عاممقالات

مملكة النحل


مملكة النحل
إذا كان العسل من العقاقير الممتازة لبني الإنسان فإنه مما لا شك فيه أن النحلة التي تصنعه وتجهزه في خلاياها، قد هيأها الله سبحانه وتعالى لتكون صيدلانية في القمة العليا من البراعة والفن. وهذا الفصل سيعرف القارئ بحياة النحلة والنظام البديع في مملكتها، كيف لها وقد ألهمها خالق الكون ومصوره لتبني بيتها بهذه الدقة وبهذا الجمال،ولتصنع ما تصنع من عسل وغذاء ملكي وغراء وشمع.. {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون} صدق الله العظيم.
والنحل من الحشرات الاجتماعية التي لا يمكنها العيش إلا ضمن عائلات أو مستعمرات في خلايا خاصة بها، سواء كانت من صنعها هي، من أعشاش طبيعية تبنيها في تجاويف الشجر وفي الشقوق بين الصخور في الجروف والمغاور، أو كانت في الخلايا التي يقدمها ويعرش لها ابن آدم من خلايا صنعية. وكل خلية تسكنها عشيرة من النحل في حياة قائمة على أعلى درجات التنسيق والتعاون بين أفرادها. ولكل خلية ملكة (اليعسوب)، وهي واحدة دوماً في الخلية، وهناك بضع مئات من الذكور وعشرات الألوف من النحل الشغالة(العاملات).
وقد وصف الكاتب اليوناني “كسينوفونت” دور الملكة في عائلة النحل بقوله: الملكة موجودة في الخلية، ولا تسمح بأي إهمال في عمل العاملات، إنها ترسلهن إلى جني الرحيق، والطلق، تفتش وتراقب، بِمَ عُدْنَ؟ تشرف على إفراغ الحمولات وتخزينها وتصنيعها، ومع مضي الوقت توزع بحق ما تجمع في الخلية –بين أفراد الخلية- وهي تعمل جاهدة لتكون أقراص الشمع قد جهزت بدقة وجمال، وأن اليرقات يُعتنى بها كما يجب…. [
وتمتاز الملكة بكبر حجمها إذ يبلغ طولها ضعف طول النحلة العاملة ووزنها 2.8 ضعف، ومهمتها الحيوية هي التناسل، ففي كل يوم تضع الملكة “في فصل الربيع” ضمن العيون السداسية ما بين 1000-2000 بيضة ملقحة، تفقس إما عن نحل عامل، أو عن ملكة، إذا أريد لها ذلك، حسب نوعية الغذاء الذي يقدم لها، وحجم النخروب الذي تتواجد فيه، كما أن الملكة تضع بيضاً غير ملقح يفقس عن ذكور.
وبهذه المناسبة فإن النحلة العاملة يمكنها في بعض الظروف الخاصة كأن تفقد الخلية ملكتها، أو عندما يكون عدد العاملات كبيراً أن تضع بيوضاً غير ملقحة تفقس عن ذكور فقط، غير أن الخلية بلا ملحة محكوم عليها بالفناء إن لم تستطع أن تكوّن ملكة على عجل، لأنه في غياب الملكة الطويل يزداد عدد أفراد الخلية من الذكور فقط، وهذه لا تستطيع أداء أي عمل. 
فالمهمة الرئيسية للملكة هي وضع البيض، وتقوم العاملات بإطعام الملكة من الغداء الملكي الخاص، وهو مفرز خاص تنتجه العاملات من غددها الفلكية، وهو غذاء مركز جداً من البروتين والدهون والسكر والفيتامينات، وفيه هرمونات تساعد على النضج المناسب لأعضاء الملكة التناسلية وعلى وضع البيض الوفير، فغذاء الملكات يلعب دوراً هاماً في زيادة قدرتها على وضع البيض.
والملكة أهم عضو في مملكة النحل، وبمجرد أن تفقد الخلية ملكتها فإنها تتصرف بشكل لا بد وأن يستدعي انتباه النحّال، القائم على تربيتها، فالعاملات تجري في الخلية وهي تصدر طنيناً خاصاً. إذ لا يمكن لخلية النحل أن تعيش طويلاً بدون ملكة، فالعاملات تقوم باختيار بيضة جيدة أو عدة بيوض يتراوح عمرها بين 3 و 4 أيام لتبدأ في إنتاج ملكة جديدة، فتؤخذ تلك البيضة وتوضع في مهد واسع بين النخاريب الشمعية حيث تتلقى هناك الغذاء الملكي ومع عناية فائقة تؤدي بها إلى إنتاج ملكة في غضون 19 يوماً.
وللملكة حمة في نهاية جسمها “أداة اللسع” التي هي سلاح دفاعها، وهي أيضاً أداة وضع البيض، والغريب أنها لا تستعملها مطلقاً ضد الإنسان – حتى ولو أساء إليها- كما يحدث حيث يقص النحال أجنحتها، ولكن حينما تلتقي بملكة أخرى منافسة فإنها تهجم عليها فوراً وتلسعها بحمتها.
ومتوسط عمر الملكة بين( 5-6 ) وحتى 8 سنوات، ولكنها حين تهرم يقل إنتاجها من البيض، وتعجز عن إدارة شؤون مملكتها، ولذا ينصح عادة بتغيير الملكة كل فصلين من وضع البيض.
وينحصر عمل الذكور في تلقيح الملكة، وهو مثلها لا يستطيع إطعام نفسه، إذا يعتمد في هذه الناحية كلياً على العاملات، وتقضي الذكور فصلي الربيع والصيف في أكل العسل الذي جمعته العاملات بكدّها، وفي الخريف تطرد الذكور من الخلية لتموت في العراء من البرد والجوع، ويؤكد العلامة بوتليروف أن الذكور لا تؤدي أي عمل، لكنها عند الظهيرة وحينما يكون الطقس جميلاً تخرج في رحلات المداعبة وتطارد الملكات العذراوات من أجل تلقيحهن. وهناك أبحاث حديثة تريد أن لا تظلم الذكور وتشير إلى أن لها عملاً في حضن البيض، إذ تحوم فوق النخاريب الحاوية على البيض، لتبعث فيها الدفء.
ومتوسط الوقت الذي تستغرقه الذكور في فقسها 24 يوماً، وأعضاء التناسل عندها نامية جداً، وتنضج حيواناتها المنوية في اليوم 8-14 من عمره، ويقع عضو السفاد عنده مكان حمة اللسع عند العاملات. وللذكر قدرة كبيرة على الإبصار، ولهذا أهميته في طيران الزفاف الملكي، إذ عليه أن يقتفي أثر الملكة في تلك الرحلة بسرعة كبيرة لكنه يموت بعد الإلقاح مباشرة، لأن عضوه يبقى عند الملكة، وتعود به إلى الخلية، وبه تتعرف العاملات على أن إلقاح الملكة قد تم. والذكور لا تعيش أكثر من 3 شهور.
ومرحلة تطور اليرقات لتكوين النحلة العاملة هي 24يوماً، وعاملات النحل إناث غير مكتملات الأنوثة، وذات مبايض وجهاز تناسلي صغير غير قادر في الأحوال العادية على وضع البيض. وقد أثبتت مساعدة شوفان ج.بين أن وجود الملكة في الخلية يمنع أي تطور لمبايض العاملات، ثم إن باتلر، وبين، وباربي تمكنوا من عزل مادة هرمونية أسموها “فرمون الملكة” تنتقل إلى الوصيفات باحتكاكهن بالملكة، ومنهن إلى باقي العاملات، هذه المادة هي التي تمنع تطور المبايض عندهن، وهذا سبب تمكن العاملات من وضع البيوض عند فقدان الملكة.
وتعيش العاملات 45 يوماً، وتقضي عمرها القصير في عمل دائب 
فمن لحظة انتهاء تطورها من أول يوم من عمرها كنحلة عاملة تقوم بأعمال الخدمة العامة بتنظيف جدران النخاريب الشمعية بعد خروج النحلات الصبايا منها، وقبل وضع البيض وخزن العسل، وفي اليوم الثالث من عمرها تقوم بإطعام أخوتها اليرقات الكبيرات بالعسل وغبار الطلع. وحتى نقدر عملها يكفي أن نعلم أنه خلال الستة أيام التي تطعم فيها إخوتها المقبلات تزورها ما ينوف على 7850 مرة.
وفي اليوم 7-8 تبدأ بالنضج عندها الغدد الفكية التي تفرز الغذاء الملكي والذي تقدمه للملكة أو لليرقات اللواتي سيصبحن ملكات. وفي عمر من 12-18 يوماً تنضج الغدد الشمعية حيث تبدأ بإفراز الشمع وبناء الأقراص الشمعية. وفي الحقيقة ففي هذه المرحلة من العمر يمكن أن تتوزع العاملات العمل، فمنهن من يتخصص في بناء الأقراص (فرقة البناء أو النحل المهندس) ومنها من يقوم بأعمال الحراسة، ومنها من يجني الرحيق وغبار الطلع، ومنها من يجني ويصنع الغراء، ومنها ما يقوم برعاية البيض والحضن.
والعاملات تبدي احتراماً خاصاً للملكة وهي التي لا تترك أبداً ظلام الخلية بعد عودتها من رحلة الزفاف، وهناك من العاملات ما يدعى بوصيفات الملكة، تنظف جسمها، وتمشط شعرها، وتحمل برازها إلى خارج الخلية، وتطعمها بالغذاء الملكي، إلا أنه في حالات نادرة نرى أن نحلات من الحاشية يكنَّ ولسبب ما غير راضيات عن الملكة، تحيط فجأة بها، منقضين عليها بالعض واللسع، يقلعن أجنحتها وأرجلها، ثم يتركنها لتموت.
وقد شاهد أ.روت حوادث عديدة أثناء فحصه تكتلات النحل حيث وجد إبر اللسع في جسم الملكة الميتة، ذلك أنه بمجرد فتح المنحلة وفجأة دون سابق إنذار يتجمع النحل على شكل (كبكوبة الخيطان) حول ملكته على الرغم من أنها تنفذ مهماتها وحتى تلك اللحظة على أتم وجه، ولم يعرف حتى اليوم أسباب تغير سلوك النحل هذا نحو وملكته المحترمة.
وفي أرجل العاملات الخلفية رتوج غشائية تحمل بها غبار الطلع إلى الخلايا، لذا فهي تسمى سلال الطلع وهي في نفس الوقت تمتص رحيق الأزهار وتخزنه في معدتها، وعندما تعود إلى الخلية تسلمها إلى نحلة البيت التي تقوم بصنع العسل، ومن العاملات من تطير بحثاً عن الماء وجلبه إلى الخلية.
وأشد الأشياء سحراً وإثارة للعجب في حياة النحل هو بناء الأقراص الشمعية من تلك النخاريب أو العيون السداسية والتي يقول عنها داروين في كتابه “أصل الأنواع” : لا بد أن يكون الرجل غبياً إذا فحص التركيب المعقد لقرص النحل، والذي يتواءم بشكل جميل مع الغرض الذي أنشئ من أجله، ثم لا يتحمس إعجاباً. وإنا لنسمع من علماء الرياضيات أن النحل قد حلَّ بطريقة علمية مشكلة عويصة بأن جعل خلاياه بالشكل الذي يسمع له باحتواء أكبر قدر من العسل وبأقل قدر من الشمع الغالي اللازم لبناء جدرانه.
وفي القرن الثامن عشر اهتم الفيزيائي الفرنسي ديومور بمقالة عالم الرياضيات كينغ حين قال: كم هي عظيمة ورائعة ومناسبة تلك الزوايا الكليلة في الشكل المسدس الذي بنيت فيها النخاريب في الأقراص الشمعية لتتسع لأكبر كمية من العسل بأقل استهلاك من الشمع.
ولقد سبق أبو بكر بن العربي العلماء المحدثين في التوصل إلى هذه النتيجة حين قال: ومن عجيب ما خلق الله في النحل أن ألهمها لاتخاذ بيوتها مسدسة، إن الأشكال من المثلث إلى المعشر إذا جمع كل واحد منها إلى أمثاله لم يتصل، وحصل بينها فرج، إلا الشكل المسدس، فإنه إذا جمع إلى أمثاله اتصل كأنه قطعة واحدة.
والعاملات تفرز الشمع من أربعة أزواج من الغدد الشمعية تتوضع على جانبي الخط المتوسط للحلقات الأربعة البطنية قبل الأخيرة حيث نشاهد فتحتين لكل حلقة.ويعتبر جون مارتن “1684” أول من استخرج صفيحة شمعية من إحدى تلك الفتحات من بطن نحلة عاملة من فرقة البناء، فهو يعتبر بحق الأول الذي لاحظ أن الشمع منتج حيوي للنحل، وبعده بمائة عام قام جون هانتر فأثبت ذلك وبرهن أن النحلة تصنع الشمع.
إن كل 100 صفيحة تزن 25 ملغ، ويتكون كل 1كغ من الشمع من أربع ملايين صفيحة ويستهلك النخروب المخصص كمهد لتربية النحلة العاملة 13 ملغ من الشمع أما مهد الذكر فيستهلك 30 ملغ، وكل قرص شمعي يتكون من صفين من النخاريب أو المهود بينهما حاجز يشكل قاعاً لها، ويزن القرص الشمعي 150غ، ويتكون من 9100 عين أو نخروب، ويتسع لكمية قصوى من العسل هي 4كغ.
وإن النحلات المهندسات صانعات الشمع تبدأ عملها وهي في عمر 3-5 أيام حيث يبدأ انطراح الصفائح الشمعية الرقيقة من مجل “فتحة” الغدد الشمعية، ويبلغ قمة الإفراز الشمعي عندها في اليوم 15-18 من عمرها، ويتناسب الإفراز مع غنى المنحلة بالعسل وغبار الطلع.
والروعة هي في طريقة البناء، كيف لا وقد ألهمها إياها مبدع الكون سبحانه وتعال، وهكذا نجد أن الشمع عندما يبدأ بالإنطراح يتجمد فور خروجه من فتحة الغدة الشمعية وتبدأ النحلة ببناء أول قرص شمعي، إذ تضع على سقف الخلية قليلاً من غراء النحل، ثم تسحب بفكيها القويين صفيحة الشمع وتبلها بلعابها وتلصقها بالسقف في المكان الذي وضعت فيها الغراء وتأتي زميلة لها لتحذوا حذوها ويتابع العمل بلصق الصفيحات الجديدة بنهايات الصفيحات التي سبقتها، وهكذا وفي الظلام الدامس وبين الألوف من النحل العامل تتنامى الأقراص الشمعية متدلية من السقف نحو الأسفل، والإعجاز أنك لن ترى بين ألوف النخاريب التي بنيت أي اختلاف أو تباين، لا في الوزن ولا في الشكل ولا في عدد الصفيحات، كأدق ما ينتجه أي مصنع حديث إلكتروني، وذلك البناء الرائع المتألق في ذاته في قوة وبساطة وأناقة ونفع البناء الذي ظلت أسراره محط اهتمام الباحثين على مدى الدهور من فلاسفة وعلماء طبيعة ورياضيات ومهندسين وفنانين وغيرهم، فتبارك الله أحسن الخالقين، وسبحان من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى…
والعاملات هي التي تنظف الخلية وبمهارة فائقة تسد الشقوق وتصقل الجدران بمادة تصنعها لذلك هي غراء النحل، وإذا ما تسرب فأر مثلاً إلى الخلية انقضت عليه بلسعاتها حتى يموت، ثم إنها كي تمنع تفسخه تغطيه براء محكم من الغراء لا يدخله الهواء. والهواء داخل الخلية نظيف يجدد باستمرار والعاملات لا تقوم فقط بعملية التهوية بل إنها تحافظ على درجة حرارتها عند مستوى معين، فهي تقوم بعملية تكييف الهواء داخل الخلية.
ففي أيام الصيف القائظة تقف طوابير من العاملات بباب الخلية متجهة إلى ناحية واحدة وتحرك أجنحتها بقوة فهي تبدو وكأنها مروحة تدخل تيارات قوية من الهواء البارد إلى الخلية. وهناك طوابير أخرى من العاملات تقوم بطرد الهواء الساخن من الخلية. وفي الشتاء يتجمع النحل حول بعضه فوق الأقراص وبذلك تقلل ما يتعرض من سطحها، كما تزيد حركة التمثيل الغذائي في بدنها وتكون النتيجة رفع درجة الحرارة داخل الخلية.
ومن العاملات ما يقول بوظيفة حراسة مدخل الخلية وتندفع إلى المعركة لأول استثارة. يقول د. بيساريف : ليس عند النحل جيش دائم، فكل نحلة عاملة تملك سلاحها الخاص وتحسن استخدامه، وكل نحلة هي جندي مخلص في هذه المملكة مجبول بحسه الوطني للدفاع عنها ضد أعدائها من الزنابير والفراش، وحتى ضد النحلات من الخلايا الأخرى. فإذا ما اقترب عدو منهم إلى البيت فياويل له من العقاب، إن مئات النحل العامل سينقض عليه بإبره وفكوكه ولن يتركه أبداً حتى يصبح جثة هامدة.
ونظرة واحد إلى قرص العسل وهو يعج بآلاف العاملات تعطي للإنسان فكرة أنها لا تهجع أبداً وأنها مشغولة باستمرار بواجباتها العديدة. لكن اختصاصي النحل أ.روت يؤكد أن النحل ينام في الليل إذ يبدو ناعساً وأشد تكاسلاً منه في ساعات الظهيرة.
وللنحل خمسة عيون، اثنتان منها مركبة وتوجد على جانبي الرأس، وثلاثة بسيطة توجد أعلى الرأس. ويعتقد أن الأعين البسيطة تعين النحلة على تمييز الأشياء القريبة على سافة 1-2 سم ولتجد طريقها داخل الخلية، على حين تستعمل العيون المركبة للمسافات البعيدة وقد برهنت التجارب على أن النحل يميز الألوان الأزرق والأصفر والأبيض، لكنها لا تحس مطلقاً باللون الأحمر.
وللنحلة قرنان للاستشعار يقومان بحاسة الشم، ويحتويان على شعيرات عصبية تقوم بمهمة حاسة اللمس، أما حاسة الذوق فتتركز في أوتاد صغيرة حول الفم متصلة بأعصاب الذوق وتتميز العاملات بحاسة ذوق قوية، فالمحلول السكري 4% مثلاً لا يبدو حلواً بالنسبة لها، وإنها لتفضل الموت على تناوله، كما أنها ترفض محلول السكارين قطعاً أما المحلول السكري المختلط بالكينا فإنها تحبه.
وعند العاملات إحساس قوي بالوقت فهي لا تطير إلى الزهر إلا في الوقت الذي يمكن أن تجني به رحيقاً أو غبار الطلع. وتشير الأبحاث إلى أن إحساس النحلة بالوقت يجعلها تنظم أفعالها معه بصرف النظر عن حركة الشمس وظروف الطقس والمكان الجغرافي. فلو عزلت خلايا نحل عن نور الشمس الطبيعي فإنها تذهب لجني المحلول السكري في نفس الوقت دقيقة بدقيقة وكأنها في ضوء الشمس.
ولا يملك النحل بالمفهوم البيولوجي أعضاء للسمع غير أن بعض الباحثين يرى أن مواضع في النحلة تحسُّ بالأصوات قيل أنها في قرني الإستشعار، وقيل أنها في مقدم ساقيها، كما أن نحالة مجربين أمثال أ. روت وغيره علاوة على مذكرات لبعض الباحثين أمثال: فرغلة ورابلي يؤكدون أن النحل يسمع الأصوات بشكل جيد، وخاصة رنين المعادن.
وقد حاول كثير من العلماء والباحثين اكتشاف طريقة التفاهم بين النحل. وقد اعتقد بعضهم أن النحل يتكلم . وفي عام 1788 لاحظ سبتزنر أن النحلة حينما تعود إلى الخلية ومعها رحيق أو غبار طلع فإنها تقوم بسلسلة من الحركات، وهي التي أطلق عليها بعد سنوات: رقص النحل. وقد خصص الدكتور كارل فون فريتش كثيراً من الجهد والوقت لدراسة سلوك النحل وأصدر عام 1946 كتابه عن رقص النحل أثبت فيه أن النحلة الكاشفة حينما تعود لتخبر العشيرة لا عمّا تحمله من الرحيق والطلق كما كان يظن بل عن بعد المصدر من مكان الخلية. وقد دللت المشاهدات الحديثة على أن الرقصة الدائرية تدل على مصدر للرحيق قريب لا يزيد عن 55 متراً من المنحلة، أما إذا عادت النحلة الكاشفة وبصبصت بالذنب فهذا يعني أن مصدر الرحيق بعيد وأن على أخوتها أن تستعد لرحلة طويلة متعبة.
وقد كتبت فنسنت مارتيكا أن البحاثة الأمريكيين غارالد إيش وأ.فينر كينغ أكدوا أنه بالإضافة إلى أسلوب رقص النحل في التفاهم فيما بينها فهي تستخدم الأصوات.
فلقد وضع إيش ميكروفوناً صغيراً جداً في خلية النحل، فسمع أصواتاً تر تر تـرر… متوافقة مع مشاهدة رقصة النحل، يتكرر هذا الصوت بعد وقت قصير وأنه شاهد العديد من النحلات في تلك اللحظة وكأنها تتلقى الأوامر للخروج من الخلية لجمع الرحيق.
ومن منطلق أن النحل يفهم تلك الأصوات فقد صنع إيش نحلات تتحرك أوتوماتيكياً وتصدر أصواتاً تشبه ما تفعله النحلة الكاشفة العائدة إلى الخلية، وقذف بتلك النحلة في الخلية إلا أنه فوجئ بأن النحل عوضاً أن يخرج مستجيباً لها لجلب الرحيق تجمع حول النحل التمثال محاولاً لسعها وقتلها.. لقد عرف إيش خطيئته، لقد نسي أن تلك الأصوات يوجد خلفها أصوات أخرى توجه إلى العاملات التي تحيط بالنحلة الكاشفة، تلك الأصوات كأنها تخطابهم أفهمتم؟. ويفترض العلماء أن النحلات تسمع تلك الأصوات بجهاز تلق موجود في قرون الإستشعار وتبلغ الواحدة الأخرى عن مصدر الرحيق أيضاً بواسطة الأصوات.
والنحل بالإضافة إلى حركات الرقص يتخاطب بعضه مع بعض بإرسال إشارات وروائح تخرج من غدة خاصة بالرائحة موجودة على الناحية الظهرية لبطن النحلة. ويعتقد عدد من الباحثين أن لكل خلية من النحل رائحتها الخاصة ولهذا السبب فإن القليل من النحل يغامر باقتحام خلية غريبة كما أن هذا ما يمنع مستودعات العسل في الخلية من النهب من قبل النحل المتلصص والنحل الحارس لمدخل الخلية على يقظة تامة فهو لا يسمح بدخول القادم إلا إذا تعرف عليه من رائحته وكأن رائحة الخلية هي كلمة السر للعبور.
مؤشرات الاستهلاك المفرط لموارد العالم
1- تزايد عدد سكان العالم
يعرف تزايد السكان عبر العالم وتيرة مذهلة ففي سنة 1950 كان عدد سكان العالم يصل إلى حوالي 2 مليار و500 مليون نسمة و في سنة 2000 بلغ عدد سكان العالم حوالي 6 مليار و261 مليون نسمة ومن المتوقع أن يتزايد هذا العدد سنة 2100 رغم مختلف القيود التي يمكن وضعها إلى حوالي 11 مليار نسمة.
-2 تراجع إنتاج المواد الغذائية 
ورغم تزايد وتيرة إنتاج المواد الغذائية لتلبية حاجيات هذا التزايد المذهل للسكان إلا أن الضغوط السكانية وتدهور البيئة تضعف من أوضاع الزراعة واحتمالاتها في المستقبل. كما أن الإنتاج الزراعي وإن تحسن في بعض المناطق خاصة في البلدان المتقدمة إلا أن مناطق أخرى ستبقى تعيش تدهورا حقيقيا في هذا المجال، ففي إفريقيا مثلا لا يتمكن المزارعون فيها من ملاحقة الزيادة السريعة في السكان، كما تعاني إفريقيا من انتشار الفقر المطلق ومن ضعف القوة الشرائية لحصول سكانها على التغذية اللازمة، بالإضافة إلى معاناتها المستمرة من الحروب التي تعوق إنتاجها الغذائي وتوزيعه.
3 – مظاهر تدهور الكوكب الأرضي
ولا تعاني الإنسانية فقط من التناقص الحاد في المواد الغذائية بل تعاني أيضا من مخاطر متنوعة أخرى تتهددها:فقد حدثت ضغوط شديدة على موارد التربة العالمية والغابات المدارية منذ 150 سنة أي منذ انتشار نمط الإنتاج الرأسمالي وما رافق ذلك من مد استعماري واستغلال فاحش لأراضي وغابات المستعمرات شمل مختلف القارات. ومعلوم أن من نتائج هذا الغزو الاستعماري حرمان سكان المستعمرات من التنوع البيولوجي الذي كانت تحتوي عليها زراعاتهم المحلية لفائدة زراعات موجهة نحو التصدير التي لا تلبي احتياجاتهم الفيزيولوجية. فخلال النصف الثاني من القرن العشرين تدهور ما يقرب من 11 % من الأراضي المكسوة بغطاء نباتي عبر العالم إلى حد أتلف وظائفها البيولوجية الأصلية، وقد أصبح إصلاح هذه الأراضي باهظ التكلفة أو ربما مستحيلا في بعض الحالات. 
ومعلوم أن تدمير المناطق الخضراء خلال القرنين الماضيين تسبب في مخاطر جمة أصابت تنوع الكائنات الحية والمجتمعات الإيكولوجية التي تعيش فيها بشكل لم تتعرض له في أي وقت مضي خلال الخمسة والستين مليون عام المنصرمة على وجود الكوكب، كما تعرضت المياه العذبة للتناقص بشكل مستمر ومتزايد نتيجة تزايد المسحوبات من المياه من اجل الزراعة ومن أجل إرواء عطش الأعداد المتزايدة من سكان الكوكب، إضافة إلى أن تزايد السكان والتنمية الصناعية يزيدان من تلوث المياه ونذرتها.ويشكل نمط الإنتاج الصناعي المعتمد من طرف البلدان الصناعية الرأسمالية منذ قرنين من الزمان أحد العوامل الرئيسية المهددة للبيئة. ونلاحظ في هذا الإطار أن دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ال OCDE تستأثر بقدر هائل من الطلب على الموارد الطبيعية للكرة الأرضية فمثلا يصل استهلاكها من الطاقات الحرارية إلى 43 % من مجموع الاستهلاك العالمي من الطاقة. كما تساهم هذه الدول بنصيب كبير جدا في عبء التلوث العالمي، حيث أطلقت سنة 1989 ما يقرب من 40 % من الانبعاثات العالمية من أكاسيد الكبريت و45 % من انبعاث أكاسيد النتروجين، وهي المصادر الرئيسية لتهاطل الأحماض، كما أنتجت هذه البلدان 6,8 % من النفايات الصناعية في العالم إذا قيست بالوزن، وتسببت في 38 % من التأثير المحتمل على الغلاف الجوي للاحتباس الحراري العالمي الناتج عن انبعاث الغازات. رغم أن عدد سكان هذه البلدان الذي يصل إلى حوالي مليار و264 مليون نسمة لا يمثل سوى 20 % من عدد سكان العالم. 
وقد أعلنت منظمة السلام الأخضر خلال شهر أكتوبر الماضي إلى أنه بحلول عام 2080 فإن مانهاتن وشنغاي ستختفيان تحت سطح الماء. وسيحدث ذلك نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان الغطاء الجليدي لغرينلاند في القطب الشمالي مما سيتسبب بدوره في ارتفاع منسوب مياه البحر يصل إلى أكثر من خمسة أمتار وبالتالي إلى إغراق المناطق الساحلية، هذا إلى جانب أن الجفاف والفيضانات سيصبحان أشد ضراوة، بحيث سيواجه مئات الملايين من الأشخاص خطر المرض والجوع والنقص الحاد في المياه.السؤال الحاسم هنا هو هل يمكن للإنسان أن يستمر في تجاهله للتدمير الذاتي الذي يباشره منذ قرنين من الزمن عبر اعتماد أنماط اقتصادية متوحشة تدمر الإنسان والحيوان والنبات والمياه والبيئة بكل أبعادها؟
جمع واعداد

د/ عبد العليم سعد سليمان دسوقي

قسم وقاية النبات – كلية الزراعة – جامعة سوهاج

رئيس فرع الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة بمحافظة سوهاج- مصر

abdelalem2011@yahoo.com

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock