مقالات

مقاصد الشريعة بين وسائل التحقيق وأنواع العقول

بقلم
محمدإسماعيل

إن الشريعة الإسلامية ترتكز على قواعد مجملة وخطوط عريضة تنبثق منها الشرائع التفصيلية من أدلتها العامة والمجملة ك الضرر والضرار‘ تحريم الخبائث‘علاقة الحرام بكل خبيث وضار‘مصالح الناس العامة‘تحقيق العدالة بين الناس… وهكذا

مثل تلك المقاصد هي التي تشكل خطوط عامة وقاعدة انطلاق لكل من النصوص التي جاءت بأساليب مفصلة تدور حول الإباحة والتحريم والوجوب والاستحباب والكراهة وهي ماتسمي بالأحكام التكليفية أو الشرعيه‘ومع تفصيل النص إلا أن هذا التفصيل من شأنه أن يخدم المقصد الحقيقي الذي تدور وتلف حوله الشريعة الإسلاميه‘وهنا نفهم بأن الشريعة تدعوا للتفتح والتطور وتقبل الحداثة طالما أن الوسيلة والأسلوب يخدم المقصد الأساسي للشريعة وألا يكون في ذاته مخالفا لأحكامها‘وهذا بخلاف الصورة التي يصدرها متحجروا العقول من الجهلاء الذين يسيئون لصورة الإسلام المشرفة ويروجون بأفعالهم واستقبالهم للتطور علي أن هذه الشريعة تقف ضد التطور وتدعوا للعودة للوراء تحت مفهوم الأصولية في أرخص مضامينها‘ للأسف الشديد هذا ما يتم ترويجه علي أيدي هؤلاء الذين قد ملأوا الدنيا بهتافاتهم أنهم يريدون تطبيق الشريعة وهم بعيدون عن فهمها الصحيح‘ولو فهموا الشريعة لطالبوا بتحقيق الشريعة وليس التطبيق وسأوضح لكم بالأمثله:

لقد تحدثت النصوص النبوية عن فضل استعمال السواك وأنه من الفطره‘فهل هذا تكريما للسواك في ذاته أم أنه تكريم للمقصد وهو النظافة الشخصية؟!

فلو فهم الناس ذلك علي أنه تكريم واستحسان للسواك لذاته لوجدت الشوارع بالقرن الواحد والعشرين ملأي بفئام من الناس يستخدمون السواك في صورة رافضة للتطور وموائمة العصر!

وهذا الفهم السطحي للنصوص والتحجر في فهمه يجعلنا بالضرورة أن ننشيء في كلية الطب قسما خاصا في كيفية العلاج بالكي ونترك العلاج بالليزر بدلا منه‘ أو أن يدخل المريض لإجراء عملية جراحية فيقوم الطبيب بضربه علي أم رأسه كي يفقد الوعي تمسكا بالأساليب القديمة بدلا من علم التخدير!

أو ربما تجد الدعاة لا يزالون في المساجد الخاوية من الناس ليحدثوهم في دين الله تاركين وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات متعللين بأن اجتماع المسلمين كان بالمسجد قديما‘ وعلي هذا النحو يتولد عندنا جماعة من مدعي التدين وهم مضطربون في الفهم بعيدون عن فهم الشريعة ومقاصدها‘ وإلا فالسواك وفرشة الأسنان وسيلتان تؤديان الغرض وهو النظافة الشخصية‘وأن المتمسك بالسواك ظنا منه أنه أدعي لكمال الإيمان وأعلي في الأجر فهذا عبط يحتاج لمواجهة وثورة فكرية علي تلك الصورة السيئة التي يصدرونها عن الإسلام!

ولقد سمعت بنفسي من يستخف بقوانين الدولة ورفضها مطلقا‘رغم أن كثيرا منها يحقق المصلحة العامة للناس وحفظ حقوقهم والحفاظ عليهم‘كقوانين المرور مثلا‘فلو قلنا هذه الأساليب ماأنزل الله بها من سلطان وأنها من صنع البشر وتركناها فانظر في هذا العصر وتطورات وسائل المواصلات إلي ما يحدث من كوارث‘فهنا قد حققت بعض القوانين المقاصد الشرعية الأساسية.. وقس علي ذلك.

إذاً فلابد من فهم أن الشريعة تقبل التطور والحداثة ولا تنافرها وتحاربها شريطة تحقيق المقصد الرئيس‘وأعجب شيء أن يتساءل أحد هؤلاء قائلا:

لماذا لا يبيحون لنا الذهاب إلى الوظيفة بالقميص(الجلابيه) ؟!

والسؤال الأهم هو كيف أتاك هذا التساؤل أصلا‘ هل تظن أن غير ذلك الزي هو شيء باطل أو أقل شأنا سيما لو لم يخالف الشريعة في شروط الثياب وتحقيق الستر‘ وهل الإسلام له زي محدد يعرف به المسلمون ؟

أم أن التقليد للنبي تعدي ما جاء النبي برسالته لأجله‘ فالنبي إنسان ومتأثر ببيئته‘يأكل من طبيعة أكلهم‘ويلبس مثلهم‘ويركب وسائلهم‘ ويحارب بأدوات نفس البيئة وهكذا‘ وما استحسنه النبي كمشرع أمر به‘وما استقبحه نهي عنه‘وما احتاج لتعديلات قال بها وجعلها شريعه‘ وحتي ليست كل الأوامر تفيد الوجوب بل هناك نصوص بها الأمر المصروف وجوبه بنص آخر كقرينة جعلته مستحبا‘وكل أوامر الأداب في الأكل والنوم والجماع وما شابه هي كلها علي الاستحباب كما في علم الأصول.. ‘ونحن مطالبون بتقليد النبي كمشرع ولن نحاسب علي أننا لم نقلده كإنسان‘ بل ويحرم تقليده فيما هو خاص به‘أو خاص بالأنبياء عموما ولكل هذا تفصيلات… ‘فالمقصود من الكلام أن نفهم بعمق مقاصد الشريعة ونسعي لتحقيقها ولا مانع لتحقيقها طبقا للوسائل المعاصره‘وأن التشبث بالنص في ظاهره بتحجر هو فساد في العقل إذ ليس من المنطق أن يكون هذا الدين بتلك الشريعة جامدة في حال أنها ديانة للناس كافة باختلاف مجتمعاتهم وبيئاتهم‘ وكذا ديانة ليوم القيامة باختلاف العصور وتطورات الحياه‘بل باب الاجتهاد والنظر ومسايرة الحداثة لها أصل في دين الله يدعوا للتمسك به إن تحقق بكل هذا ما تدور حوله الشريعة من مقاصد‘ ونفهم من مثل هذا أن الخوض في شريعة الله ليست عبثا لكل جاهل يفسد من حيث يريد أن يصلح‘ بل الأمر علم أولي به من درس وفهم‘وأن علي المتصدرين للمسئولية وحمل الأمانة محاربة العقول المتحجرة والمفاهيم الأصولية التي تطبق من معاني الأصولية أخسها وأحمقها‘ فهناك فرق بين أن تكون الأصولية هي التمسك بالدين علي نهج من سبقنا سيما مع ورود النصوص بذلك وتكون وفقا لما ذكرت‘وبين أن تكون هي إلغاء العقل تماما لنعيش بعقول من ماتوا وكأن الله ماخلق عقولا غيرهم‘وأننا مجرد شمبانزي نشبه الإنسان في صورته بشكل كبير بلا عقل ولا شيء‘وأن أساليب الناس تختلف باختلاف الزمكان‘والعبرة بما يتحقق من مقصد شرعي لا التمسك المطلق بوسيلة محدده.

أصلح الله لنا ديننا وعقولنا ورزقنا الفهم الصحيح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock