شعر وحكاياتعام

العزف علي الأوتار


                                                             

العزف علي الأوتار

قصة قصيرة

بقلم وفاء عرفه

لحظة سكون تسود قاعة الأوبرا، ذات الطابع الأنيق الذى يعودبنا إلي زمن الفن الجميل ،حيث التناغم بين اﻷثاث الفاخر،واﻷختيار الراقي والعناية بتناسق اﻷلوان ،المقاعد مكسوةباللون الأحمر القاني المزين أطرافه باللون الذهبي، وتغطي الممرات بسجاد طويل بنفس الألوان، يخيل للسائر عليها أنه متوجهاً لنيل جائزة الأوسكار العالمية،تنعكس الإضاءة بلونها الأصفر،من مصابيح مدفونة في أعلي الجدران والسقيفة، لتندمج مع اللون السائد في خطوط مستقيمة، تشبه لون أشعة الشمس الذهبية لحظة شروقها في الأفق،ويزيد علي رقي القاعة جماﻻ فخامة مرتاديها، بزيهم المميز والمناسب لحضور تلك الحفلات الموسيقية، سواء نساء أو رجال الجميع يرتدوا أفخر ملابس السهرة، والنساء تتفنن في إختيار أثمن المجوهرات لزينتها، ويزيدها سحرا عبق أفخر العطور الفرنسية، مما يضفي علي المكان سعادة وقمة من الخيال.
تفتح الستار وتبدو البيانيست نغم، ذات الرداء الأسود الكلاسيكى الطويل،ممشوقة القوام بكل المقاييس تشبه نجمات السينما العالمية، شعرها الكستنائي متروك بحريته، إستعداداً لتمايله مع ألحان المعزوفة القادمة،رغم قلقها وتحسبا لجمهورها إﻻ أنها تملك إبتسامة تحتار فيها، ولا تعرف كيف تصفها من قوة بساطتها وجمال رونقها، حقاً هي إبتسامة ملائكية، تقف واضعة يدها علي البيانو الأسود اللامع،خلفية المسرح لوحة زيتية بعرض الحائط عبارة عن وردة حمراء بارزة بوضع مائل علي خلفية ذهبية،وكأن المسرح كله لوحةمرسومة بيد فنان فائق الإبداع .
وبعد إيماءة لتحية الجمهور من نغم و رد الجمهور علي التحية، بدأت نغم العزف بأناملها الرقيقة.
إقرأ أيضا
الجميع ينصتون محلقين في عالم من السحر والخيال..وإنتهي العزف وتلاه تصفيق مدوي،ووقوف متتالي من الجمهور حتي وقف الجميع، ونغم تنحني ويغمرها إحساس بنشوة النجاح، وهنا يعلن صوت من الميكروفون، عن فوزها بلقب أحسن عازفة للعام،ويزداد صوت القاعة بالمزيد من التصفيق الحار، وترفع نغم رأسها وتغمر جمهورها، بقبلات عبر الهواء للجميع تزداد نغم سعادة بنجاحها والإبتسامة تعلو وجهها الصافي … وتسدل الستار…
تهرول نغم مسرعة إلي كواليس المسرح، لتجد حبيبها وزوجها يقف مكانه،لم يتحرك منذ بداية الحفل، حيث تراه وهي تعزف لتستمد منه الأمان، ضمها بقوة وحملها بين ذراعيه ودار بها وهو يقبلها وهي تختفي في صدره ودموع الفرحة تختلط مع كلمات بينهما لا يفهمها إلا هما فقط، ثم هنأها علي النجاح المدوي معبرا لها عن فخره بها ، ثم أخذ بيدها للخروج من الباب الخلفي، متجنبا الزحام وهروبا من المعجبين،فهو يعلم إنها شديدة الخجل، معلنا إياها عن إحتفال خاص بهما،في مكانهما المفضل والذي تسكنه الكثير من ذكرياتهما الخاصة جداً بهما طوال قصة حبهما.
المكان علي ضفاف النيل، مضاء بالشموع وعازف آلةالكمان يؤدي أجمل الألحان، وتقدم زوجها ودعاها للجلوس وعيناه كلها غرام وعشق ، وجلس في مواجهتها سعيدا بها،ونظرات الحب تملأ عينيه،وأخذ يديها بين راحتيه ووضع قبلة علي يدها، وقدم لها هدية تعبيراً عن فرحته بنجاحها المتوقع لها،نغم تشعر بأنها في عالم آخر كالأحلام،لكنها حقاً تحيا الواقع، وبنظرة عميقة جداً وخاصة،شكرت زوجها علي دعمه الدائم لها وثقته بموهبتها.
قالت له: أتعلم أنت أيضا بارع في العزف علي الأوتار.
تعزف علي وتر قلبي برقة وبراعة،تجعلني أغوص في عالم خاص بنا، تعرف كيف ومتي تؤثرني وتعانقني دون أن تضمني بل هو عناق الكلمات..
ولاتنسي نصيب روحي من العزف علي وتر التشابه بيننا، تشعر بما أحسه دون قولي، وتفهمني في صمتي، وتسمعني دون حديث وبدونك تتوه الروح مني.
أما وتر عقلي عزفك عليه منفرداً ما سألتك شيئاً إلا وجدت إجابته عندك وفوق ذلك تحب الموسيقي لعلمك بأنني أتنفسها وتتابع أدائي بنقد بناء حيادي…
أعترف لك..الناس تخالني إمرأة لا تهاب شئ، لكنني أخاف الوحدة ولحظات الضعف كبقية البشر،أتفادي النظرات الخاطفة، والإبتسامات الباهتة، والتواصل المنافق، كما أخشي نظرة الآخر لجمال خارجي من صنع الله، والبعد عن العقل والشخصية والتي تميز كل منا سواء كانت إمرأة أو كان رجل،وإعتباري لوحة أو معزوفة للمتعة فقط، وودت لو رآني الناس كلها مثلك عقلاً وكيانا.. قوياً وأحياناً هشا..مثل كل الناس… ولولاك… ما إستطعت مواجهة الكثير في حياتي…
أمنت بموهبتي وحفزتني علي اﻹستمرار .. تحملت نوبات خوفي وتوتري وكنت خير داعم .
إقرأ أيضا
إحتضنت نغم يد زوجها وشدت عليهما وإسترسلت: ياتؤام روحي..وجليس عقلي.. وحبيب قلبي..وشريك رحلتي..سعيدة جداً بكل هذا الإحتواء والحب.
رد الزوج قائلا: ياصاحبة لقب أحسن عازفة للعام
ما أروع وجودك لولا قلبك لأصبحت بلا مأوي.. أنت المعني الحقيقي للأمان.
وقاطعهما النادل وأستأذنهما: لوضع العشاء علي الطاولة
إبتسم كل منهما للآخر علي وعد بإستكمال البقية بعد عودتهما لبيتهما الجميل حيث
الدفء والحرية والحب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock