شعر وحكاياتعام

جزيرة الورد


جزيرة الورد

عزة عز الدين

ذهب الفارس يمتطي جوادا ناصع البياض إلى حيث تسوقه أقداره، لم يحدد وجهته بل تركها للصدفة، تلك التي قادته إلى مجرى من الماء العذب، ترجل الفارس عنده حين لمح تلك الفتاة الرقيقة،  اقترب منها على استحياء وأدب فوجدها تلامس بأناملها سطح الماء الذي افترش بأوراق الشجر المتساقطة، تحركه فتتحدى سكونه.
قطع صوته صمتها و خلوتها وسكينتها، نظرت اليه مندهشة ولكنها لم تنكر عليه اقتحامه وربما هي من كانت تنتظره،  و دار بينهما حوار.
بضع ساعات فقط من الحديث كانت كافية لبناء جسر ثابت متين من الود والتفاهم والثقة، ثم مضى الفارس في طريقه بعد أن وعدته بلقاء جديد وتركت له اختيار المكان، خبرها عن جزيرة الورد واختارها مكانا للقاء، وافترقا.
مضت أيام والفتاة تنتظر بشغف هذا اللقاء 
و عند الموعد تقابلا من جديد، راحت تتأمل جزيرة الورد وتتابع الفارس ولكنها لم تسعد بحوار آخر، فالجزيرة ممتلئة من حولهما حب وقيم وأولاد وضمير، ماضي وحاضر ومستقبل، أفكار ونداءات وآمال، رؤى وأهداف وتوقعات، أيقنت وقتها أن جزيرة الورد ليست قطعة من مدينة الأحلام كما تمنت، وانما هي دنيا وحياة،  حياة بكل حراكها وسكونها، بأفراحها وأحزانها وآلامها،  
وقفت صامتة تكتشف وتراقب تفاعلاته مع كل الأشياء من حوله، وجدته فارسا أصيلا، تحلى بالصبر والحكمة والايثار ، له قدره فائقة على احتواء كل ما حوله وليس فقط من حوله، كانت تتأمل وتختزن، تنبهر بقدرته  على تفنيد وفهم الأمور، وتوظيف الأحداث لرسم صورة تكاد تقترب من المثالية. وحين سألته عن أمواج البحر الشبيهة بأمواج الحياة وكم تخشاها هي أخبرها انه يجيد ( الركمجة).
تعلمت من كل ما رأته معه أن الفروسية ليست فقط في ركوب الخيل والفوز في السباقات، انما أيضا في النبل والتضحية والسمو بالذات، لم تقاوم تعلقها به أو تنكر على نفسها حبه خاصة بعد أن صرح لها هو  بذلك، ولكنها لم تستطع البقاء وقتها أكثر من ذلك، سألته أن ترجع حيث كانت عند مجرى الماء العذب، تداعب بأناملها من جديد سطحه فتصنع الدوائر المغلقة، تبحث فيها عن ربيعها الراحل وحلمها الضائع، وأمانيها التائهة،
 ثم تقرر أن تلحق به في جزيرة الورد حين إشعار آخر،  تهديه زهرة و قطعة من الحلوى هو يستحقها، 
ستنتظره حتى يتفرغ لها ويصنعا معا من جديد مدينة أخرى للأحلام. وستفعل.




مدير قسم الأدب و الشعر
علا السنجري

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock