أدم وحواءعاممقالات

وجهة نظر حول السيداو والتحفظات السورية عليها

وجهة نظر حول السيداو والتحفظات السورية عليها



المحامي : بشار الحريري


إن هذا الموضوع من الأهمية بمكان، لما له من انعكاسات وأثار هامة على صعيد حياتنا الاجتماعية وبشكل مباشر الأسرة، بكل ما تتضمنه من قيم وعراقة وأصالة في الانتماء الوطني والقومي والديني .


لذلك يجب علينا أن لا نكون متحمسين فوق العادة بطروحاتنا وأرائنا في هذا الموضوع وأن نكون عقلانيين في مناقشته مبتعدين عن الشخصنة و الإنحيازية في الطرح سواء من قبل المرأة أم من قبل الرجل ، ما دامت الغاية والهدف بالنتيجة من كلا الطرفين إنسانية الإنسان بغض النظر عن جنسه ذكر أم أنثى.


سيما وأنه هناك حملة مكثفة من قبل العديد من التنظيمات النسائية في الدول العربية والإسلامية ناشطة تماما في ترسيخ السيداو وإدخالها مجتمعاتنا دون أن تكون قد تعمقت في دراسة مضمونها بكل ما تحتويه من مبادئ وقيم وخاصة العديد من المصطلحات والمفاهيم التي تضمنتها كالحرية والمساواة….الخ. والتي تختلف بتعريفها ومفهومها عند الغرب عما هو معناها ومفهومها لدينا كشعوب عربية مسلمة.


إذ أن من صاغ هذه الاتفاقية أيادٍ غربية في ظل غياب أي تمثيل لأي دولة عربية أو إسلامية عند صياغتها لذلك فهي نتاج ثقافات واعتقادات لا صلة لها بثقافتنا ومعتقداتنا و بالتالي فهي في مجملها تتناسب مع مجتمعاتهم لا مجتمعاتنا.


لذلك أجد من الضروري أن تشكل لجان مشتركة دينية وقانونية لدراستها دراسة معمقة من أجل الأخذ بما يتناسب ومجتمعاتنا ورفض أو تعديل ما لا يتناسب كي لا يشكل ذلك سبيل للغير للتدخل في حياتنا ودولنا وفرض معتقداته وقيمه وسياساته المنحازة للكيان الصهيوني وثقافته ومعتقداته.


وبالتالي وضع حد للإختلاف والإنقسام في المجتمع بين مؤيد ومعارض للاتفاقية والذي وصل لحد التهجم والاتهام بعض الأحيان. والذي هو من أهم النتائج الأساسية الذي ترمي الاتفاقية إلى تحقيقه في مجتمعاتنا.


لكل ما تقدم وجدت أن هذه الاتفاقية حالة تستحق الدراسة والتشخيص لنصل من حيث النتيجة إلى ما مقتضاه:


هل هذه الاتفاقية تمثل الحل والعلاج لجميع أشكال ال،تمييز ضد المرأة أم أنها العنف بحد ذاته الذي يمارس على المرأة؟؟!!.


سأنطلق في البحث من خلال المخطط التالي:

أولا – المخطط الدولي المتعلق بالمرأة.
ثانيا – بنود اتفاقية السيداو.
ثالثا – مواد الاتفاقية محل التحفظات السورية.
رابعا – قراءة عامة حول الاتفاقية.
خامسا- بعض الآراء الشرعية حول بنود الاتفاقية كما وردت.
سادسا – التشريعات الوطنية وحقوق المرأة:
سابعا – إزالة التحفظات من الوجهة القانونية.
ثامنا – الخاتمة.


أولا – المخطط الدولي المتعلق بالمرأة:نوجزه فيما يلي:

– ميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمد في سان فرانسيسكو عام 1945: يعتبر هذا الميثاق أول معاهدة دولية تشير إلى تساوي الرجال والنساء في الحقوق.


– عام 1946 تم إنشاء ما سمي لجنة مركز المرأة لمراقبة أوضاع المرأة ونشر حقوقها.


– عام 1949 تم عقد أول المؤتمرات العالمية الذي جاء يدعو إلى عدم التمييز بين الناس جميعا ليس فقط بين الرجال والنساء بل أيضا بين العبيد والأحرار. حيث أقيمت فكرة المؤتمر على إثبات حق الناس في التساوي في الكرامة والحقوق وغيرها.


– عام 1952 اعتمدت اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة ,
– عام 1957 اتفاقية جنسية المرأة.
– عام 1962 اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج.


– عام 1967 أصدرت الأمم المتحدة إعلان القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. إلا أنه لم يكن إلزاميا.
– 1972 اعتمدت الأمم المتحدة عام 1975 سنة دولية للمرأة وذلك في 28/9/1972 تحت شعار: مساواة – تنمية – سلام.


– عام 1975 عقد في نفس العام المؤتمر العالمي للمرأة في مكسيكو سيتي وكان من أبرز إنجازات هذا المؤتمر اعتماد خطة عمل عالمية تتبناها جميع الدول المنضمة إلى هيئة الأمم المتحدة هدفها ضمان مزيد من اندماج المرأة في مختلف مرافق الحياة. وقد أطلق المؤتمر على السنوات الواقعة بين أعوام 1976 وحتى1985 اسم عقد الأمم المتحدة للمرأة،يقينا منه أن يكون هذا العقد فترة زمنية كافية لتحقيق الأهداف ولتنفيذ الخطط الموضوعة لها في المجال العملي والتطبيقي.


– عام 1979 – 18/12/1979 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. والتي نحن بصددها. ودخلت حيز التنفيذ في العام 1981.


– عام1980 بين 14 و30 تموز 1980 تم عقد مؤتمر في مدينة كوبنهاجن – الدانمارك تحت شعار عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية: المساواة والتنمية والسلام.


– عام 1985 عقد مؤتمر نيروبي/كينيا لاستعراض التقدم المحرز في تنفيذ خطة العمل العالمية بعد عشر سنوات على وضعها موضع التنفيذ ولدراسة العقبات والمعوقات التي حالت دون تنفيذها كاملة في جميع دول العالم.


– 1994 مؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في نفس العام بمصر.
– 1995 مؤتمر بكين حول المرأة. عقد في بكين.


– 2000 مؤتمر بكين5+ الذي عقد في نيويورك صيف عام 2000 حيث خصص لدراسة تطبيق التوصيات الصادرة عن مؤتمر بكين حول المرأة.في السنوات الخمس الماضية ووضع خطة للسنوات الخمس القادمة تحت شعار المرأة عام 2000: المساواة بين الجنسين والتنمية والسلام في القرن الحادي والعشرين..


وأبرز التوصيات التي صدرت عن مؤتمر بكين5+هو العمل على رفع التحفظات عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والعمل على المصادقة النهائية عليها في أفق سنة 2005.


ثانيا – بنود الاتفاقية: الأمم المتحدة 2007 / 11 / 26 ، اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام، بقرارها 34/180 المؤرخ في 18 كانون الأول / ديسمبر 1979

تاريخ بدء النفاذ: 3 أيلول / سبتمبر 1981، طبقا لأحكام المادة 27



ثالثا – مواد الاتفاقية محل تحفظات الجمهورية العربية السورية:

المادة الثانية: المادة 2 

تحفظ الجمهورية العربية السورية عليها: ((الرغبة بالالتزام مع مستوى المادة الثانية من الاتفاقية شريطة ألا يتناقض هذا الالتزام مع أحكام الشريعة الإسلامية.))


المادة التاسعة: المادة 9

تحفظ الجمهورية العربية السورية عليها:)) تتحفظ الجمهورية العربية السورية على نص الفقرة الثانية من المادة/9/ لتعارض أحكامها مع أحكام قانون الجنسية السوري والذي لا يبيح للمرأة الحق في إعطاء جنسيتها لأطفالها طالما أن نسبهم من الأب معروف)).


المادة الخامسة عشر: المادة15:

تحفظ الجمهورية العربية السورية عليها: ((إن حرية الأفراد بالتنقل واختيار محل إقامتهم وسكناهم مضمون، لا وبل محمي أيضا بموجب الدستور السوري والقوانين الوطنية الأخرى. مع وجوب الأخذ بعين الاعتبار مراعاة الحدود التي رسمها الواجب الأدبي والشرعي من وجوب أن يكون سكن الزوجة مع الزوج وحق الزوج على زوجته في أن تتبعه في السكن كون الأسرة (المؤلفة من الزوج والزوجة) هي الخلية الأساسية في المجتمع السوري وعماده،وهي البيئة الصالحة لنمو الأطفال وتربيتهم تربية آمنة صحيحة متوازنة((.

المادة السادسة عشر:المادة16



تحفظ الجمهورية العربية السورية عليها: تتحفظ الجمهورية العربية السورية على:
((كل ما ورد في الفقرات ج – د – و– ز من البند الأول من المادة 16 والبند الثاني من ذات المادة بخصوص المساواة بين المرأة والرجل في علاقاتهما القائمة ضمن نطاق مؤسسة الزواج والأسرة أو عند انحلال هذه العلاقة في كل ما يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية)).


وللتفصيل تكون التحفظات على المادة 16 على النحو التالي:

البند /1/ الفقرة(ج): 

((التحفظ على المساواة في حقوق ومسؤوليات الزوج والزوجة في المطلق سواء أثناء الزواج أو عند فسخه لعدم تساوي حقوق ومسؤوليات الطرفين في مسائل عدة مثل: النفقة التي هي حق للمرأة حصراً ؛ العدة وهي واجب على المرأة في الطلاق أو عند وفاة الزوج…..الخ)).


البند/1/ الفقرة(د): 

((ويكون التحفظ في حدود الواجبات والمسؤوليات المختلفة الملقاة على عاتق الأبوين تجاه أولادهما بما يعتبر مصلحة الأطفال هي الراجحة (كالنفقة والحضانة))).

البند/1/ الفقرة(و): 

((التحفظ على المساواة بين الزوجين في أمور الولاية لأن الولاية على الأطفال بحسب قانون الأحوال الشخصية السوري هي للعصبات أي للرجال من أقارب الزوج ((من أصول وفروع)). وكذلك التحفظ على نظام التبني المخالف للقوانين الوطنية وأحكام الشريعة الإسلامية وموجب المنع هنا هو: هو حفظ النسب وما يستتبع ذلك من أمور كالمحارم في الزواج)).


البند/1/الفقرة(ز): 


((التحفظ على الحق في اختيار اللقب سواء بالنسبة للزوجة أو الأطفال. فقد أقر القانون الوطني للمرأة الاحتفاظ بلقبها بعد الزواج انطلاقا من استقلالية شخصيتها و ذمتها المالية عن زوجها. أما بالنسبة للأطفال فإنهم يأخذون لقبهم عن أبيهم. لان النسب في القانون السوري يكون للأب)).


البند /2/ من المادة/16/: 

((التحفظ على الأثر القانوني لخطوبة الطفل أو زواجه وذلك في الحدود التي لا تخالف أحكام قانون الأحوال الشخصية السوري. والسبب في ذلك أن المناخ الحار السائد في منطقتنا الجغرافية يعجل ببلوغ الطفل وباعتبار المجتمع السوري مجتمع محافظ لا يقر بالعلاقات الجنسية خارج إطار مؤسسة الزواج.فقد أباح القانون للقاضي تزويج الطفل بعد أن يجر له الفحوص الطبية اللازمة بغية التأكد من قدراته الجسدية والعقلية علما أن القانون السوري قد حدد السن القانونية للزواج بالسابعة عشر للفتاة والثامنة عشر للفتى)).


المادة التاسعة والعشرون:الماد/29/:

تحفظ الجمهورية العربية السورية عليها: تتحفظ الجمهورية العربية السورية على:
((نص الفقرة الأولى من هذه المادة والتي تقضي بحل الخلافات التي قد تنشأ بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف حول تفسير أو تطبيق أحكام هذه الاتفاقية عن طريق التحكيم والتي كان قد فشل حلها عن طريق المفاوضات وعند الفشل يعرض النزاع على محكمة العدل الدولية بناء على طلب أحد الأطراف وذلك لتفادي الالتزام بأي حكم في هذا المجال)).


رابعا – قراءة عامة حول الاتفاقية:

ان اتفاقية السيداو تشهد في الوقت الراهن من قبل المنظمات النسائية الحكومية وغير الحكومية في الدول العربية والإسلامية نشاطا مميزا من اجل ترويج مبادئها ومفاهيمها في هذه المجتمعات سعيا لإزالة التحفظات التي وضعتها حكومات هذه الدول على هذه الاتفاقية الأمر الذي أثار جدلا كبيرا وعميقا في هذه المجتمعات بين مؤيد ومعارض سواء من قبل القانونيين أم من قبل علماء الدين ومن بينهم نساء معارضات لهذه الاتفاقية لمخالفتها وتعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية وطبيعة مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي لها قيمها ومبادئها ومفاهيمها الخاصة التي تختلف اختلافا جذريا عن مفاهيم الغرب الذي صاغ الاتفاقية وفق مفاهيمه ومبادئه تلك في ظل غياب ممثلين عن الدول العربية والإسلامية.


الأمر الذي يتوجب قراءة بل دراسة بنود هذه الاتفاقية دراسة تحليلية دقيقة قبل الحكم عليها سلبا أم إيجابا من أجل الوقوف بشكل جلي وواضح لا مجال معه للغموض واللبس على مبادئها وقيمها التي تحاول الاتفاقية زرعها في مجتمعاتنا سيما وأن هذه الاتفاقية حلت محل دساتير الدول وقوانينها الشرعية (الأحوال الشخصية) من حيث المرجعية في كل تتضمنه من مبادئ ومفاهيم وقيم.


– أمام السياق التاريخي لوضع المرأة ضمن المخطط الدولي السابق الذكر يحق لنا عن هذا الإصرار الدولي الغربي لوضع اتفاقية دولية للمرأة وفرضها بما تتضمنه من مبادئ وقيم وأهداف بغض النظر عن ايجابياتها أو سلبياتها على دولنا ومجتمعاتنا خاصة أنه من صاغ هذه 
الاتفاقية وفقا لمبادئه وقيمه.


– الأمر الذي يلقي مسؤولية كبيرة على عاتق المختصين من قانونيين وعلماء ،دين مسلمين ومسيحيين مسؤولية عظيمة يسألون عنها أمام الله وأمام حكوماتهم ومجتمعاتهم بضرورة وضع هذه الاتفاقية موضع الدراسة بكل بنودها وبيان رأيهم مجتمعين فيها وبالتحفظات التي وضعت عليها حسما لكل الإشكالات والتناقضات التي أثيرت حولها ووصلت لحد الاتهام بين كل من بحث في هذه الاتفاقية وبالتالي الانقسام في المجتمع حتى بين النساء أنفسهم بين مؤيد ومعارض للاتفاقية والتحفظات التي وضعت عليها. والذي أعتبره أنه الهدف الأساسي والجوهري الذي حققته الاتفاقية في مجتمعنا بكل امتياز.


– أمام التدافع بين مؤيد ومعارض للاتفاقية والتحفظات عليها فإني أبدي هذه القراءة لبنود الاتفاقية حتى تتوضح كل المفاهيم والمصطلحات محل الخلاف والجدل الواردة بالاتفاقية. فالاتفاقية بما تضمنته إنما تشكل في حقيقة الأمر غزو ثقافي، وعولمة لمجتمعاتنا بقوالب الغرب الذي يشكل الانحلال الخلقي والأسري أساسا متينا له.وأوصله إلى حالة من التلبك والتشرذم.


– فماذا عن الشاب في بلاد الغرب الذي ذهب ليتزوج من فتاة يفاجأ برفض والده كونها أخته وكذلك الثانية والثالثة حتى لجأ الشاب إلى والدته التي أخبرته أن يخطب ويتزوج من يشاء لأن هذا الرجل ليس أباه.


– فضلا عن الابنة المطلقة لها الحرية في التصرف والسلوك بشرط أن لا تحبل.


– إن المصطلحات الموجودة في الاتفاقية جاءت غامضة وعامة ومطلقة. الأمر الذي يتطلب إزالة هذا الغموض ووضع حد لهذا الإطلاق في المصطلحات كي لا تحتمل أكثر من تأويل وتعريف نظرا للاختلاف والتباين الكبير بين مفاهيم الغرب ومفاهيمنا لهذه المصطلحات.


فكان ينبغي أن تعرف هذه المصطلحات بشكل دقيق وواضح لا يحتمل التأويل، وأن يعلن لدى جميع الدول معناها المراد منه.

– فمثلا : المساواة عند الغرب تعني التماثل؟؟!!! أما لدينا فتعني التكامل.
وهم من خلال هذا يريدوا أن يدخلوا مفهوم ((الجندر)) وهو مفهوم يهودي لا أصل له في الثقافة النصرانية ولا عند الغرب! بل أتى من حركة يهودية هي حركة التمركز حول الأنثى!!. ويعني أنه: ((لا فرق بين المرأة والرجل إلا في الجهاز التناسلي!!)) بينما هناك فروق كبيرة وهذا ما أثبته العلم الحديث.


– الأمم المتحدة تريد أن تثبت أن للمرأة والرجل الوظائف نفسها وهذا يتنافى مع ديننا الإسلامي! فالمرأة والرجل يتكاملان ولا يتماثلان. فللرجل حقوق وواجبات تختلف عن حقوق وواجبات المرأة.


– ومصطلح الحرية الرنان لدى الغرب فهو يعني لديهم أن تكون المرأة حرة في جسدها عازبة أو متزوجة.أي تتمتع كما تشاء وتمتع من تشاء وأن تتصرف المرأة بغشاء البكارة كما يحلو لها!! 
فهو من حقها تزيله متى تشاء ومع من تشاء!!. في حين يحرمون على مجتمعاتنا الزواج المبكر ويضخمون أثاره مع أن فوائده كثيرة كما أثبته الطب وهي عندهم حرة في تحديد السن الذي تمارس به الجنس مهما كان عمرها.


– هذا ناهيك على أن الاتفاقية جعلت المرجع في كل ما يتعلق بالاتفاقية الأمم المتحدة التي صيغ ميثاقها وفق رغبات ومبادئ وقيم الدول العظمى التي خرجت منتصرة بعد الحرب العالمية الثانية وبالتالي إملاء رغباتها وشروطها وأهدافها على الدول الأخرى الضعيفة وخاصة الدول النامية والفقيرة.


كل ذلك في إطار الغزو الثقافي والعولمة الكونية.
إذ شكلت لجان لهذه الاتفاقية من أجل متابعة تطبيقها وإبداء الرأي بحق الحكومات التي لم تتخذ أي إجراءات قانونية وتشريعية بما تنسجم وبنود الاتفاقية دون أن تأخذ هذه اللجان أي اعتبار لدساتير هذه الدول ومعتقداتها الدينية والاجتماعية.
علما أن هذه اللجان تتكون من عناصر معظمهم من الغرب مما سيشكل هتكا لسيادة هذه الدول الوطنية وفرض ما لا يتوأم معها.


خامسا – بعض الآراء الشرعية المؤيدة والمعارضة لما تضمنته الاتفاقية فيما يتعلق بالأمور الشرعية: أوردها كما هي:



يروى عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ولى امرأتين في (الحسبة) هما الشفاء وسمراء بنت نهيك الأسدية، فكانتا تمران في أسواق المدينة تأمران بالمعروف وتنهيان عن المنكر وتضربان الناس على ذلك بالسوط!!


وبالنسبة لتولي المرأة القضاء فانه لا يوجد نص صريح الدلالة يحول دون ذلك، فالأصل في الأشياء هو الإباحة كما هو معلوم، ولكن البعض يحاول أن يقيس ويتساند إلى بعض الأمور الفقهية الأخرى من اجل التحريم، ولكن ذلك ينفيه رأي الإمام ابن حزم والطبري وابن جرير والإمام أبو حنيفة.


ويتفق الدكتور يوسف القرضاوي مع رأي ابن حزم فيما يخص حديث الرسول (ص) الذي يقول فيه (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ويوضح انه مقصور على الخليفة والإمام الأعظم، ويمكن أن نقول اليوم أن رئيس الدولة يمثل الخليفة وان كان رئيس الدولة أشبه بوالي الإقليم بالنسبة للخلافة، وقال القرضاوي: لا أرى مانعا من تولى المرأة القضاء بكل فروعه جنائيا كان أم مدنيا لكن هذا موقوف بتطور المجتمعات، فليس هذا صالحا لكل مجتمع ولكل وقت، إذ لابد أن يبلغ المجتمع درجة من النضج والتطور، بحيث يكون حكم المرأة مقبولا فيه.
وأضاف أن أمر القضاء ليس مفتوحا لكل امرأة، فالمرأة التي في السنين الأولى لحياتها الزوجية، ليس الأنسب أن تجلس على منصة القضاء، حيث تكون مشغولة بمرحلة الحمل والنفاس والرضاعة.. لذلك فان الأنسب هو أن تكون قد تجاوزت هذه المرحلة في ظل اكتمال نضجها وخبرتها، وساعتها يمكن أن تتولى حتى الوزارة وحتى رئاسة مجلس الوزراء فضلا عن عضوية البرلمان.
وقال يشترط فقط أن تكون عندها الكفاية والأهلية.


يقول الله تعالى في محكم تنزيله (اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)، ويقول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام (النساء شقائق الرجال)، من هذا الفهم يمكننا إتاحة الفرصة للمرأة أن تعمل في شتى مجال الحياة، بل ويحثنا ديننا على مساعدتها والأخذ بيدها فهي الشق الآخر الذي به تكتمل حلقات الحياة.


نلاحظ أن هناك اختلاف بين الفقهاء والعلماء الأقدمين فيما يتعلق بولاية المرأة وغيرها من المسائل الأخرى، فحينما نجد الإمام مالك أكثر محافظة، لا سيما في حقوق المرأة الزوجية كالعصمة مثلاً، نجد أن الإمام أبو حنيفة أكثر انفتاحاً وتأثراً بمجتمع الكوفة وبالتالي نجده قد أقرّ للمرأة حقها في نفسها الذي كفلته النصوص القرآنية.


هناك بعض من العلماء أنكر حقوق المرأة السياسية ومنهم من أقرّها فإبن حزم في المحلى نجده قد قيّد عدم جواز ولاية المرأة بالإمامة الكبرى وحدها..


كما أن الطبري له رأي هو يجوز للمرأة أن تكون حاكماً على الإطلاق في كل شي، والدليل على ذلك “أن الأصل هو أن كل ما يتأتي منه الفصل بين الناس فحكمه جائزاً إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى” رواه ابن رشد في بداية المجتهد، وكما أن الإمام الشافعي يرى أن للمرأة الحق في إمامة النساء في الصلاة.


خلاصة آراء المقيدين:

1- جاء في مجمع الأنهر في الفقه الحنفي: يجوز قضاء المرأة لكونها من أهل الشهادة وإن وليت القضاء ففي غير حد أو قصاص.
2- جاء في تبصرة الأحكام في الفقه المالكي: شروط القضاء التي لا يتم إلا بها عشرة والذكورة من شروطه.
3- جاء في الأحكام السلطانية للماوردي في الفقه الشافعي: فالشرط الأول لولاية القضاء أن يكون رجلاً.
4- وقال إبن قدامى في الفقه الحنبلي: لنا في هذا الصدد حديث ما أفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة.


خلاصة آراء المجيزين:

وهو على العكس من رأي المقيدين تماماً.
1- أجاز الطبري وأبو ثور إمامة المرأة للرجال والنساء في الصلاة مستدلين بما رواه أبو داؤد من حديث أم ورقة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذناً يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها، هذا ما ذكره ابن رشد في بداية المجتهد الجزء الأول صفحة 46


2- نجد أن أبو حنيفة قد ساوى بين ديّة الرجل والمرأة بقوله تعالى (النفس بالنفس) دون تخصيص.


3- قال الطبري ما دامت المرأة أهل للفتوى فهي أهل للقضاء وقال يجوز أن تكون المرأة حاكماً على الإطلاق في كل شيء، هذا ما ورد في بداية المجتهد لإبن رشد الجزء الثاني صفحة 459.


4- أما إبن حزم في المحلى يقول جائز أن تولى المرأة الحكم.
وقال رداً على من أحتج بالحديث (لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة) إنما قيل هذا في الأمر العام أي الخلافة.


5- وبعضهم استند إلى الآية الكريمة ((المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)) التوبة71 حيث اعتبروها ردا على جميع التفسيرات التي حرمت المرأة الولاية على نفسها واعتبرتها إنسانا ناقص الأهلية. 
واستندوا إلى الحديث النبوي الشريف ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر والبكر حتى تستأذن)) في ولاية المرأة على نفسها في الزواج.


6- استدل القائلون بقوامة المرأة بالآيات التالية:
((الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم)).


((والله فضل بعضكم على بعض في الرزق)).


((ولا تتمنوا ما فضل الله بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)).


حيث يقولون: أن القوامة بقدر الإنفاق،ثم أن التفضيل الذي جاء بالآيات لم يأت إلا لجهة التفضيل بالرزق فقط وليس بشيء أخر. وإلا تناقض مع أكثر من ستين آية تساوي بين الرجل والمرأة ، منها:


((من عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مؤمن لنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم أحسن ما كانوا يعملون)).


((ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم)).


((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)).


وفي هذا الصدد نورد بعض آراء رجال الدين في الجمهورية العربية السورية واللاتي أبدوها خلال الندوات الحوارية حول الاتفاقية والتي دعا إليها الاتحاد العام النسائي السوري والهيئة السورية لشؤون الأسرة على ما أعتقد عام 2008 .


– سماحة الدكتور أحمد بدر حسون المفتي العام للجمهورية: 

الذي تساءل خلال الندوة عن بداية الفوضى في المجتمع العربي والإسلامي؟ هذه الفوضى أساسها أن أكثرية الدول تجعل الإسلام مصدرا أساسيا للتشريع وفي الوقت نفسه تقف ضد التشريع الإسلامي مع تبرير كثير من الفقهاء لهذه المواقف.
وأضاف أن غياب المرجعية الموحدة في الأمة العربية والإسلامية يعود إلى أن بعض الفقهاء وضعوا الفقه الإسلامي في خدمة الحاكم في القرارين السياسي والديني،وهنا ضاعت المرجعية في الأمة العربية.
وأكد على ضرورة أن تكون الأمة العربية والإسلامية طرفا واحدا تجاه هذه التحفظات كمعبر عن وحدة الإنسان العربي والإسلامي. وهناك خلط بين الجنسية والنسب في بلدنا فالنسب معنوي بينما الجنسية شيء أخر.


وتابع حديثه مبينا أن نظرتنا للاتفاقية وتحفظاتنا عليها كانت متسرعة جدا،وينبغي أن نعيد النظر فيها.


هذه المشكلة ينبغي أن ينهيها البحث العلمي وأن لا يعتمد على مجموعة واحدة وهنا يأتي دور المرجعية الموحدة للوصول إلى قرار وطني وتجاوز التقسيمات إلى وطنية، مذهبية، طائفية، عرقية، وأحيانا شخصية. نحن مطالبون بالنظر إلى الاتفاقيات بعين منفتحة، وأن يجرِ الحوار بذهنية وطنية منفتحة وإلا كان الحوار عقيما، وأن نتفهم الأمور بحسن نية.
ونوه إلى حق المرأة في منح الجنسية لأولادها هو حق مشروع وقانون الجنسية يمكن أن ينظم هذه المسألة.


موضحا على أنه من غير المسموح إرهاب رجال الدين للناس كل واحد له مظلة يتلطى بها.
مؤكدا أهمية المرجعية وضرورة العودة إلى المرجعية.


وتحدث عن الزواج المبكر ونتائجه السلبية وعن توجهات وإصدار تعاميم ستصدر قريبا في هذا المجال بأن كل شخص يعقد عقدا لا يثبت في المحاكم الشرعية يتعرض لعقوبات. العاقد والمعقود والأسرة ، و أن عقود الزواج يجب أن لا تجرِ خارج المحكمة.


كما تحدث سماحة المفتي عن أهمية التقارير الطبية قبل الزواج، وأن الطبيب وصاحب المخبر سيحولان إلى المحكمة فيما لو ثبت ولادة أطفال غير طبيعيين .


ووصف تعدد الزوجات بحالة غير إنسانية، وعن موضوع النساء في المساجد قال يجب دراسته وتنظيمه ضمن مساحتنا الروحية والإنسانية.


– الدكتور محمد حبش عضو مجلس الشعب في سوريا:

قدم الدكتور حبش مداخلة بين فيها رأي الشرع الإسلامي بالتحفظات الواردة على الاتفاقية فأورد آيات قرآنية كثيرة تتضمن المساواة بين الرجل والمرأة من بينها الآية الكريمة التي تقول:


((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، واستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)). 

وتوصل في نهاية مداخلته إلى النتيجة التالية: أن التحفظ ضروري على الفقرتين /ج / و/و/ من البند الأول من المادة 16 وكذلك البند 1 من المادة 29 تجنبا لسوء تفسير الاتفاقية ولا داعي لتحفظ آخر.


– الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ بكلية الشريعة الإسلامية بدمشق:

الذي أكد على أن بنود المعاهدات واتفاقيات السكان لا يمكن لدولة إسلامية أن تقبلها!! والتحفظات الموضوعة عليها جميع الدول الإسلامية تضعها لأنها تخالف الشريعة الإسلامية .


والمشكلة في بلادنا لا تتجاوز أن هناك فرقا بين حقيقة هذا الدين الإسلامي والممارسات الخاطئة للمسلمين التي تشوه الدين الإسلامي وهذا وحده يجعلنا عرضة لبعض المشاكل والاتهامات.فالله الذي خلق هذا العالم بتكوينه البديع والدقيق لن يظلم المرأة! فكمال الخلق يدل على كمال التصرف، فالله خلق المرأة والرجل ليكملا نقص بعضهما، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف.
فالمساواة تامة وعلى الرجال درجة القيادة فقط. 
وأضاف قائلا: نحن لسنا بحاجة إلى اتفاقيات وحقوق إمرأة بل بحاجة لفهم إسلامنا!! فلا داعي لأن نستورد أنظمة أرضية ولدينا أنظمة سماوية!!.


سادسا – التشريعات الوطنية وحقوق المرأة:

– المرأة السورية متساوية مع الرجل في الحقوق مساواة مطلقة وهذا ثابت من خلال دستور الجمهورية العربية السورية والواردة بعض نصوصه المتعلقة بذلك في متن هذا البحث فضلا عن القوانين والتشريعات الأخرى.

– وقد اتخذت الجمهورية العربية السورية العديد من التدابير التشريعية لمنع أي تمييز ضد المرأة. فكان إحداث الهيئة العامة السورية لشؤون الأسرة بموجب القانون رقم /42/لعام 2003 وقد جاء في أهداف الإحداث لحظ التشريعات القديمة واقتراح تعديل بعض المواد لصالح المرأة واقتراح مشاريع قوانين للتخفيف من المعوقات أمام تحقيق تطور المرأة ومساواتها الكاملة مع الرجل.


– صدور القانون رقم/78/لعام 2001 القاضي بتوريث المرأة العاملة لراتبها التقاعدي لورثتها الشرعيين وفق قانون التأمينات.
– صدور القانون رقم /18/ لعام 2003 القاضي بزيادة سن الحضانة لتصبح 13 سنة للولد و15 للبنت.
– صدور القانون رقم /35/ لعام 2002 الذي قضى بتعديل المادة 133 من قانون العمل وذلك بزيادة مدة إجازة الأمومة المدفوعة الأجر من 75 يوما إلى 120 يوما عن المولود الأول و90 يوما عن المولود الثاني و75 يوما عن المولود الثالث.


– وللمرأة العاملة المرضع الحق في إجازة مدتها ساعة حتى يتم وليدها السنة من عمره .


كما تكفل التشريعات شروطا صحية لعمل المرأة حيث حدد قانون العمل ساعات المرأة في القطاع الخاص وعدم جواز تشغيلها ليلا.


– فضلا عن ان للمرأة في القانون السوري ذمة مالية مستقلة عن ذمة زوجها المالية. فمن حقها القانوني ممارسة التجارة وتنظيم العقود وتوقيعها ولها الحق في رفع الدعاوى.


كما حمى القانون السوري المرأة من العنف وعاقب على الاتجار بالنساء ومنع فتح أماكن للدعارة وعاقب على جريمة الاغتصاب حيث تصل العقوبة إلى 15 سنة ولا تقل عن 21 في حال كان المعتدى عليها لم تتم الخامسة عشر من عمرها.


– والمرأة السورية متساوية مع الرجل في كامل حقوقها السياسية فهي تمارس حقها في الترشح والانتخاب لعضوية المجالس المحلية ولعضوية مجلس الشعب. كما أصبحت وزيرة وقاضية وتبوأت المرأة العربية السورية أرفع مكانة سياسية لها حيث أصبحت نائبا لرئيس الجمهورية.


سابعا- إزالة التحفظات من الوجهة القانونية:

1 – بالنسبة للتحفظ على المادة الثانية: 

فإني أرى أنه لا يعتد به قانونا لأن هذا التحفظ مخالف للدستور. حيث نصت الفقرة الرابعة من دستور الجمهورية العربية السورية على ما يلي:
((الحرية حق مقدس والديمقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل للمواطن ممارسة حريته التي تجعل منه إنسانا كريما قادرا على العطاء والبناء،قادرا على الدفاع عن الوطن الذي يعيش فيه، قادرا على التضحية في سبيل الأمة التي ينتمي إليها وحرية الوطن لا يصونها إلا المواطنون الأحرار ولا تكتمل حرية المواطن إلا بتحرره الاقتصادي والاجتماعي)).


– أيضا الفصل الرابع من الدستور والمتعلق بالحريات والحقوق والواجبات العامة فقد نص على ما يلي: المادة /25/ منه التي تنص على :
((1 – الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.
2 – سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة.
3 – المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
4 – تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.))
المادة/26/منه تنص على ((لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك.)).


المادة/33/ منه تنص على: ((1 – لا يجوز إبعاد المواطن عن أرض الوطن.
2 – لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة إلا إذا منع من ذلك بحكم قضائي أو تنفيذا لقوانين الصحة والسلامة العامة.
المادة /45/ منه تنص على: ((تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي)).


– إن مقارنة بسيطة للمادة الثانية من الاتفاقية ومواد الدستور المذكورة أعلاه يبين توافقا إلى حد كبير في الغايات والمقاصد.
فالدستور السوري عندما تحدث عن المواطنين لم يقصد بهم الرجال فقط فالمواطنة صفة للرجل والمرأة على حد سواء.
– والدليل أن الانتخاب حق كفلته الدولة للجنسين وأن الهوية تمنح للرجال والنساء تعبيرا عن مواطنتهم وتأكيدا لها وبالتالي فالقانون السوري يجب أن يلتزم بنص الدستور والاتفاقية لضمان المساواة.


فالدستور في مادته الخامسة والعشرون الفقرة/3/نص على: المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.


فلماذا تأتي قوانين أخرى تفرق بين مواطن ومواطنة أمام القانون؟؟ولماذا تتحفظ سورية على مواد أصلا تتوافق مع دستورها وهو أسمى القوانين درجة وواجب التطبيق وتتمسك بتحفظات أصلا تخالف دستورها.


– وقد جاءت المادة /45/منه والتي نصت على: ((تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي)).


جازمة في هذا الصدد الأمر الذي يتوجب معه إزالة التحفظات على هذه المادة بفقراتها المنوه عنها أعلاه كونها تتوافق مع الدستور وهو أسمى القوانين وإعادة صياغة القوانين بما يتوافق مع أحكام الدستور بشكل يتيح المشاركة الفعلية والكاملة في الحياة بكل نواحيها وخاصة الاجتماعية منها.


2 – بالنسبة للتحفظ على المادة التاسعة: بمقارنة نص هذه المادة من الاتفاقية والواردة أعلاه نجد أنها تتوافق مع دستور الجمهورية العربية السورية وبشكل خاص المادة الثالثة والأربعون منه والتي تنص على:
((ينظم القانون الجنسية العربية السورية ويضمن تسهيلات خاصة للمغتربين العرب السوريين وأبنائهم ولمواطني أقطار الوطن العربي)).


وهنا نتسأل أو ليس منح المرأة حق إعطاء جنسيتها لأبنائها هي من قبيل التسهيلات الضرورية التي يجب منحها للسورية المغتربة المتزوجة من رجل عربي مثلا ومواطني الأقطار العربية المتزوجين من سورية والمقيمين في سورية.


– إلا أنني أرى أن التحفظ الوارد على هذه المادة في محله القانوني لما لهذه المادة من دوافع سياسية ومخاطر على السيادة الوطنية للدول لأنه من حق أي دولة أن تنظم 
قانون جنسيتها بما يتلاءم مع مصالحها ومعتقداتها وبشكل يحقق مصالحها الوطنية ذلك أنني أعتقد أن هذا التحفظ لا علاقة له بالتمييز ضد المرأة.فالجنسية تمثل علاقة سياسية بين مواطن ووطن.


وتتعلق بالظروف السياسية والقناعات التي ترتبط بالدولة ولها الحق في تحديد الشروط الواجب توفرها بالشخصية لمنحها حق الجنسية الخاصة بها.


كما أن هذا التحفظ له علاقة وطيدة بالموقف السياسي لحكومة الجمهورية العربية السورية من القضية الفلسطينية والمتعلقة بحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم المحتلة ، ومنع التوطين الذي تسعى إليه إسرائيل ومن وراءها الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.


وما ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين يطبق أيضا على اللاجئين العراقيين.


3 – بالنسبة للتحفظ الثالث والوارد على المادة/15/ من الاتفاقية والتي تتعلق بحرية الأفراد بالتنقل واختيار محل إقامتهم وسكناهم.الخ.
من الناحية القانونية نص المادة /15/ من الاتفاقية يتوافق مع نص المادة الثالثة والثلاثون من دستور الجمهورية العربية السورية والتي تنص على:
1 – لا يجوز إبعاد المواطن عن أرض الوطن.
2 – لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة إلا إذا منع من ذلك بحكم قضائي أو تنفيذا لقوانين الصحة والسلامة العامة.
إلا أن هذا التحفظ وضع على الاتفاقية كونه يتعارض وأحكام الشريعة الإسلامية.


4 – فيما يتعلق بالتحفظ الوارد على الفقرات /ج-د-و-ز/من البند الأول من المادة /16/من الاتفاقية والمتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة في علاقاتهما القائمة.


هذا التحفظ من الناحية القانونية لا يتعارض مع أحكام القانون لأن الدستور هو أسمى القوانين وقد نص على مبدأ المساواة أمام القانون وتحقيق العدالة والتكافؤ والحرية.
إلا أن هذا التحفظ وضع على الاتفاقية كونه يتعلق بالأحوال الشخصية ويتعارض وأحكام الشريعة الإسلامية.


5– التحفظ المتعلق بالمادة /29/فقرة/1/المتعلقة بتحكيم أي خلاف ينشأ بين دولتين فيما يتعلق بهذه الاتفاقية:.
اعتقد أن التحفظ الوارد هنا في محله لتعلقه بالسيادة الوطنية ولتفادي الالتزام بأي حكم يفرض في هذا الصدد.


** وإن إزالة هذه التحفظات يحتاج إلى متابعة حثيثة وآلية عمل من قبل الهيئة السورية لشؤون الأسرة والتي أحدثت بموجب القانون /42/ لعام /2003/. نظراً لمخالفة التحفظات الموضوعة على الاتفاقية للدستور، والدستور هو الأعلى مرتبة.فهو أسمى القوانين، وقواعده تتسم بالسمو على القواعد القانونية الأخرى وهي الواجبة التطبيق.


بحيث تعمل هذه الهيئة وفق الأطر القانونية ذات الصلة بالعمل على وضع مشروع قانون من قبل مجلس الوزراء لإزالة جميع التحفظات ذات الصبغة القانونية على هذه الاتفاقية لمخالفتها أحكام الدستور والذي يحيله بدوره لمجلس الشعب ليصار إلى مناقشته وإقراره وبالتالي إصداره من قبل السيد رئيس الجمهورية بمرسوم ليصبح قانوناً نافذاً ومن ثم إيداعه مكتب الأمين العام للأمم المتحدة عن طريق وزارة الخارجية في الجمهورية العربية السورية.


** إلا أنني أقول: إنني مع التحفظات على الاتفاقية بشكل مطلق لحين وضع تعاريف واضحة ومحددة لكل مصطلح وتعبير ورد في الاتفاقية يتعلق بالتمييز والمساواة والحرية و((الجندر))!!؟؟ وبشكل مكتوب ومعلن لدى كل الأطراف في الاتفاقية واعتبارها عند الاتفاق عليها جزءا لا يتجزأ من الاتفاقية.
ذلك ان هذه المصطلحات والمفاهيم تختلف في معناها لدى الغرب عنها لدى مجتمعاتنا.الأمر الذي قد يتيح للغرب عبر الأمم المتحدة المرجعية المطلقة في كل ما يتعلق بهذه الاتفاقية من فرض ثقافات مغايرة لثقافاتنا وعاداتنا وقيمنا الثقافية و الأخلاقية و الدينية ((عولمة)). 
هذا من جهة والتدخل بالسيادة الوطنية لدولنا من جهة ثانية.


ثامنا – الخاتمة:

لقد نجحت الاتفاقية في تحقيق هدفها الأساسي والجوهري في المجتمع العربي والإسلامي ألا وهو تحقيق الاختلاف والانقسام وتعدد الآراء والمواقف الدينية والقانونية من الاتفاقية بين مؤيد ومعارض للاتفاقية من جهة وللتحفظات من جهة ثانية.
الأمر الذي يتطلب التوحد من قبل كافة المرجعيات الدينية بمختلف انتماءاتهم المذهبية من جهة ومن قبل القانونيين من جهة ثانية،بوضع الاتفاقية موضع الدراسة والبحث الدقيق وبالتالي إصدار قرار وموقف واحد من هذه الاتفاقية والتحفظات الموضوعة عليها منعا من الوصول بمجتمعاتنا نحو التفكك والتشرذم كما يريد الغرب. 
________________________________________
المحامي بشار نورس الحريري، (وجهة نظر حول السيداو والتحفظات السورية عليها)


المراجع : 
– نص اتفاقية السيداو .
– دستور الجمهورية العربية السورية و تعديلاته
29/3/1980 تاريخ 2 بالقانون
3/7/1991 تاريخ 18 والقانون
11/6/2000 تاريخ 9 رقم والقانون .
– آراء فقهية لبعض فقهاء الأمة الإسلامية و رجال الدين في سورية منوه عنها في متن الدراسة .
– الاتفاقيات و المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأةوجهة نظر حول السيداو والتحفظات السورية عليها


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock