مقالات

أجمل رحلة حب حول العالم

قبيل أن يعلن العام الجديد ميلاده

بقلم الدكتور : محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب

في اليوم الأخير من العام , كانت عقارب الساعة تحاول أن تلتهم ما تبقى من فتات الزمن قبيل أن يعلن العام الجديد ميلاده في كف الليل .

على رصيف الميناء كان المودعون يودعون ركاب السفينة العملاقة التي سوف تمخر عباب البحر في رحلة حول العالم .

كان الركاب يلوحون لذويهم بالوداع ويأملون العودة بسلامة الله ومعهم قصص وأساطير لا تُعد ولا تُحصى من رحلة حول العالم .

ورويداً رويداً تلاشت معالم الشاطئ والميناء , ولفظت أضواء الميناء حتفها في كف الليل البهيم .

كانت الباخرة تعج بالمسافرين الذين سوف يحتفلون بعد قليل بميلاد العام الجديد في حفلة تنكرية على عشاء فاخر وموسيقى راقصة صاخبة .
وبدأ العد التنازلي للثواني 3/2/1 وانطلقت الألعاب النارية من السفينة تعلن الفرح والسرور والبهجة بميلاد العام الجديد , وتعانق الركاب مبتهجين بالسنة الميلادية الجديدة .

كان يجلس بمفرده يتأمل تلك الوجوه رجل وسيم الطلعة , له وسامة تخطف القلوب بلا استئذان , وفي ركن آخر كانت تجلس بمفردها شابة رشيقة جميلة , الكل يرقص ويغني ,أما هو وهي تبادلا النظرات خلسة , كانت تلك النظرات تُعبر عن إعجاب كلاهما للآخر , دعاها لمائدته تقاسمه العشاء فلبت الدعوة .
وسرعان ما تفتحت زهور الحب بينهما

أحبت حكمته ووقاره وعلمه وفكره وأدبه وصمته وكلامه وقوامه ….كانت تجد لكل سؤال منها عنده جواب …كان مرحاً لطيفاً عفوياً , أما هي جميلة الطلعة , ذكية الناصية , تعشق الفنون من رسم وموسيقى وأدب , كانت تختال بين أغصان المعرفة بقوامها الساحر و ونظرتها الفاحصة وجمالها الرائع , لكن كان يبدو عليها سحابة من الحزن .

في البداية كانت حذرة كل الحذر من أن تنزلق قدماها معه في قصة حب وحاولت أن تهرب منه ولكن هيهات ثم هيهات وهما معاً في مركب واحد وسفينة تسبح في الماء حول العالم .
لم تستطع أن تُقاوم حبه ولا هو الأخر استطاع أن يقاوم سحرها , كانا يجلسان سوياً ويزوران كل المدن التي ترسو عليها السفينة , كانت تحاول أن تعرفه , وهو يحاول أن يعرفها .

سألته مرة عن الحب قال لها : ” الحب هو الابن الشرعي للمعرفة “
كانا عليهما أن يعرف كلاهما الآخر , وبدات رحلة المعرفة مع كل موجة وجزيرة وشروق وغروب وموسيقى وعشق حتى أمسى كلاهما يحلم بالآخر

فتحت له قلبها وقصت له كل أسرارها وهو الاخر فتح له قلبه وأفشى لها سره , قالت له يا ليتني قابلتك من زمان , كنت أنفقت كل حياتي معك بين يديك .
قال لها : كنت أتمنى ذلك , كم كنت أبحث عنكِ ….؟!
قالت له مبتسمة : لقد أتيت لي متأخراً لقد كنت أنتظرك , افتش عنك , وأخيراً جئت لي الأن هنا في عرض البحر , حسنا لقد جئت متأخراً أفضل من أن لا تأتي .
قال لها : هي إرادة الله والحمد لله على اللقاء لقد بحثت عنكِ طويلاً حتى ظننتُ أنكِ في عالم المستحيل . كان قلبه ينبض بحبها وقلبها ينبض بحبه وعاشا أسطورة الحب بكل ما فيها من عشق لدرجة ذوبان كلاهما في الآخر .

وفي ليلة حالكة الظلام بينما كان الركاب في سبات ونوم عميق , اصطدمت السفينة بصخرة كبيرة , تماماً مثل سفينة ” تيتانيك ” العملاقة , وبدأت الغرق , فبحث عنها وبحثت عنه وقفزا في الماء , تعلقا بقارب من قوارب النجاة وقضياً تلك الليلة في القارب حتى الصباح , ودفعهم تيار الماء بعيداً عن بقايا السفينة البائسة الغارقة , وبينما هما كذلك لاحت لهما جزيرة في وسط الماء , حاولا التجديف بمجاديف القارب حتى وصلا للجزيرة

جزيرة بكر لم يصل إليها إنسان من قبل , أدركهما جوع شديد فأكلا من أوراق تلك الجزيرة وثمارها الغريبة التي لا يعرفانها من قبل , كان يجرب هو في نفسه ربما تكون نباتات سامة فيضحي بنفسه حتى تعيش هي , هكذا كان الحب بينهما , وناما من الإجهاد والتعب حوالي يوماً كاملاً .

وعندما استيقظا من سباتهما وجدا أنفسهما في سن الشباب هو في أوائل العشرينات وهي لم تتم الثامنة عشر , يبدو أن هناك نباتاً قد حوّلهما إلى سن الشباب , ولكن ماهو هذا النبات الساحر الذي منحهما منحة الشباب ؟ لا يدركان , لقد أكلا كثيراً من نباتات تلك الجزيرة .

وعاشا أجمل قصة حب عرفها التاريخ في تلك الجزيرة وكأن الله استجاب لهما بتحقيق تلك الأمنية لقد ارتويا من نهر الحب ما لم يدركانه من قبل , عاشا أجمل لحظات السعادة في جزيرة الحب بعيداً عن ضجيج الدنيا ومن فيها , كانا يتمنيان أن يعيشا بقية حياتهما في تلك الجزيرة , بالحب ومع الحب يحيا الإنسان ولكن حلمهما لم يدم طويلاً.

في تلك الأثناء كانت سلطات السواحل تبحث عن حطام السفينة وعن الأحياء , كانت الطائرات الهليكوبتر تمشط كل السواحل القريبة من مكان الحادث , حتى رصدتهما , ونزلت الطائرة على أرض الجزيرة بينما كان فريق أطباء الطائرة يقدمون لهما الإسعافات الأولية والمحاليل الطبية , واستيقظا في المستشفى وعادا إلى عمرهما الطبيعي كما كانا في السفينة وكلاهما عاش رحلة حب حول العالم في العمر كله , نظرا كلاهما للأخر ورددا قول الله تعالى : ” قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ “
دكتور / محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب
باريس في 31/12/2019

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock