عاممقالات

السجين رقم 198


الزعيم الوطني محمد فريد 
كتب/خطاب معوض خطاب
اليوم 15 نوفمبر يوافق الذكرى 98 لوفاة الزعيم الوطني المصري محمد فريد الذي تولى زعامة الحزب الوطني بعد وفاة مؤسسه الزعيم مصطفى كامل الذي كان يصدر جريدة اللواء و كان الشيخ على الغاياتى يعمل مصححا بها ، و رأس تحريرها الشيخ عبدالعزيز جاويش ، و نشر الغاياتى بالجريدة عدة قصائد جمعها فى ديوان أسماه وطنيتى ، كتب له المقدمة الزعيم محمد فريد ، عبدالعزيز جاويش .
أصدرت الحكومة وقتها قرارا بمصادرة الديوان و منع تداوله و معاقبة من يتم ضبطه يبيع هذا الديوان ، و نشرت الصحف أن النيابة العامة ستقدم للمحاكمة كل من شارك فى إصدار هذا الكتاب .
كان محمد فريد فى أوروبا و الغاياتى فى تركيا فتم تقديم الشيخ جاويش ، إلياس أفندى دياب صاحب مكتبة ضبطت تبيع الديوان ، و حكم على الغاياتى غيابيا بالحبس سنة مع الشغل بتهمة القذف و الحض على كراهية الحكومة ، كما حكم على الشيخ عبدالعزيز جاويش بالحبس ثلاثة شهور و على صاحب المطبعة بالحبس شهرين مع إيقاف التنفيذ .
جميع محبين الزعيم محمد فريد ارسلوا له أن يبق فى أوروبا و لا يحضر إلى مصر حتى لا يتم حبسه : لا تعد إلى مصر ، إنهم يريدونك ، يريدون أن يضعوك خلف القضبان ، ابق فى أوروبا حيث تستطيع أن تجاهد .‏
وقتها كان محمد فريد يتنقل من بلد إلى آخر لعقد مؤتمرات تناقش قضية إستقلال مصر ، و بينما هو يدافع عن كيان مصر بالخارج كان من بالداخل يأتمرون به ليسجنوه ، و بينما كل أحبابه يرسلون له أن ابق بعيدا عن مصر خشية سجنه إذا برسالة تأتيه من ابنته فريدة : لنفرض أنهم يحكمون عليك بالسجن ؟ إن ذلك أشرف من القول بأنكم هربتم ، أتوسل إليكم باسم الوطنية و الحرية التى تضحون بكل عزيز فى سبيل نصرتها أن تعودوا و تتحملوا آلام السجن .‏
و فعلا سمع الزعيم محمد فريد كلام ابنته و عاد إلى مصر لتتم محاكمته حضوريا ،و لا يوكل محاميا يدافع عنه و لا يدافع هو عن نفسه فكيف ينفى عن نفسه تهمة الوطنية و بالفعل حكم عليه بالحبس ‏6 شهور و ذهبوا به لسجن الإستئناف فى باب الخلق و أدخلوه الزنزانة ‏44 و أصبح اسمه السجين ‏198 .‏
‏لماذا تم حبس محمد فريد ؟؟؟
برغم صداقة محمد فريد لمصطفى كامل و مشاركته له طريق الكفاح إلا أن محمد فريد انتهج خطا يختلف جذريا عن رفيقه مصطفى كامل ، فرغم جهاد مصطفى كامل و كفاحه إلا أنه كان يؤخذ عليه ثلاثة أشياء : تأييد الخديوى عباس حلمى الثانى و تأييد الباب العالى التركى و الإستعانة بفرنسا ، أما محمد فريد فكان يطالب بالدستور فعادى الخديوى و طالب بالجلاء و التحرر من كل سيطرة أجنبية سواء كانت إستعمارا أو حماية أو مساعدة .
‏ استغلت الحكومة المصرية قضية ديوان وطنيتى للشيخ على الغاياتى و كتابة محمد فريد مقدمة للديوان دعا فيها الشعب المصرى لطلب الحرية مشيدا بالديوان و الشاعر ، كان يرى أن الشعر يجب أن لا يكون مجرد كلام فارغ عن جمال الطبيعة أو نفاق رخيص فى مدح الملوك و الوزراء .. بل يجب أن تكون له غاية إجتماعية تنفع الناس و تدفع المجتمع إلى الأمام ! فكتب فى مقدمة ديوان الشيخ الغاياتى المصادر : لقد كان من نتيجة إستبداد حكومة الفرد إماتة الشعر الحماسى وحمل الشعراء بالعطايا و المنح على وضع قصائد المدح البارد و الإطراء الفارغ للملوك و الأمراء و الوزراء و ابتعادهم عن كل ما يربى النفوس و يغرس فيها حب الحرية و الإستقلال .
محمد فريد فى الزنزانة …
الزعيم الوطنى محمد فريد رغم أصوله التركية إلا أنه كان مخلصا فى جهاده من أجل إستقلال مصر و حريتها و بذل فى سبيل ذلك الكثير من ماله و حريته حيث تم حبس محمد فريد 6 أشهر تنفيذا لحكم المحكمة التى استندت فى حكمها على كتابته لمقدمة ديوان وطنيتى الذى ألفه الشيخ على الغاياتى .
تحدثت الصحف المصرية وقتها عن حبس الزعيم محمد فريد و دعت الصحف إلى ضرورة العفو عنه و تزعم هذه الحملة أحمد لطفى السيد رئيس تحرير جريدة الجريدة ، لكن هذه الدعوة أغضبت محمد فريد نفسه الذى قال لبعض زواره أرجو أن تبلغوا لطفى بك أن يتحاشى طرق هذا الموضوع ، فإن هذا ما لا أقبله و لا أرغب فيه ، ثم زاره د.عثمان بك غالب موفدا من قبل الخديوى عباس حلمى الثانى حيث قال له : إن الخديوى مستعد للعفو عنك إذا قدمت طلبا بذلك ، فرد عليه فريد : أنا لا أطلب العفو و لا أسمح لأحد من عائلتى بطلبه عنى و إذا صدر فلن أقبله .
جاء لزيارته مدير مصلحة السجون كولسن باشا حيث قال له : إننى أسعى للعفو عنك إذا وعدت بتغيير خطتك ، فأجابه فريد : إن ما تطلبه مستحيل ، فرد عليه : إننى لا أطلب منك تغيير مبادئك بل تخفيف لهجتك ، فرفض ، فقال له : إذا أنت تريد قضاء الستة أشهر بالسجن ؟ قال : نعم و أزيد عليها يوما إذا أردتم ، و هكذا قضى الزعيم الوطنى محمد فريد ستة أشهر من عمره محبوسا بسبب وطنيته و كفاحه و جهاده من أجل مصر .
رحلة جهاد تنتهى بالموت خارج الديار …
الزعيم محمد فريد الملقب بمحامى الشعب و الأمة و ترأس الحزب الوطنى بعد وفاة مؤسسه مصطفى كامل ، أنفق أمواله و أوقف حياته من أجل خدمة القضية الوطنية المصرية و المطالبة بالجلاء و الدستور ، حيث آمن محمد فريد بأن أول سبل توعية الشعب المصرى بقضيته هى التعليم ، فأسس المدارس الليلية فى الأحياء الشعبية لتعليم الأميين الفقراء مجانا و أنشأ فى البداية 4 مدارس فى بولاق و العباسية و الخليفة و شبرا ثم نشر مثيلات لها فى الأقاليم .
محمد فريد وضع أساس حركة النقابات فأنشأ أول نقابة للعمال سنة 1909م و هى نقابة عمال الصنائع اليدوية و وضع لها قانونا و أنشأ لها ناديا ثم انتشرت النقابات بعد ذلك ، و كان يدعو الوزراء إلى مقاطعة الحكم و عدم قبول الوزارة فى ظل الإحتلال الأجنبى و دعى للتظاهر ضد الإحتلال فى قلب القاهرة ، وضع صيغة موحدة للمطالبة بالدستور و طبع منها عشرات الآلاف و دعى الشعب للتوقيع عليها و ذهب بعشرات الآلاف منها للخديوى و قدمها له باسم الشعب .
بعد قضائه مدة حبسه لم يهدأ أو يستكين بل وقف يخطب فى الناس يوم الجمعة 22 مارس 1912م فى شارع الصنافيرى بالقرب من قسم عابدين مطالبا بالجلاء و الدستور و بعدها بثلاثة أيام استدعته النيابة للتحقيق معه و فتش البوليس بيته و بسبب هذا الموقف و و مواقف أخرى تشبهه استقال وزير الحقانية (العدل) سعد باشا زغلول من الوزارة لأنه لم تتم إحاطته بتلك التصرفات .
خرج محمد فريد هذه المرة من مصر إلى ألمانيا متخفيا و مارس نشاطه فى محاربة الإستعمار و المطالبة بالجلاء و الدستور ، أنفق محمد فريد كل ثروته من أجل القضية الوطنية المصرية حيث كان يعقد المؤتمرات التى تندد بالإحتلال و تطالب بالإستقلال .
محمد فريد المولود فى 20 يناير 1866م مرض فى غربته بعيدا عن وطنه و أصبح فقيرا بعد أن أنفق كل ثروته من أجل مصر و مات فى ألمانيا و لم تجد أسرته مالا يكفى لنقل جثمانه ليدفن بالقاهرة .
محمد فريد الذى مات بعد أن أنفق كل ثروته من أجل مصر يشاء الله تعالى أن يقوم أحد أبناء مصر بالتكفل بجميع نفقات نقل جثمانه من ألمانيا لمصر ، فعل ذلك أحد أبناء الزقازيق بالشرقية و اسمه الحاج خليل عفيفى ، و هو تاجر أقمشة حسبما ذكرت ابنته لموقع اليوم الجديد عكس ما ذكرت العديد من المواقع أنه كان تاجر أخشاب ، باع الحاج خليل عفيفى كل ما يملك و جمع مبلغ 5 آلاف جنيه و سافر لألمانيا بنفسه ليحضر جثمان الزعيم محمد فريد ليدفن بالقاهرة .
و رغم كل الصعوبات التى قابلت الحاج خليل عفيفى بألمانيا و رغم المرض الذى أصابه هناك إلا أنه عاد بجثمان محمد فريد لمصر بعد موته بثمانية شدور حيث كان يلازم الجثمان فى نفس الغرفة بالسفينة التى أقلته من إيطاليا للأسكندرية حيث سافر من ألمانيا للنمسا فإيطاليا و منها للأسكندرية فالقاهرة حيث تم دفن محمد فريد .
تم نقل جثمان محمد فريد بعد ذلك و دفنه بجوار رفيق كفاحه مصطفى كامل بالمدفن الموجود بميدان القلعة ، و يذكر أن محمد فريد كانت له وصية قبل موته قال فيها : لقد قضيت بعيدا عن مصر سبع سنوات فإذا مت فضعونى فى صندوق لنقل جثتى إلى وطنى العزيز الذى أفارقه و كنت أود أن أراه .

المصادر :

كتاب أيام لها تاريخ “أحمد بهاء الدين” .

موقع الحضارات الأهرام .

موقع اليوم الجديد .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock