شعر وحكايات

عبق الذاكرة …. وسؤال المستقبل

جبرا ابراهيم جبرا

بقلم /سليم النجار
متابعة:لطيفة القاضي

تحدث الفنون على مختلف أصنافها أثرا بالغَ الأهمية على تطور الحركة الثقافية والاجتماعية والسياسية في جميع المجتمعات وذلك على متباين الثقافات والحضارات وفق ما تمتاز به من قدرةٍ على النفاذ والتواصل وإلهام العامة والخاصة . وضمن هذا المنظور لعب الروائي الفلسطيني جبرا ابراهيم دورّا هاماً ؛ضمن الفن الروائي الذي أوجد مساحات فنيّة تطلق العنان للتعبير الفني الحسي والمادي والذهني على مستوى الممارسة والمضمون في الفضاء الروائي ؛ أي خارج الفضاءات المغلقة والتي تخاطب بالدرجة أبناء جلدته ؛ مثل ما فعل في روايته ” السفينة ” ؛ وكان فضاء الرواية البحر ؛ الذي يمنع ويمنح ويعيّن ويحدد ما هو مقبول وما هو مظور تحت وصاية فكرة الشتات الفلسطيني . وفن البحر إن جاز لنا التعبير من أهم الحركات التعبيرية التي شكّلت ملامح الفن الروائي لدى جبرا ابراهيم جبرا . كما فتح جبرا من خلال روايته ” السفينة ” مجال التفاعل والمشاركة من قبل القارئ في الفعل البصري أي تحقيق التواصل والتفاعل المباشر بين ” الثالوث الفني ” الروائي والقارئ والنص ؛ التي تطرح قضايا شعبه وواقعهم اليومي ؛ وبالتالي تمكن فن البحر من تحرير مساحات الإبداع الفني الروائي .
إذن لقد تمرد فن البحر بوصفه أحد أشكال المقاومة على جغرافيا الشتات بشروطها ومواصفاتها التي تعكس مفاهيم محددة للمحيط الاجتماعي والاقتصادي للفلسطنيين . كما تغير القارئ الفلسطيني على وجه التحديد من النخبة إلى الفنان – الفلسطيني الّذي أصبح يتعامل مع مواضيع الواقائع اليومية والمواضيع الإنسانية كأنّها شيء مادي صرف مما نتج عنه تشيّؤ البعد الثقافي وتشكل حالة حُراكٍ فني وثقافي كسر احتكار سلطة ثقافة الشتات وتفتحها لفضاءات مفتوحة ؛ على مختلف أشكال التعبير الإتساني ؛ وهذا الذي عمل عليه الروائي جبرا في روايته ” البحث عن وليد مسعود ” التي كتبها قبل السفينة ؛ وأبدعها في القدس قبل ذهابه للعمل في العراق ؛ رواية ( البحث عن وليد مسعود ) ؛ فهي رواية امتلكت من الجرأة بنتاميها وتشابكها ٠ وخروجها عما هو سائد ومألوف من نصوص خجولة متزمنة اعتادها القارئ المتزمت ؛ تمثل نسقاً معرفياً حكائياً واقعياً ؛ واسطورياً وفلسفياً ؛ فهذا النص بتناقض شخوصها ؛ وصراحتهم وجرأتهم وجنونهم وتمردهم .
ومن هنا فإن خصوصية الرواية قادرة على أن تشكل خلفية معرفية مرجعية لكثير من الأعمال الإبداعية المعاصرة . فقارئ ( البحث عن وليد مسعود ) يجد نفسه أمام حقل ثقافي متعدد المشارب ؛ يتوغل أبعد الفلسفات ؛ يتثاقف ويتأثر ؛ ثم يتلاقى ويتجاوز ؛ لينسكب هادئاً عذباً على الفلسفات الإنسانية ٠
وعمومّا يرتبط الفن الروائي لجبرا ابراهيم جبرا بالشارع وبالفكرة والمادة والقرّاء وهو يمكن تسميته ” رواية فوق الرواية ” ؛ فضلاً عن أنّه مجموعة تعبيرات لاتنفصل بذاتها ؛ إنّما تمثل مسارا انتقاليا لأفكار تنويرية .
وعليه تظل دائماً دلالاته ومعانيه في علاقة وثيقة بالمتلقي – المتفاعل كما انّه دائماً ما يعبر عن واقعنا الثقافي والأقتصادي والأجتماعي برؤية فكريّة ملموسة تطبيقيّا ذات مضمون معرفي رافض السائد . ولكن هذا المنحى الروائي ان يستوعب وسع الأزمات الثقافية والفلسفية التي حلت في عالمنا العربي دون التفوت في البعد الجمالي ؟ أم أنّه سوف يقطع أوصال البعد الجمالي ليحمل الوزر الفلسفي فيستمد قيمته ممّا هو مستفز ومثير ؛ فتصبح رواية ” البحث عن وليد مسعود ” بذلك مجالاً لممارسة التعبير الفلسفي .
تلك هي حيرةٌ لذيذة تنتابُ القارئ مهما تفاوتت الذّوائق وتباينت الأهواء والنّوايا .
جبرا ابراهيم جبرا سؤال المستقبل ؛ ورواية الذاكرة الفلسطينية .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock