مقالات

وريقات أربعينية

وريقتي الثامنة و الثلاثون

بقلم د. غادة فتحي الدجوي

كل شخص منا تعرض إلى الكثير من الصدمات النفسية و العاطفية من خلال المشاكل و الصراعات التي نواجهها كل يوم مع من حولنا و ربما انتهت هذه الصراعات او المشاكل في أيام بشكل ظاهري و لكن هل هي حقيقي انتهت من داخلنا ام تركت أثارا مختلفة بنفوسنا و وعينا الداخلي و تصبح جزءا من ماضينا الذي يتحكم في قرارتنا و حياتنا الحالية و تكون سببا في مشاعرنا المتقلبة و انفعالاتنا و مزاجنا السلبي احيانا و بعد انتهاء تصرفاتنا السلبية نسأل أنفسنا بل أحيانا نلومها لماذا فعلنا هذا؟ و نشعر بالأسي او بالخزي من ردود أفعالنا و قد لا نفهم الأسباب التي دفعتنا إلى هذه التصرفات… و الرائع ان نعي اننا قادرون علي شفاء أنفسنا من الصدمات النفسية و اهم خطوة فيها ان نضع أصبعنا بأنفسنا علي السبب في مشاكلنا و نصارح أنفسنا به و لا نخفيه عن أنفسنا ، فبعضنا يعرف مصدر آلامه و مشاكله و لكن يواريها عن نفسه ، و من الشجاعة ان نصارح أنفسنا بكل ما نشعر به ” علينا بأنفسنا ان نفتح جروحنا بأيدينا لنقوم بتنظيفها ثم غلقها بدون شوائب داخلية تسبب لها تقرحات و تجعلها دوما موجعة ( فتح ..تنظيف.. غلق)”

و حكينا المرة السابقة عن الاحتياجات الاجتماعية و الشخصية لكل شخص منا، و اليوم سنكمل الكلام عن مصطلح الصدمة النفسية (أو الجرح النفسي) في علم النفس إلى حدوث ضرر أو أذى إلى العقل بسبب حالة من الكرب والتوتر الشديدين. و لقد قرأت كثيرا في كيفية مساعدة أنفسنا علي الشفاء و يوجد العديد من الٱراء و النصائح العلمية التي تساعدنا علي ذلك و لكني توقفت عند أحد الآراء و نفذتها و اعتقد انها ساعدتني فأحببت ان أشارككم
مراحل علاج جراحنا النفسية بأنفسنا من خلال ٥ خطوات…
و كما تعودنا احضروا ورقة و قلما و لنبدأ سويا …

أولا مرحلة الفهم:

هام جدا أن نفهم لأن أول خطوة في التغيير أن نفهم، و علينا أن نفهم ان جراحنا النفسية الماضية محفورة في داخلنا غير ظاهرة مثل جروحنا الجسدية و تتسبب في تصرفاتنا غير المفهومة لنا أحيانا مثل ؛ أن أقول لنفسي انا اعرف التصرف الصحيح و لكن لا أعرف لماذا أفعل العكس دائما ثم أعاتب نفسي؟
ثم ارجع لأقول لنفسي أنا عاجز عن تغيير نفسي..

و هنا لابد أن نعي اننا من نشحن جراحنا النفسية الداخلية حتي تظل موجودة، فإذا كنت انزعج من تصرف مديري في العمل مثلا و اشعر منه بالتعالي و هذا يغضبني لبعض الوقت، ثم بعد فترة تعودت و أصبحت لا انزعج ، هذا لا يعني ان الغضب اختفى و لكن لقد دفناه داخلنا في عقلنا اللاواعي ، و عندما نتعرض لموقف جديد يزعجنا او يغضبنا مع أولادنا او أزواجنا يحرك الغضب بداخلنا من جديد أقوي من السابق و كأننا نعطيه قوة اكبر و ندعمه في موقف جديد و تتوالى المواقف من نفس النوع فيصبح التصرف السائد دائما في حياتنا مغلفا بالغضب..
الٱن علينا ان نصارح أنفسنا ما هي الأسباب الحقيقية لغضبنا غير المبرر أحيانا .. لأن السبب بداخلنا و علينا ان نعرفه و نفهمه بعمق.

ثانيا تحملوا مسئولياتكم:

بمعني اننا أحيانا نحاول أن نجد عذرا أو تبريرا لغضبنا من أحد أو علي أحد و نقول دوما ان الشخص الآخر هو السبب او الذي تسبب في هذا الغضب و ليس نحن ، اَي نحاول ان نجد كبش فداء و نرمي مسئولية الخطا على من حولنا حتي نبرر سلوكياتنا التي لا يقبلها الآخرون او لا نقبلها نحن من داخلنا، هذا يعني اننا اذا انتبهنا و تحققنا أن سبب غضبنا و حزننا و تعاستنا و غيرتنا و اَي سلوك لا يرضينا نقوم به هو نتيجة عن جراحنا الداخلية النفسية.

و علي ذلك فكل واحد منا عليه الٱن أن يقف وقفة مع نفسه و يتوقف عن البحث عن تبريرات لتصرفاتنا بل نتولاها بأنفسنا ولنفكر ما السبب وراء كل موقف أو سلوك او انفعال و نصارح أنفسنا به ، فلماذا أصرخ في وجه زوجي أو زوجتي و أولادي رغم ان خطأهم لا يستدعي كل هذا الصراخ او العقاب .. لقد حملتهم ذنب غضبي الداخلي و ليس بسبب أي خطأ فعلوه… تحملوا مسئولية افعالكم و صاروحوا أنفسكم بالأسباب الحقيقية و كفانا شماعات واهية تجعل لنا الف وجه و وجه.

ثالثا التجربة و التعاطف:

كلنا نستطيع شفاء جراحنا الداخلية اذا انتبهنا جيدا و تمسكنا بالخيوط التي تذهب بنا إلى جذور المشكلة داخلنا ، و عندما يتكرر في حياتنا الحزن و التعاسة و الغضب علينا أن نبحث عن سبب تصرفاتنا التي نتجت عن مشاعر سلبية ربما نتجت عن عدم تلبية لاحتياجاتنا الشخصية و الاجتماعية التي تحدثنا عنها الوريقة السابقة .. فعلينا ان نركز على عاطفتنا الحقيقية و الفعلية أي علينا أن نعيش تجربة مشاعرنا كاملة مشاعرنا الحقيقية و لا نخفيها فتصيبنا بالأمراض النفسية و الجسدية، فلنغير مشاعرنا و نظهرها و نمر بالتجربة الحقيقية إذا و نتعاطف مع أنفسنا و نصارح أنفسنا و نطبطب بانفسنا علي ارواحنا.

رابعا العودة :

نعم بعد ان عايشنا شعورنا بالتعاسة او الحزن أو الغضب علينا ان نرجع و نعود إلى جذور هذه المشاعر أي الحرج الأصلي و ربما نتفاجيء بعدد من الجراح الصغيرة فلا نكتفي بأول جرح او سبب نعثر عليه بل نذهب إلى العمق بداخلنا حتي نصل إلى الجرح الأساسي و نسال أنفسنا بالورقة و القلم: متى حدث، الظروف وقتها، ماذا كان رد فعلنا، و لماذا دفناه داخلنا .. و اعلموا أن لا أحد يمكنه عمل هذه العملية إلا نحن بأيدينا لأن ماضينا بداخلنا و معنا في اللاوعي الخاص بِنَا و ربما لا نستطيع ان نخرج هذه الحقائق لغيرنا او نخفي بعضها … دعونا نمسك بخطورة جراحنا و نخرجها لضوء الوعي و للنور و لا نخجل من ذلك .. لندع جرحنا النفسي ينفتح لنا و لا نجعل عقولنا تصدر أحكاما على سبب الجرح أو الموقف الذي تسبب في الجرح .. أتعلمون لماذا؟ لأن الفكر إذا عمل فستبقي فكرة إلقاء المسئولية على الٱخر و البحث عن كبش الفداء موجودة و لن تشفى جروحنا النفسية بل ربما تسوء.

هذا معناه ” كل مرة كان لدينا فرصة في لحظات الحزن أو التعاسة او الغضب أن نعود و ندخل إلى ماضينا بهذه الطريقة سنساعد أنفسنا ان نكتشف جراحنا النفسية التي تتسبب في انفعالاتنا السلبية و تصرفاتنا غير المقبولة و نشفي جراحنا النفسية مرة بعد مرة .. نحن بأنفسنا و أيدينا “

خامسا إعادة التأهيل:

عندما نعود اإلى ماضينا بشكل واع و نراقب جراحنا النفسية بانتباه و يقظة و وعي ستتحول إلى قوة شفاء، لأننا كنّا في حالة جهل تجاه جراحنا الداخلية ، ضوء الوعي هو بداية علاج جراحنا النفسية .

انه عندما يصل الوعي إلى الجرح النفسي فإن الجرح سيشفى، سيختفي … نعم سيختفي و مع هذا الاختفاء ستختفي تصرفاتنا التي نتجت عنه و كنّا لا نعرف لماذا… وسنبدأ التغيير الحقيقي في حياتنا و نعود الى العادات البدائية في حياتنا : الإنذار و الانتباه الواعي لمساعدتنا على التخلص من المعاناة و من جراح نفسية اخري لاننا أصبحنا واعيين منتبهين إنتا لا نحتاج لدفن اَي مشاعر داخلنا و نتركها لتحفر جراح نفسية جديدة… بل سنواجه أنفسنا و نبوح بمشاعرنا و نحترمها و نبني جسر التصالح مع أنفسنا و بأيدينا ..

و الٱن فلنبدأ بشفاء أنفسنا و لنكن الطبيب الواعي لأنفسنا و الرحيم و المتعاطف و المحب لأنفسنا …
فنحب أنفسنا و نحترمها و نسمح لها بمعايشة مشاعرها و التعبير عنها .. فلنحترم أنفسنا و نحتويها بكل معاناتها و انجازاتها و صبرها و نجاحاتها و أفراحها و دموعها … ان أنفسنا تستحق الحياه في ضوء الوعي بها…

و الى اللقاء في الوريقة القادمة

وريقات أربعينية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock