شعر وحكايات

قراءة نقدية لقصيدة “حتما سيحين ” وفق مقاربة سيميائية

الشاعرة:الهام عيسى(سوريا) الناقدة: جليلة المازني (تونس)

التفريغ النصي: معجزة المستحيل

المقدمة:

تقترح علينا الشاعرة قصيدة”حتما سيحين”لتقدّم لنا نموذجا من المرأة العاشقة ذات الملامح المتعدّدة

هذه الملامح التي قد تساعدها على امكانية تحقيق هذه المعادلة “حتما سيحين” فما المقصود بهذه العبارة

المركبة من عنصرين:”حتما” و”سيحين” وهل ستتوصّل هذه المرأة العاشقة الى تحقيق هذه المعادلة؟

القراءة النقدية وفق مقاربة سيميائية:

اتخذت الشاعرة الهام عيسى عنوانا لقصيدتها “حتما سيحين” وهي عبارة مركّبة من عنصرين “حتما”و”سيحين”:

– حتْما:مصدر من فعْل ح.ت.م.يقال أمر حتميّ:لا مفرّ منه/ضروري/نتيجة حتمية(القاموس العربي).

– سيحين:ح.ا.ن.يحين الشيء:قرب وقته (المعجم).سيحين فعل في المضارع المرفوع اقترن بحرف السين للتعبير عن المستقبل القريب.

والعنوان “حتما سيحين “محتوى مصغّر للقصيدة ككلّ ومن خلال هذا العنوان نلامس تفاؤلا وتحدّيا لدى الشاعرة وكلها ثقة في النفس من ان الذي تريده سيقرب وقته و سيحين وقت تحققه .

تقول الكاتبة خديجة”أخبروا المتشائمين من الحياة ان ما مرّ بهم ليس سوى امتحان صعب يهيئهم ليصبحوا اكثر استعدادا وقوّة لاستقبال ربيعهم القادم وان من خذلُوهم سوف يعودون نادمين خاضعين وسيكون لهم الحقّ في تجاهلهم.

وان اكثر الناس ابهارا لم تحن لحظة ظهورهم في حياتهم بعدُ وقد يستغرق ذلك زمنا لكنه حتما سيحين.وقد يكون في أحلك الاوقات ظلمة ليؤمنوا انه لا يزال هنالك ضوء ينبغي عليهم اتباعه…أخبروهم ان الأوقات الجيدة بانتظارهم ستأتي تلك اللحظات التي ينسون معها وجود ما يعكّر صفوهم.

أخبروهم أننا نملك الحرّية في الاختيار رغم ذلك لا يمكننا ان نختار سوى ما كتبه الله لنا فهو سبحانه أعلم بنا من أنفسنا واعلم بالأصلح لنا .

أخبروهم ان هذه الأحرف خطّتْها انسانة مرّت بما مررْتُم به ولم تجدْ بدّا من أن تثير عزائمكم لتصمُدوا وتتعايشوا”(1)

هذه العبارة التي تتصدّرها “حتما” تتناصّ مع رواية “حتما ستخضعين لي” للكاتبة دعاء محمود وتتناصّ ايضا برواية”حتماسنعود” للكاتب أحمد عبد الرؤوف العبسي لان العودة حق والحق لا يضيع كحقّ عودة فلسطين الى أرضها المغتصبة(2)

والعبارة ايضا تتناصّ مع قصّة الاطفال “كلّ هذا حتما سيمرّ” (3) اذ مهما كان الموقف سيّئا وحزينا ومؤلما الاّ أنه حتما سيمرّ ليأتي بعده ما هو حسن وجميل.

لقد قرنت الشاعرة الفعل يحين بحرف السين الذي يلحق بالفعل المضارع ويخلصه للمستقبل القريب.:”سيحين”

لقد استهلّت الشاعرة قصيدتها بجملةاستفهامية شرطية حُذف منها جواب الشرط ظاهريّا”ماذا لو” وقد تقدّم الاستفهام فيها (ماذا)عن حرف الشرط(لو غير الجازمة) ان تقديم اسم الاستفهام (ماذا) قلب ركني الجملة الشرطية ويمكن القول لو…ماذا (يقع؟)

ان العبارة “ماذا لو” تتناصّ مع رواية” ماذا لو” للروائية والكاتبة المصرية”سندرا سرّاج”(4)

ان جواب الشرط الموجود ضمنيا في هذه العبارة ويبدو ظاهريا محذوفا. وحذف جواب الشرط هو حذف وقتيّ الى حين نكتشفه في ثنايا القصيدة .

وحذْف جواب الشرط قد ورد تبريره في كتاب” الاتقان في علوم القرآن ” لعبد الرحمان بن الكمال جلال الدين السيوطي”انما يحسن الحذف لقوّة الدلالة عليه أو يقصد ب تعديد أشياء فيكون في تعدادها طول وسآمة فيُحذف ويكتفى بدلالة الحال وتُترك النفس تجول في الأشياء المكتفى بالحال عن ذكرها.

                قراءة نقدية لقصيدة “حتما سيحين “

قال ولهذا القصد يؤثر في المواضع التي يراد بها التعجّب والتهوّل على النفس ومنه قوله تعالى في وصف أهل الجنة:”حتى اذا جاؤوها وفتحت أبوابها”(سورة الزمر الآية 73).

ان حذْف جواب الشرط اذا كان وصْف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهى فجُعل الحذف دليلا على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه وتُركت النفوس تقدّر ما شاءته ولا تبلغ مع ذلك كُنه ما هنالك.

وكذا القول في كتاب “البرهان في علوم القرآن” للامام بدر الدين محمد بن عبد الله “ان من الحذف للدلالة على التهويل والتعظيم في قوله تعالى ” ولو ترى اذا وقفوا على النار”(سورة الأنعام آية 27) وجواب الشرط في هذه الآية يمكن تقديره:”لرأيت أمرا فضيعا لا تكاد تحيط به العبارة “.

والشاعرة حذفت في البداية جواب الشرط بل أخّرته الى حين لتشويق المتلقّي وفتح مجال التأويل أمامه.

انّ حرف الشرط “لو” يفيد التمنّي والتمنّي هوطلب المستحيل وبالتالي هل سيتحقّق هذا المستحيل؟؟؟

لقد تتالت الجمل الشرطية على القصيدة التي تفيد التمنّي فاستهلّت تمنّيها بقولها” ماذالو كانت الشمس في مملكة النور والصباح يتجلّى في الرّوح والاماني تغفو في حضن السماء والقلب يعزف اغرودته”

ان مملكة النورللروائي “البارت “تحدّثنا انّ”في زمن الاساطير والمخلوقات الخرافية حيث يتواجد البشر مع مخلوقات النور والظلام على حدّ السواء تواجدت مملكة من اقوى الممالك البشرية”مملكة النور”يحكمها الملك آراميس ابن الملك آرينوس الذي توفّي بعد ان أصابه مرض بقلبه فسلّم العرش ل: آراميس باطمئنان فهو يدرك اخلاق ابنه وانه يستحقّ ان يلقّب بالملك العادل لما يملك من قلب حنون وشجاعة لا نظير لها فهو يعلم أنه يضحّي بالغالي والنفيس لحماية شعبه ومملكته.

وقد كان ناضجا جاهزا لتحمّل مسؤولية المملكة بالرغم من صغر سنّه و ما ساعده هو تواجد زوجته ايلين”.

وتواصل الشاعرة تمنّيها بان يتجلّى الصباح في الروح فان جمال الصباح يتجلّى بجمال الأرواح التي نصاحبها ونستمتع بالبقاء معها فهي كالورود تنعشنا وتبهجنا بعبيرها

هي ايضا تتمنّى لوتغفو الاماني في حضن السماء ولو يعزف القلب اغرودته.

لقد كانت تمنّياتها في البداية تتوق الى الكمال حين تمنت لو تُجمع الشمس بمملكة النور والصباح بالروح والاماني بالسماء

انها تجمع بين الشمس والنور فمملكة النور بطبعها مشعة بنور ملكها العادل وزوجته التي تشدّ ازره وكأنّ هذا النور غير كاف للمملكة فتتمنى مزيد اشعاعها بضوء الشمس والشمس هي ضوء النهار والنور هو نور الليل بالقمر.

وكاني بالشاعرة تظهر معنى و تخفي معنى آخر من خلال الكناية في هذا التمني المتعلق بجمع الحبيبين من خلال جمع الشمس بالقمر ليتكامل الحدثان وهما الليل والنهارفي مملكة النورفالمعنى الظاهر هما ظاهرتان من الظواهر الطبيعية ولكن الشاعرة تخفي معنى آخر فكنّت الحبيبة بالشمس وكنّت الحبيب بالقمر(النور).

وأكثر من ذلك ان “مملكة النور” لها رمزيتها الدلالية فهي كناية لمملكة الحبّ بين العاشقة ومعشوقها وهل أكثر نورا واشعاعا واتساعا وعدلا من مملكة العشق لتجمع بين عاشقة ومعشوق كما جمعت مملكة النور بين الملك العادل وزوجته المؤازرة له حبّا وعشقا لبعضهما.

       قراءة نقدية لقصيدة “حتما سيحين “

ان الشاعرة على لسان العاشقة جعلت للحب والعشق مملكة لها قدسيّتها بل جعلتها “مملكة النور” وهل أكثر نورا من نور الحبّ والعشق الذي ينير ويضيء كلّ كيان العاشق والمعشوق في مملكة الحب المقدّسة؟.

وكذا الامر بالنسبة للصباح والرّوح فالشاعرة قد كنّت الحبيبة بالصباح وكنّت الحبيب بالروح وتمنّت لويتجلّى ضياء الصباح في نقاوة الروح وباعتبار الصباح ظاهرة فيزيائية والروح معنوي فكاني بالشاعرة تتمنّى لويندغم الجسد(الصباح) مع الروح ويتماهى فيها.

وتواصل الشاعرة باسم الحبيبة تمنّياتها فتتمنّى لو تحْضن السماء أمانيها لتجمع المادّي مع المعنوي مرّة اخرى وهي تكنّي دائما الحبيبة بالاماني وتكنّي الحبيب بالسماء وهي في ذلك تريد ان ترتقي بامانيها الى السماء لتحقق كلّ ما يخالجها من تمنّيات.

وقد ختمت مجموعة هذه التمنيات بتمنّ متفائل وهو ان يغنيّ القلب اغرودته وانشودة الحب الذي تكنّه الحبيبة للحبيب.

لقد ساقت الشاعرة كل تمنيات الحبيبة في المقطع الاول بنفس مُفعم بالأمل وكأني بها تشحن الحبيب بشحنات ايجابية لتستدرجه الى عالمها عالم الحبّ.تقول:ماذا لو كانت الشمس في مملكة النور. والصباح يتجلّى في الروح.

ماذا لو في حضن السماء تغفو الاماني.

ويعزف القلب اغرودته.

بيد أنها تغيّر نبرتها في المقطع الثاني لتصبح نبرة ألم ووجع حين تقول:ماذا لو تتراقص النغمات

على بقايا همس وحسّ وأرق

مع خلجات الألم

لتعبر المسافات كالأثير

وتستقرّ في حضن الوجع…

لقد أوهمتنا الشاعرة في قفلة المقطع الاول(ويعزف القلب أغرودته)ان الحبيبة تتمنّى لو القلب يغنّي انشودة الحبّ ولكن الشاعرة تفاجئنا بان الحبيبة تتمنى لو تتراقص نغمات تلك المعزوفة لتستقرّ في “حضن الوجع”.

ان الشاعرة تكشف لنا الوجع الذي يخالج قلب الحبيبة التي حاولت ان تخفيه في المقطع الاول لعلّها بذلك لتشدّ فضول القارئ لمواصلة قراءة القصيدة للوقوف على جواب تلك الجمل الشرطية التي تفيد تمنّياتها المتفائلة. بيد ان هذه النبرة المتألمة للحبيبة ستشدّ فضول المتلقّي أكثر ليعرف انتظارات الحبيبة من خلال هذا الوجع الذي يسكن قلبها.

والشاعرة تمنح الحبيبة العاشقة حقّ البوح بمشاعرها وتكسبها الجرأة والشجاعة للبوح بمشاعر العشق.

تواصل الشاعرة في تأجيج فضول المتلقي فمن النبرة المتفائلة في المقطع ألأوّل الى النبرة المتألمة في المقطع الثاني لتصل الى نبرة مليئة بالتضحية حين تتمنّى لو تكون وقودا وحطبا ليشعلها الحبيب فيها بسبب غيابه وشوقها وحنينها اليه حين تقول:

ماذا لو تشعلني

حطبا وأوارا مستعصيا

عبر مسافات غياب وشوق وحنين

لعلّ الشاعرة بهذه النبرة المتشائمة الى حدّ التضحية تجعل الحبيبة تستجدي عطف الحبيب ورحمته لها وتستدرج القارئ لمزيد التعاطف معها وانتظار جواب الشرط لكل تلك الجمل الشرطية السابقة الذكر.

بعد تشويق محبوك من الشاعرة نراها تعلن أخيرا وتفصح عن جواب الشرط لكل تلك الجمل الشرطية بحرف “لو” الذي يفيد التمنّي علما وان التمنّي يفيد طلب المستحيل.

وبالتالي فان الشاعرة تجيب عن الاستفهام “ماذا” الذي سبق حرف الشرط “لو”وكما ذكرتُ ان عبارة “ماذا لو” هي في الحقيقة شرط وجواب شرط غير صريح فأصل العبارة تضمّنت تقديما لجواب الشرط غير صريح. وأصل الجملة:”لو….ماذا يمكن ان يكون ؟”

ان الشاعرة على لسان الحبيبة تجيب عن كل تساؤلاتها حول تمنّياتها السابقة الذكر فتقول:

هل ستُنسيني

أحزاني

طوفاني

وبركاني

هل يهزّني بريق قلبك كالرّعد في ثواني

                قراءة نقدية لقصيدة “حتما سيحين “

لقد استهلّت الشاعرة جواب الشرط باستفهام بهل مصحوب بفعل مضارع مسبوق بحرف السين

(هل ستنسيني). واداة الاستفهام “هل” عندما تدخل على الفعل المضارع تفيد الاستقبال خاصة وان الشاعرة قرنتْ الفعل المضارع بحرف السين الذي يفيد المستقبل القريب.والشاعرة تؤكد على استعمال المستقبل القريب أملا منها في امكانية تحقق تمنّيات الحبيبة العاشقة.

يبدو ان الحبيبة تعيش أحزانا مختلفة ومشاعر مغرقة في طوفان وبركان شوق وحنين يتاجّجان بداخلها

فهل ستخرج من أحزانها كما قال النبيّ محمد لابي بكر وهما في الغار”لا تحزن”وهل ستنجو من طوفانها كما نجّا الله النبيّ نوحا وانصاره من الطوفان ؟وهل سيكون بركانها بردا وسلاما على قلبها كما كانت النار بردا وسلاما على النبي ابراهيم؟.

تعود الشاعرة مرّة اخرى مستعملة اداة الاستفهام مع الفعل المضارع(هل يهزّني)الذي يعبّر عن المستقبل وهي قفلة متفائلة تتمنّى فيها الحبيبة اللقاء بحبيبها الذي لم تعد تتحمّل بُعْده.

بعد ان مكّنت الشاعرة الحبيبة في المقاطع السابقة من الحديث عن تمنّياتها بنبرات مختلفة ومصعّدة من التفاؤل الى التألّم الى التضحية فهي تتدخل الآن لتجعل الحبيبة تخاطب حبيبها فتقول:

يا أنت سأكتب عنك دائما

أخبّئك في خافقي

وأبحث عنك في أحداقي ووجداني..

يا الذي يستوطن حنايا الروح المتعبة

اني هنا أصنع لك في مخيّلتي

ألف لقاء ولقاء

وكثيرا من الأحاديث…كثيرا من الأحلام.

كأني بالشاعرة هنا تفسح المجال للحبيبة كي تتنفّس وهي تخاطب حبيبها لتبرز له مكانته الكبيرة التي يحظى بها لديها فهي التي تكتب عنه وتخبّئه بقلبها وتبحث عنه في أحداقها ووجدانها وهو الذي يستوطن حنايا روحها المتعبة وهي التي تصنع في مخيّلتها له الف لقاء ولقاء وكثيرا من الأحاديث وكثيرا من ألاحلام .انها من خلال ذلك تبثّه مشاعر الشوق والحنين اليه.انها تريد ان توقظ فيه وعيه بها و تحرّك فيه ضميره لكي يبادلها نفس الخطاب ويعاملها بالمثل.

انها نبرة اغراء فهي تغريه بهذه المنزلة التي يحظى بها لديها لعل الحنين والشوق يهزّه اليها ولكن سرعان ما تعود الى وجعها مهمومة وهي تقول: يا من على لوح الوجع أنقش

من اسمه أبجدية الوجود

لقد عبّرت عن مدى وجعها باختيارها عضوا من الجسم اذا تداعى تداعت له اعضاء كثيرة وفاعلة في الجسم .لقد اختارت لوحة الكتف(لوح الوجع) لتنقش عليها اسمه ولوحة الكتف اذا اصابها وجع فان هذا الوجع سينتشر في العديد من الاعضاء(العمود الفقري/الرقبة/الأطراف..).

ان الشاعرة تتابع تحرّكات الحبيبة التي توصّلت الى حلّ لوضع حدّ لكل وجعها فتقول:

وحده الابحار اليك يا حبيبي دون شراع

فكيف الوصول اليك أيها المحال

لم يشفق الواقع عليّ بفرح اللقاء

ان الحبيبة تحسم امرها وتقرّر الابحار اليه كحلّ للقاء الحبيب انه حلّ لاخيار فيه(وحده الابحار)

لكن أيّ ابحار ستُقْدم عليه الحبيبة؟ لقد اختارت الابحار دون شراع والابحار دون شراع فيه خطر

لان الشراع وحده قادر على دفع المرْكب فقط دون توجيهه وهكذا يتطلّب الابحار وجود موجة تحت سطح الماء قد يكون جزءا ثابتا او متحرّكا من المركب.

انها ستخوض مغامرة ابحار دون شراع بما في ذلك من خطر لان “من يركب البحر لايسلم من الغرق”

هل الياس استبدّ بها؟ هل ضاقت عليها السبل للوصول اليه؟ هل الطمع بفرحة اللقاء( في المتخيل) جعلها

“تستلذ ركوب الخطر وتنسى الحذر”؟

ان الحبيبة العاشقة رغم اقدامها على ابحاردون شراع وهو مغامرة خطيرة الا انها كانت واعية ان الوصول الى حبيبها محال هذا الوعي الذي جعلها تبرّر لنا خوضها هذه المغامرة الخطيرة وذلك لان الواقع كان قاسيا عليها والواقع هنا يمكن ان يتمثل في عين الرقيب او في الحبيب او في المجتمع ككلّ وقد تقصد الواقع المعيش والذي يقابله المتخيل او اللاواقع وهوالارجح فكأنّي بها تنشد واقعا آخر يجود عليها بفرح اللقاء فتقول بمرارة اليأس.

وحده الابحار اليك يا حبيبي دون شراع

فكيف الوصول اليك يا ايها المحال

لم يشفق الواقع علي بفرح اللقاء…

لئن أوهمتنا الشاعرة بان الحبيبة مُقدمة على مغامرة خطيرة(ابحار بدون شراع)والتحدّي هو مصدر قوّة هذه الحبيبة الاانها تخذلها لتبدي ضعفها وانهزاميتها لتستسلم لدائرة النواح ولتبحر ولكنها تبحر في سفينة الألم وكأني بالشاعرة تريد ان ترجع هذه الحبيبة الى طبيعتها كمرأة عربية “مازوشية” بكّاءة تتلذّذ بتعذيب الحبيب لها ولعل الأرجح هو انّ الشاعرة تريد ان تعيدها الى طبيعتها الانسانية والانسان يتأرجح بين القوّة والضعف قوّة الخالق وضعف المخلوق فتقول:

اليوم التحف دائرة النواح…

وأفارق لولوات القدر..

والآن أبحر في سفينة الألم…

في هذه المرحلة من استسلام الحبيبة لوجعها وانهزاميّتها تتدخّل الشاعرة لتنتشلها من هذه الانهزامية فتذكّرها بقولها في مطلع القصيدة “ماذا لو”

ان الشاعرة أرادت ان تشحنها بشحنات أمل لتشحذ عزيمتها من جديد وتحوّل يأسها الى أمل وهي قفلة مدهشة فعلا لم نكن لنتوقّعها.

والشاعرة بذلك تريد ان تكون منسجمة مع نفسها في نحت ملامح الحبيبة الموسومة بالقوّة.

فاذا الحبيبة تسترجع قوّتها وتعود الى جملتها الشرطية الاستفهامية الاولى بمطلع القصيدة لتبعث في

نفسها الأمل هذا الأمل الذي قد يبرّر اختيار الشاعرة لعنوان القصيدة “حتما سيحين”

                قراءة نقدية لقصيدة “حتما سيحين “

والشاعرة في ذلك تجعل الحبيبة واثقة من خطواتها وحاسمة لأمرها ومتأكّدة من تحقيق هدفها حين تحوّل اليـأس الى أمل والشاعرة تقول على لسان الحبيبة:

ماذا لو…

يمخر عباب اليأس

هذا المستحيل المستحيل .

ان الشاعرة كانت واعية في اختيار حرف الشرط (لو) الذي يفيد التمني والتمنّي هو طلب المستحيل ولذلك ختمت قصيدتها ب: هذا المستحيل المستحيل .

ونبقى نتساءل الى أي مدى تستطيع الحبيبة العاشقة تحقيق معادلة العنوان”حتما سيحين”

ولتؤكّد ذلك فانّ الشاعرة تفاجئنا بقفلة ثانية أكثر ادهاشا تتمثّل في حذف جواب الشرط لتورّط المتلقي بتشريكه في بناء قفلة للقصيدة لعلّها تكون معجزة المستحيل.

هل يمكن ان تتحقّق معجزة وتكسر الحبيبة هذا المستحيل؟

ان الشاعرة باختيارها هذا النموذج من الحبيبة العاشقة المتعدّدة الملامح (المتفائلة/ القوية/ المتحدية/الواثقة من نفسها /الواعية بتحرّكاتها /المتمرّدة على نفسها وعلى الواقع المغامرة….) يجعلنا نفكّرفي انّ هذه العاشقة مجنونة بحبيبها .

ولكن فيما قرأنا من أشعارعشق فاننا وقفنا على العاشق المجنون كمجنون ليلى ولكننا لم نقف على العاشقة المجنونة” كمجنونة قيس” مثلا.

وكاني بالشاعرة الهام عيسى تريد ان تمنح المرأة الحبيبة حقّها في العشق الجنوني وحتى ان لم تجده في الشعر العربي فهي تتفرّد به.

وأكثر من ذلك فان هذا النموذج للحبيبة العاشقة وهذه الملامح التي رسمتها للمرأة العاشقة يتناصّ مع النصّ القرآني والمتمثّل في امرأة عزيز مصر التي هامت في عشقها بالنبيّ يوسف وهمّت به.

انها في عشقها للنبيّ يوسف تحدّت كل النواميس :تحدّت ناموس عمرها وهي في عمر أمّه..تحدّت ناموس الارتباط الزوجي..تحدّت المجتمع ( الآية 40 من سورة يوسف)”وقال نسوة في المدينة امراة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفهاحبّا انّا لنراها في ضلال مبين”

ان شغفها بالنبيّ يوسف جعلها متيّمة به ووصل بها الى حدّ الجنون بعشقه باحثة عنه في كل مكان ايمانا منها بانّ التداني بينهما والتلاقي “حتما سيحين” وقد تحقّق هذا القرب بينهما وحان وقت اللقاء معه بفضل اصرارها على تحدّي كل العراقيل.

وبالتالي هل الحبيبة في قصيدة الشاعرة الهام عيسى ستحقّق هذه المعادلة شبه المستحيلة”حتما سيحين”

هل هذه الحبيبة المتحدّية والمتمرّدة والمغامرة ستكْسر هذا المستحيل؟

لعل الشاعرة قد اختارت هذا النموذج من المراة الحبيبة لترسي مجتمعا تسوده المراة.

فالشاعرة ومن منظور ميتاشعري تهدم مجتمعا فيه المراة خاضعة ومفعولا بها وتؤسس لمجتمع فيه المراة فاعلة ومسؤولة عن كل افعالها والشاعرة في ذلك تطرح محنة القصيدة للحديث عن الذات الشاعرة

حتى ان هذ المرأة العاشقةحينما تستسلم احيانا لوجعها وتضعف سرعان ما تستفيق لتستعيد قوّتها والشاعرة لها بالمرصاد كي تنتشلها من ضعفها لتجعل قوّتها في حقّ البوح بمشاعر عشقها.

ان الشاعرة من منظورسريالي ترفض ان تكون المرأة مكبّلة بواقع مرير يطمس شخصيّتها لتتحرّر في اللاواقع وترفض الموجود لتتطلّع الى المنشود المتمثل في المرأة العاشقة القوية.

ان الشاعرة من منظور رومانسي تقلب الادوار لتصبح المراة عاشقة والرجل معشوقا.

ان الشاعرة من منظور حقوقي تريد ان ترسي امرأة متمسّكة بحقوقها من ذلك حقّ العشق كما الرجل.

               قراءة نقدية لقصيدة “حتما سيحين “

الخاتمة:

ان الشاعرة الهام عيسى قدّمت لنا نموذجا من المراة العاشقة التي تعدّدت ملامحها فهي العاشقة المتفائلة وهي العاشقة الجريئة وهي العاشقة المتحدّية وهي العاشقة المتمرّدة وهي العاشقة المغامرة.

انها المراة العاشقة الرّمز وهي المراة العاشقة الأيقونة واكثر من ذلك هي المرأة العاشقة الأسطورة في تفاؤلها وجرأتها وتحدّيها وتمرّدها وتفرّدها ولعلّ الشاعرة تريد ان ترسي(من خلال هذه العاشقة) عقلية جديدة عقلية تنتصرللمراة القوية والمراة الفاعلة والمراة المسؤولة للارتقاء بالانسان(مرأة ورجل) و بالمجتمع.

المراجع:

(1https://dedambwordpress.com

أخبروهم// الكاتبة خديجة 29سبتمبر 2022

روايات سكيرهوم29 اكتوبر2021 (2)wattpad

(3)جريدة الدستور /قصة وحكاية /قصص أطفال

(4)موقع ديوان

(5) مملكة النور والظلام البارتwattpad

======قصيدة=======

حتما سيحين

ماذا لو كانت الشمس في مملكة النور

والصباح يتجلّى في الروح

ماذا لو في حضن السماء تغفو الأماني

ويعزف القلب أغرودته

.. ماذا لو تتراقص النغمات

على بقايا همس وحس وأرق

مع خلجات الألم

لتعبر المسافات كالأثير

وتستقر في حضن الوجع ..

ماذا لو تُشعلُني حطبا وأواراً مستعصياً

عبر مسافات غياب وشوق وحنين

هل ستُنسيني أحزاني

وطوفاني

وبركاني

هل يهزُّني بريق قلبك كالرعد في ثوان

ِ.. يا أنت سأكتب عنك دائما

أخبئك في خافقي

وأبحث عنك في أحداقي ووجداني ..

يا الذي يستوطن حنايا الروح المتعبة

إني هنا أصنع لك في مخيلتي

ألف لقاء ولقاء

وكثيراً من الأحاديث

كثيراً من الأحلام

.. يا من على لوح الوجع أنقشُ

من اسمه أبجدية الخلود.

وحده الإبحار إليك يا حبيبي دون شراع

كيف الوصول إليك يا أيها المحال

لم يشفق الواقع علي بفرح اللقاء..

اليوم التحف دائرة النواح..

وأفارقُ لولواتِ القدر.. والآن أبحر في سفينة الألم

.. ماذا لو ..

يمخر عبابٓ اليأس

هذا المستحيلُ المستحيلُ..!

اقرأ المزيد مفاهيم الحروب السيبرانية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock