وجهى الذي أضحى لا ينظر إلا إليه إقتصرت في عملها عليه..عيناى لا تنظر إلا لتغرق في بحور عينيه..أنفي لا يتنسم إلا عبيره عبيرى..فمى لا يبتسم إلا أمام إبتسامته..مسخت ذاتى فصار هو شخصا آخراً في كأنما ينظر في مرآته..توحد داخلنا فصرنا واحداً لا أثنين.
نسجنا الحلم بيده وبيدي حكنا منه ثوباً جميلاً سترنا معاً في ليالي الشتاء القارصة ارتديناه وسرنا إلي مدينتنا التى بها شيدنا حلمنا مدينة الأحلام..كان لنا بها قصراً يناطح السحاب فراشه من الزهور وهواؤه من عطر القلوب سكناه معاً شهد أيامنا تجسد به حلمنا وبأيدينا إلي واقع حولناه وفيه تاهت نفسي ولم أعد أعبء بالبحث عن الذات فيكفى أنه هو قائم بذاته إلي جوارى يحادثنى فيسكرنى حديثه يصمت فأنتشي من صمته الخلاب..وهناك قبعت أتنسم رضاه يتركنى كل صباح وأظل أنتظر أتزين حتى ألقاه فيعدنى بالكلمات التى أظل أذكرها لنفسى وأتذكرها حتى في اليوم التالي ألقاه.
كالزلزال أهتزت منه أركان كيانى أسقط محتوياتى أخرس لسانى أسكنى الصمت وأسمعنى ما لانت معه أرادتى الحديدية فأضحى محرابي الذي أتجه فيه للصلاة وسيدي الذي يستعبدنى ولا أبغي سواه وفارسي الذي كل يوم في الحلم أراه وأضحيت أنا شيئاً مكملاً له في نظرى لا يمكن أبداً أن يسلاه.
رجل هو ..وأنا فتاة..لطالما أنتظرت من يشعرنى بذلك من يبعث النبض في الحياة..كالزلزال هو..أرعشنى..ذكرنى بأننى فتاة جعل مرآتى لا تفارقنى وهب لي الحياة بعثنى من كفنى وأدخل الألوان علي لوحتى الجرداء..تزينت به وله فلم أر سواه ولا أريد سواه هو عاشقى ومعشوقي قاتلي وفي حبه ما أردت حياة..ما أردت موتاً بل استشهاداً..قصة حب تخلد وتذكر علي مدى الحياة..كانت تستحق..كان يستحق..بطلي هازمى في المعركة التى ألقيت فيها بأسلحتى وأردت الأسر معه بل له تمنيت وظلت نفسي تتمنى وتتمنى حتى خلت أن الأمانى أغرقتها.
كالعاصفة هو ..هبت بأرضي الهادئة فثارت وعذبتنى خشيت عليه من أن يقتل أو أن تغتاله صاحبة الطوق الأبدي ولكنى في كل فكر كنت أجتث ذلك النبت الشيطانى الذي يوسوس لي وأؤكد لنفسي أنه أبداً لا يمكن أن يتركنى فأنا بالنسبة له كما هو بالنسبة لي وتعود نفسي توبخنى..تحذرنى..تذكرنى بالعذاب الذي أنساه بالنار التى ستلتهم جسدي الذي سيستقر بها ولا نجاة وليس لي من بعده نجاة..معه كنت أنسي نفسي ولا أذكر سواه.
وما أن يرحل حتى تستيقظ الأحزان تصطف حولي وتنظر إلي بغضب مكتوم ولسانى يعجز عن الكلام..تعنفنى..تذكرنى بما أحاول أن أسلاه..لا..لا..لست مجرد لعبة في يده سيملها مع مرور الأيام..لا..لست مجرد عاشقة لن يتبدل بها الحال إلي أرقي من ذلك في يوم من الأيام..لا..لست مثل من عرفهن قبلي ممن نساهن في غمرة الحياة..أنا شيء آخر..أحسست بذلك في كل حرف نطق به الكلمات..شيء آخر..شعر هو أيضا بذلك عندما قابلنى وعرفنا أنه لا حياة لنا بدوننا معاً..فكيف أسلاه؟!
دفعت أشواك الشك عنى بقوى عزمى وكذبت الظن الذي كاد يطبق علي صدرى واعتصرت العين رجاءاً في البكاء وحبيبي الذي وعدنى لم يأت كما كان الحال وانتظرت وطال الانتظار حتى خلت أن شعر رأسي قد تلون بالبياض وأن قامتى تعرجت وأن رياح الحياة تفارقنى وأن القصر أضحى مقبرة للرفات وعادت الأحزان لتسكنى ودب في الأرض الجفاف ووجدتنى عندما أشتد بي الضيق وطال الأنتظار ألملم أحجارى المتساقطة وأجمع الأشلاء أناشدها وأبكيها لتعاود الأصطفاف،أتوسل إليها لترحمنى فيكفينى ما قد كان منه قبل الأوان،جمعتها حجارة إلي جوار أخرى وحاولت إقامة البنيان..تباً له زلزال عصف بهذا الكيان..تباً له ولي الآن..اصطف البنيان بنياني وعادت لتقف جثتي علي ما كان لها من أقدام..أستقامت ولكنها جثة فارقتها الروح مع من تركنى ومن كان..جثة محطمة تكسوها الشروخ تبكى بلا دمع وتخاطب الأحزان..جثة تخشي من عودة الزلزال.
مدير قسم الأدب والشعر

علا السنجري


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock