أدم وحواءعام

وريقات أربعينية


وريقات أربعينية
بقلم : د. غادة فتحي الدجوي

و اليوم الوريقة الحادية عشر و سأحدثكم فيها عن تكنولوجيا الحياة، إن حياتنا الأن مليئة بالتكنولوجيا التي أصبحنا متمحورين حولها و أصبحت التكنولوجيا هي حياتنا وليست مساعد للحياة ،و تذكرت كم كانت حياتنا جميلة بأقل القليل من التكنولوجيا التي كانت تتمثل في الراديو والتليفزيون والتليفون الأرضي … كم كانت حياتنا بسيطة و راقية ، سأنقل لكم بعض المشاهد العالقة في ذهني و أنا الأن في منتصف الأربعين و ما زلت أراها في عقلي فأبتسم … أما أنتم فتخيلوها معي أو تذكروها إذا مررتم بها و قارنوا ما يحدث الآن لتعلموا لماذا نحن أصبحنا غير مترابطين و تحاولوا إعادة بناء علاقتكم مرة أخرى .

و من أجمل مشاهد حياتي أن أرجع من المدرسة فأجد بيتنا نظيف مرتب و أمي انتهت من أعمالها المنزلية و الغداء جاهز في انتظار أبي و بحضوره نجلس جميعا علي الطبلية و نأكل سويا و أمي تحافظ علي أننا جميعا نأكل من كل ما طبخت، ثم يقوم أبي للنوم وقت القيلولة و اذا بالبيت كله هاديء لأن أبي نائم، و نسعد بأننا جميعا في الصالة وقت المسلسل العربي لنشاهد و نتحدث …

 و إذا كنّا بالشتاء نجد أمي بعد العشاء تأتي بالباجور و تطهو لنا حلوى ” سد الحنك” او ” فتة العسل” لندفأ و نتجمع و نضحك و الدفء هنا من جمعنا و تجمعنا و شعورنا بالأمان الذي ربما كنّا لا نعلم هذا المعنى وقتها.

و المشهد الثاني هو يوم عيد ميلاد أبي و كنّا نقيمه ليس من أجل الإحتفال بعيد الميلاد و لكن هو اليوم الوحيد الذي يتجمع فيه العائلتان من قبلها بيوم و نطبخ وأمي تصنع الحلوى بالمنزل و يوم العيد ميلاد نكون عدد كبير و ربما لا نجد مكان للجلوس و لكن كل منا يعرف غايته …الأطفال يلعبون و العمات و الخالات يتبادلون الحكايات والشباب يضحكون ويتسامرو و نغني بأصواتنا و كأننا نملك أصوات العالم و التكنولوجيا الوحيدة الموجودة هي الكاميرا الفوتوغرافية التي جميعا تتناقلها لأخذ الصور التي يكون معظمها بشكل فجائي و بها كم كبير من المشاعر و الأحاسيس التي لا يمكن أن توصف وبعد خروجها على الورق نظل نشاهدها و نتذكر المواقف و نحكي ألف حكاية و حكاية علي كل صورة.

أما المشهد الثالث ، هو صباح يوم العيد و تليفون البيت بلونه الأسود و جرسه الرنان طول اليوم و مكالمتنا طول اليوم للمعايدات و سماع الضحكات و الدعوات على الشاي و الكحك … و يبقى البيت مفتوح طول اليوم الداخل أكثر من الخارج و الكل سعيد.

أما اليوم فنكتفي بالرسائل الجماعية و أحيانا الصور الجاهزة التي لا تحمل ما في القلب وكأنها تحصيل حاصل و أصبحت الأسرة في البيت الواحد يتابعون أخبارهم من خلال الفيسبوك و الواتس أب .. و ربما لا نتقابل علي الوجبات الرئيسية و أرجوا أن لا نلقي اللوم علي أن الحياة مليئة بالصعاب التي تجعلنا ليسوا بقريبين.

استخدموا التكنولوجيا و لكن لا تجعلوها مكان قلوبكم و صوت حناجركم، اجتمعوا على طعام و لو مرة واحدة في اليوم، ضعوا قواعد و مبادئ لحياة اسرتكم و اجعلوها عاداتكم الخاصة حتي يصبح لدى أولادنا ما يجعلهم ينتمون للبيت و الأسرة و تجعل المواقف الجميلة بينكم محفورة في ذاكرتهم مدى الحياة، اجعلوا التكنولوجيا جزء من الحياة و ليست كل الحياة فالعالم الحقيقي أمتع مليون مرة من العالم الإفتراضي و المشكلة التي تجعلني حزينة أننا ربما في الفرح نكتفي برسالة و ربما تجد الأعزاء لبعضنا لأننا فرحانين أما في الحزن و العزاء نجد أن أقرب الناس يقومون بالعزاء بجملة أو ربما رمز و يعتبر هذا هو الواجب، أين وقفتنا بجانب بعضنا و مواساتنا للقلوب ، ربما هذا مقبول لمن أبعدتهم الكرة الأرضية لساعات ..

 اشتروا اجندة تليفونات ورقية و اجندة مواعيد ورقية و اكتبوا الأسماء والأرقام باليد و تذكروا أسماء محبيك حتى لا تقولوا لقد اتمسحت الأرقام من التليفون ، أعيدو كلمة العائلة الحقيقي و ليس الافتراضي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock