أدم وحواءعاممقالات

الهدية المرفوضة


الهدية المرفوضة

كتبت / صفاء القاضي

عند خروجك من المنزل صباحا أو مساء في شتى المناسبات التقليدية كالعمل أو الخاصة كالحفلات والنزهات , أنت دوما تفضل أن تلقي تلك النظرة المتفحصة على مرآتك لتقصي مظهرك وتتبع نواقصك والسعي وراء إصلاحها 
كيف يبدو وجهك وشعرك ؟ ومن ثم تسرع إلى إخفاء العيوب وإصلاح النقائص و تغطية الندوب حتى تصل إلى حالتك التامة التي تفضلها في استقبال نظرات الآخرين إليك 
فهل في هذه اللحظات تفضل النظر إلى مرآة مكسورة ؟ أم مرآة مصقولة ؟ هل تفضلها معكرة لا تنقل الصورة بصفائها التام ؟ أم هل تفضلها مرآة شفافة تنقل أدق التفاصيل الصغيره , فربما شعرة صغيرة أو ندبة غير ظاهره تعكر صفو هذه الصورة التي ترتضيها لنفسك .
لن تجد شخصا في الحياه يفضل النظر إلى مرآة مطموسة أو مخدوشة أو مكسورة , الجميع هنا يفضلها مصقولة صافية بلورية تعكس الحقيقه الكامله دون إخفاء أو مواربة أو نفاق


هذا ما يتعلق بالشكل لكن عندما انتقل إلى المضمون فنجد أن الأمر مختلف تماما الكل يفضل المداهنة والنفاق الجميع يبحث عن المرآة المكسورة وبعضهم يفضلها مقعرة ليرى صورته بها أكبر جدا من الحقيقه يفضل أن ترتدي نظارة مكبرة عند النظر إليه و يظن أن العين حينها تقول الحقيقة .
هو يختفي وراء التقعر ثم يصدق نفسه , يبحث عن النفاق فاتحا أحضان عقله متقبلا وسعيدا بكل ما يأتي من هذا الإتجاه .

و على الإتجاه المعاكس فالجميع لا يتقبل النقد , و رغم أنك لو فكرت قليلا لوجدت أن النقد هو أعظم هديه تقدمها لإنسان 
فعندما تنتقد شخصا ما على فعل أو قول أو عمل إبداعي يستحق التعديل والنقد فأنت أهديت له هدية قيمة سواء قبلها أو رفضها فالافادة محققة منها وذلك لأنه إن قبلها تحقق له تصحيح الأخطاء وتفاديها والبحث عن الصحيح واتباعه , وإن رفضها وتغافل عنها فهو لن يعرضها أمام الناس بكل تلك الثقة قبل النقد الذي رفضه
لشعوره أن جانب العلة موجود فيه والذي لفت نظر الآخرين وعرضه للنقد , وبذلك فهو سوف يتحاشى ذلك الفعل أو القول ولن يذكره مرة أخرى

هذا الشيء يظهر لدى الشخص جوانب النقص لديه أو قلة العلم فإن لم تنتقده أنت استمر هو في اظهاره متفاخرا واثقا في نفسه وأصبح يتيه فخرا بنقيصته , 
لكن نقدك له جعله وإن لم يتقبله لكنه يدفن تلك النقيصة و يحاول إخفائها في محاولة منه لعدم التكشف أمام الآخرين والغريب أن النقد دوما هو الهدية المرفوضة التي لا يريدها الناس والأغرب أنها تفيد من يقبلها ومن يرفضها على حد سواء , فلماذا ترفض النقد مدعيا الصواب الدائم , وما التنزه عن الخطأ إلا من صفات الله وحده لا شريك له .

وللنفاق عشاق يصفقون له ويغنون فرحين , والأدهى أنهم يصدقون ويستمرون في الصعود إلى قمة الجبل حتى يرون الناس كلهم بحجم أصغر من الحقيقة متناسين تماما أن رؤيتهم غير صادقة وأن المسافة لها دور في خداع بصري وعقلي لديهم 
وتلك المسافة هو من صنعها لنفسه عندما تسلق النفاق

تقبل النقد أوجب لك من تصديق المرآة المصقولة فالنقد مرآة النفس والعقل وهو تعديل المسار والاتجاه
والمضمون أحوج من الشكل لصدق الانعكاس

ابحث بداخل نفسك عن نقدك الذاتي وابحث في الخارج عن صديق ذو عين ثاقبة وروح عالية لا يبخل عليك بتلك الهدية العظيمة ألا وهي النقد .

وتقبله بروح مفكره وعقل راقي , اجعل تبادل الأدوار بين عقلك وروحك جسرا للوصول الى عين الحقيقه حتي لا يظل النقد دوما هو الهدية المرفوضة


الهدية المرفوضة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock