كتب/
خطاب معوض خطاب
الفنان محمد عبد القدوس هو واحد من الذين عشقوا الفن عشقا بلا حدود، وتحدى جميع من يحيطون به وتحدى الظروف القاسية التي عاشها وذاب في الفن بكل كيانه، ورفض الفنان محمد عبد القدوس جميع الإغراءات التي عرضت عليه، ولم يخضع لسيل التهديدات التي تعرض لها ليبتعد عن طريق الفن، ورغم ذلك فإنه لم يأخذ من الفن شيئا ولم يحظ بالشهرة التي تتناسب مع موهبته، كما أنه لم يعد يتذكره أو يذكره إلا القليل.
الفنان محمد عبد القدوس الذي ربما لا يذكر أحد اسمه حاليا، ورغم أن أعماله الفنية قليلة ونادرة، إلا أننا من المؤكد سنتذكره في دور الثري الطيب خفيف الظل “ممتاز شركس” الذي يهوى الطرب القديم في فيلم “ليالي الحب” مع عبد الحليم حافظ، وخاصة في المشهد الذي جمعه بعبد الحليم حافظ وعبد السلام النابلسي حينما غنى عبد الحليم حافظ أغنية “أمرك يا سيدي”، كما سيتذكره من تابع فيلم “أنا حرة” المأخوذ عن رواية كتبها ابنه إحسان عبد القدوس وذلك في دور “حسين زايد” والد البطلة، كما أنه أبدع في أداء دور الشيخ قمر الدين والد عصفور قمر الدين الذي أدى دوره الفنان عبد المنعم إبراهيم في فيلم “سر طاقية الإخفاء”، ودور خال الفنانة ليلى مراد في “فيلم يحيا الحب”.
الفنان محمد عبد القدوس اسمه محمد أحمد رضوان سليمان عبد القدوس، وهو مولود في 3 أغسطس سنة 1888م لأسرة محافظة، فوالده الشيخ أحمد رضوان كان من خريجي الأزهر الشريف، وكان يعمل رئيس كتَّاب بالمحاكم الشرعية، وأما والدته فهي تركية الأصل، وكان والده يستضيف في بيته عددا كبيرا من أهل الفن والطرب، حيث كان صديقا مقربا للمطرب عبده الحامولي والمطرب محمد عثمان، وروى الكاتب المعروف إحسان عبد القدوس عن جده الشيخ أحمد رضوان أنه يوما كان يستضيف أصدقاءه الموسيقيين، وأنه أعطاهم أعوادا من النعناع في ذلك اليوم فأمسك المطرب محمد عثمان بآلة العود وارتجل أغنيته الشهيرة:
يا بتاع النعناع يا منعنع
يا بتاع النعناع يا شيخ أحمد
والفنان محمد عبد القدوس نشأ في بيت والده الأزهري المحب للفن والموسيقى، فكان محمد عبد القدوس يستمع لأصدقاء والده المطربين ويقلدهم، كما تعلم العزف أيضا، وأصبح مع الوقت مبتكرا للمنولوجات فيكتبها ويغنيها مثل منولوج:
في مرة وأنا ماشي نواحي العباسية
قابلت بنت حلوة أطول مني بلكمية
كما كتب الفنان محمد عبد القدوس مسرحية بعنوان “إحسان بيه” وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي بطولة عزيزة أمير وأحمد علام وحمل الفيلم اسم “بنت النيل”، وهكذا أصبح محمد عبد القدوس فنانا يغني ويمثل، مما عرضه للعديد من المشكلات مع والده الذي عرض عليه أن يساعده على السفر لاستكمال دراسة الهندسة بأوروبا، كما عرض عليه أن يهبه جميع أملاكه ليديرها لكنه رفض وتمسك بالعمل بالفن، وزادت هذه المشكلات عندما التقى الفنانة فاطمة اليوسف الشهيرة بلقب روز اليوسف، حيث ارتبطا بقصة حب وتزوجا، مما جعل والده الشيخ أحمد رضوان يطرده من منزل العائلة لأنه تزوج “مشخصاتية”.
والعجيب أن محمد عبد القدوس وروز اليوسف قد انفصلا بعد مضي ما يقرب من عامين على زواجهما، وحدث بعد طلاقهما أن أنجبت روز اليوسف ابنها إحسان الذي أصر جده الشيخ أحمد رضوان على الاحتفاظ به وتربيته في بيته بالعباسية، حيث أشرفت على تربيته عمته السيدة “نعمات هانم رضوان”، وقد سجل الابن إحسان عبد القدوس هذه الفترة التي قضاها في بيت جده في روايته المعروفة “أنا حرة”.
والفنان محمد عبد القدوس تخرج في مدرسة الفنون والصنايع وذكرت بعض المصادر أنه تخرج في المهندسخانة التي تعادل كلية الهندسة حاليا، وبعد تخرجه عمل ناظرا لمدرسة نجع حمادي الصناعية، كما عمل مهندسا بالطرق والكباري، لكنه ترك وظيفته بعد فترة وتفرغ للفن تماما، واشترك في 15 فيلما سينمائيا خلال الفترة من سنة 1932م حتى سنة 1960م.
ولكن في نهاية الأمر ترك الفنان محمد عبد القدوس العمل بالفن وعاد لعمله الأصلي مرة أخرى حتى توفي في مثل هذا اليوم منذ 50 عاما، وتحديدا في يوم 15 يناير سنة 1969.