بقلم المفكر : محمد حسن كامل
توقفت محركات الطائرة تماماً , و انفرجت أسارير الأبواب لتفرج عن الركاب بالخروج , غادر صاحبنا الطائرة وهو يحمل حقيبة يد صغيرة فيها كل أوراقه الشخصية وبالطبع داخلها جواز السفر , وقف على بساط كهربائي متحرك قاده ببساطة إلى الجوازات ووقف في الطابور لغير الفرنسيين في انتظار معاينة الجواز ووضع خاتم الدخول .
كان على يمينه بوابة خاصة يعبر منها الفرنسيون فقط الذين يمرون بسرعة البرق أما الأجانب لابد من الفحص والتدقيق والسؤال والاستفسار وسين وجيم .وصل صاحبنا إلى ضابط الجوازات الفرنسي الذي حياه بالفرنسية , وسأله عن سر الزيارة وهل لديه ما يكفي من النقود , وبعد ذلك ابتسم له ضابط الجوازات وقال له أتمنى لك إقامة طيبة في بلادنا , استجمع صاحبنا شجاعته وشكره على حُسن الإستقبال في عاصمة النور باريس .
وضع الشاب قدميه على سجادة كهربائية متحركة أخرى تقوده إلى صالة الحقائب , الحقائب كانت تبرز من فتحة في الحائط وتدور على سير متحرك وما عليك إلا أن تخطفها بسرعة قبل أن تغادر الصالة على نفس السير الدائري وإلا عليك الإنتظار مرة أخرى , جلس صاحبنا في إنتظار حقيبته ولكنها لم تصل ….!!
انصرف كل الركاب وبقي وحيداً , وذهب إلى مكتب الإستعلامات الذي سأله عن رقم رحلته والجهة القادم منها , فأرشده إلى صالة أخرى وتبين صاحبنا إنه أخطأ في وضع قدميه على البساط الأيسر دون الأيمن , وهناك وجد حقيبته في إنتظاره التي كاد أن يبكي ظناً إنها ضاعت .تلك الحادثة علّمته شيئاً مهماً هو لابد من الحصول على المعلومة كاملة والتأكد من مصدرها وهذا سر نجاحه حتى الأن .مطار شارل ديجول دنيا كبيرة لابد من الحديث عن هذا المطار الساحر .
سُمي المطار باسم الزعيم الراحل شارل ديجول نسبة إلى القائد مؤسس الجمهورية الخامسة , يقع المطار على بعد حوالي 30 كم من وسط باريس في الشمال الشرقي , ويعتبر أكبر مطار في أوروبا بعد مطار لندن هيثرو , في عام 2010م استطاع أن يستوعب 58,164,612 مسافر و 525,314 طائرة مغادرة.وبذلك يعتبر سادس أكبر مطار بالعالم وثاني أكبر مطار بأوروبا.
التنقلات الأرضية بالمطار :rar . B قطار سريع ينقل المسافرين من المطار إلى قلب باريس مباشرة tgv قطار ذات السرعة الفائقة ينقل المسافرين من المطار إلى المدن الفرنسية الكبرى مثل ” لوهافر , ليل , ستراسبورج , ديجون , ليون , مونبيلييه , بوردو , تولوز , نانت , رين , بواتيه , مرسيليا , كان , نيس ” أو بعض العواصم الأوروبية مثل ” بروكسل في بلجيكا .rtap ” شبكة من الحافلات تنقل الركاب من المطار إلى الميادين الكبرى في قلب باريس .تم تأسيس مطار شارل ديجول في عام 1966 على يد المهندس الفرنسي ” بول أندرو ” وهو الذي قام التوسعات الاضافية فيما بعد , أُطلق على المطار في بداية الأمر مطار باريس الشمالي , ثم تغير الاسم إلى شارل ديجول , تبلغ مساحة المطار 32,38 كم مربع وهو قابل للزيادة في المستقبل .للمطار 3 محطات رئيسية وهي شارل ديجول 1 و 2 و 3 أقدمها شارل ديجول 1 أما شارل ديجول 3 فهي مخصصة للطائرات العارضة ” الشارتر” , تلك المحطة التي لعبت دوراً كبيراً في حياة صاحبنا حينما أصبح فيما بعد من مستأجري الطائرات الشارتر لنقل الركاب من باريس إلى القاهرة والأقصر وشرم الشيخ والغردقة .taxi محطة التاكسي وهي تنقل المسافرين إلى أي مكان حسب الرغبة .خرج صاحبنا من المطار عبر بوابات الزجاج المتحركة وقرر أن يأخذ تاكسي ليصل إلى عنوان أحد الأصدقاء , لم يغامر لركوب القطار أو الأتوبيس خشية أن يتيه في عاصمة النور .لاحظ طابور طويل من الناس في إنتظار سيارات التاكسي , نظام كل فرد حقائبه أمامه , لا زحام ولا ضرب ولا ركل …كل في دوره …وفي لمح البصر وقفت أمامه سيارة مرسيدس أحدث موديل يقودها شاب فرنسي أنيق , وقف أمام صاحبنا وحياه بالفرنسية ثم حمل الحقيبة ووضعها في السيارة , وفتح الباب الخلفي وقال لصاحبنا تفضل بالركوب …ثم ابتسم البيه السواق سائلاً صاحبنا عن العنوان المقصود , اخرج صاحبنا من جيب بدلته خطاب من صديقه والذي كتب فيه العنوان بالتفصيل ….
أشار صاحبنا إلى العنوان المكتوب بالفرنسية في وسط الكلمات العربية .إبتسم السائق وانطلق بالسيارة في شرايين الطرق الفرنسية , وصاحبنا يحاول أن ينظر ذات اليمين وذات الشمال محملقاً عيناه , فارغاً فاه , لم يصدق حتى الأن أنه في مدينة النور , مدينة الجن والملائكة .سأله السائق عن جنسيته فقال له : مصري , إبتسم السائق وبدأ يتحدث عن التاريخ المصري القديم والحضارة المصرية القديمة التي أبهرت العالم والزيجة الثقافية بين مصر وفرنسا , كان صاحبنا منبهراً وهو يسمع تلك الكلمات عن مصر وسأل السائق هل زرت مصر من قبل ..؟
قال السائق : أتمنى أن أزورها يوماً ما ….!!عاود صاحبنا السؤال من أين لك هذه المعلومات عن مصر ..؟أجاب السائق : من المدرسة نحن ندرس في مدارسنا الفرنسية التاريخ الفرعونى لمصر في الصف السادس الإبتدائي ومن ثم كل أطفال فرنسا لديهم المعلومات الكافية عن التاريخ المصري القديم .
ابتسم صاحبنا في نفسه متحسراً: في مدارسنا لا نعرف إلا بناة الأهرامات و مينا موحد القطرين وأخناتون و كليوباترا ونفرتيتي وأنتهى التاريخ المصري لدى الأطفال أحفاد الفراعنة .لاحظ صاحبنا إحترام إشارات المرور , وإحترام رجال الشرطة , وإحترام الناس للشارع , لم يجد أوراق أو نفايات ملقاه على قارعة الطريق .لمح صاحبنا سيدة تلتقط بكيس بلاستيك ما تبرز كلبها في الطريق واحتفظت به حتى أقرب سلة مهملات التي تملأ الطريق .كان صاحبنا يحاول أن يحفظ في ذاكرته كل المشاهد الجميلة التي شاهدها على جانبي الطريق ليكتب أول رسالة إلى أسرته .نهبت السيارة الطريق , وإذا بقمة حديدية مدببة تبدو في الظهور عن بُعد , وقبل أن يسأل السائق الذي ابتسم قائلاً هذا برج إيفل سوف نمر من أمامه بعد لحظات , وهاهو رمز باريس عاصمة النور يقف على بساط أخضر بعراقة وأناقة ولياقة ولباقة , وأمامه نافورة من الماء الملون مع موسيقى من أروع المقطوعات العالمية .وضع صاحبنا هذا المشهد في ذاكرته والتي حرمته منه سرعة السيارة .وانسابت السيارة في شرايين باريس الكبيرة أوردتها في الحي السادس عشر , وهو أعرق الأحياء الفرنسية وفيه شُيد برج أيفل حيث يطل بقامته على فن العمارة الفرنسية العريقة من حيث الوجهات الموحدة والزهور التي تملأ الشرفات والأشجار التي تظلل جانبي الطريق والميادين التي تحتفل بنصب أو تماثيل لرموز الفكر والفن والثورة والعلوم في فرنسا .
توقفت سيارة التاكسي أما بناية عريقة أنيقة , وقال السائق حسناً سيدي لقد وصلنا هذا العنوان المكتوب بالرسالة .نظر سائق التاكسي للعداد وطلب منه 36 فرنك فرنسياً فقط لا غير , ثم قال له سيدي هل تريد فاتورة بالمبلغ ….؟أعطاه صاحبنا ورقة بمائة فرنك , فرد السائق الباقي وأنزل الحقيبة وشكر صاحبنا وحياة وانطلق .وقف صاحبنا أمام البوابة الأنيقة والتي تخفي وراءها بهواً عريقاً من الرخام الأبيض وأعمدة رخامية على الطراز الروماني العريق .بحث عن جرس الباب وجده في وسط دائرة نحاسية عريقة .استجمع شجاعته وضغط على الجرس وعلى الفور وجد أمامه رجل أنيق يرتدي بدلة وكرافتة ويفوح منه العطر سأله الرجل هل يمكن لي أن أقدم لك مساعدة ..؟ارتبك صاحبنا من هذا الرجل الذي تبدو عليه علامات الفخامة والأبهة …وبادر بالسؤال عن ” مسيو محمود ” إبتسم الرجل قائلاً هو يسكن هنا ولكن هو في العمل الآن , ثم استطرد الرجل قائلاً يمكن أن تضع حقيبتك هنا …..أنا البواب …..!!كان البيه البواب صدمة لصاحبنا , كانت الصورة الذهنية للبواب في بلادنا جلابية ودكة وعمامة ….وخلاص …أما هنا البيه البواب هكذا ولا رئيس دولة .كانت الساعة حوالي الثالثة بعد الظهر ….سأل صاحبنا متى يعود صديقه ….أجاب البيه البواب الساعة السادسة ….!!ماذا فعل صاحبنا في تلك الساعات الثلاثة …؟
هذا ما سوف نعرفه في الحلقة القادمة
يوميات مهاجر في بلاد الجن والملائكة الحلقة العاشرة