شعر وحكاياتعام

في الثلاثين الأمر يختلف



في الثلاثين الأمر يختلف،

بقلم
   المؤلف والمخرج
         فارس البحيري




يصير قطار العمر أهدأ مما توقعت. لازال العالم يصرخ ويطاردني بأرقامه، ولكنني -يا للمفاجأة- لا أعبأ به. عام واحد على الواحد والثلاثون ؟ من يهتم؟ لازال الناس يخبروني بأنني أبدو لهم إبن الخامسة والعشرون ، ولازلت أرى نفسي طفلاً يميل إلى العجائز. 
في الثلاثون الأمر يختلف، أتعلمون أنا أتقبل عالمي. أهوى أشياء يهيمن عليها آخرون ، وهذا لا يعني بأن عليّ أن أصبح واحدًا منهم. أحاول التخلص من متلازمة ” الولد الجدع “، ولكنها تظل تلازمني طوال الوقت لذلك أحبها وأصبحت أعتاد عليها. أنظر إلى خصلات ذقني المتمردة، أستمع إلى صوتي الهادىء، ولا أجلد نفسي على إيحاء ” الحنية المفرطة ” الذي يحاصرني الناس بها. كانت جملة  ” أنت شاب وسيم للغاية ” من صديقاتي الأجانب شبحًا يطاردني لأعوام طويلة.. لأني لا أريدك أن ترى شكلي الخارجي.. بل أريدك أن تنظر إلى داخل القلب من نظرة العيون.. في الثلاثون الأمر يخلتف، 
صادقت الشبح في ليالي موحشة.
حلمت بأشياء كثيرة وحققت معظمها.
في الثلاثون الأمر يختلف ، أتعلمون أنا أتصالح مع جسدي للغاية. ذلك الوعاء الذي تجاهلته طوال حياتي، نفرت منه وقارنته بالآخرين وظللت أعنفه طوال حياتي على أشياء لا ذنب له بها. مع العمر، تدرك أن جسدك هو صديقك المقرب، هو من يقضي معك يومك بأكمله ويخزن كل تجاربك في الحياة، أصبح جسدي خريطة لما مررت وأمر به، ينقبض حين أقترب مما يمكن أن يؤذيني، ويضج بالحياة عندما أخطو إلى ما أجد فيه نفسي. يلح عليّ بالرحيل عندما أشعر بالتجاهل والنبذ، ويهمس في أذني بالاقتراب عندما أكون حول ممن يشعروني بالدفء. أصبحت أتعاطف معه، وكعادة الأصدقاء، أغضب منه وأمل منه وأتشاجر معه وأفكر ماذا لو كانت لدى صديقة أفضل! تعاتبني بأنني لا أمنحها ربع الحب الذي أمنحه للناس، فأشعر بالذنب، ويرق قلبي تجاه صديقتي التي تحملتني كل يوم ولم أحاول أن أرد لها الجميل. 
ولكنها كعادتها تسامحني كثيراً.
في الثلاثون الأمر يختلف، تتأكد من اتساع قلبك. أصبحت أدرك جيدًا حجم مشاعرى، وبالتالي، حدود طاقتي. أصبح بحر قلبي يبدل من مصبه كلما تلاقي بنهر لا يتسع له. في الثلاثون، يتجلي أهم درس لم تتعلمه في المدارس، فقط تعلمه لك الحياة، أن تحب نفسك. في الثلاثون، أصبح واجبًا عليّ، أن أحب نفسي، وأصبح التحدى اليومى، أن أنحاز لها كما أنحاز للآخرين..
في الثلاثون الأمر يختلف تماماً. عن ذي قبل.


إقرأ أيضا
عانقيني



مدير قسم الأدب و الشعر
علا السنجري

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock