رياضة عربية وعالمية

من الأفضل محرز أم صلاح ؟

محمد صلاح ورياض محرز، الذين يتسابقون في وسائط التواصل الاجتماعي

بقلم / محمود درويش

سؤالٌ يتكررُ باستمرار منذ مدّة في الأوساط الجماهيرية العربية، بالخصوص بين عشاق جوهرتي ليفربول والسيتي، محمد صلاح ورياض محرز، الذين يتسابقون في وسائط التواصل الاجتماعي نحو ترجيح كفّة طرف على الآخر افتخاراً واعتزازاً بنجمهم كلّما سجل هدفاً أو حقق إنجازاً فرديا أو جماعياً مع ليفربول والسيتي، ومع مصر والجزائر، في ظاهرة لا تحدث سوى في عالمنا، ولا تحدث حتى بين اللاعبين في حدّ ذاتهما لأنهما ينشطان ضمن منظومة كروية تذوب فيها البراعة والمهارة الفردية وسط التألق الجماعي، ويذوب فيها الإنجاز الفردي لصالح الفريق، وهو الأمر الذي يعرفه جيداً محرز وصلاح ويصرحان دوماً بأن المقاربات والمقارنات بينهما هي جماهيرية لا تعنيهما ولا تزيد أو تنقص من قيمتهما على الإطلاق.

حتى الإعلام المصري والجزائري، بكلّ أنواعه، دخل على الخط وصار يتسابق نحو ترجيح كفّة نجم على آخر إرضاءً لجمهوره، من خلال المبالغة في إبراز قدرة أحدهما والتقليل من شأن الآخر، وكأنّهما يلعبان ضد بعضهما البعض يومياً، أو ينافسان بعضهما البعض بصفة شخصية في سيناريو لا يحدث سوى عندنا، امتداداً لثقافة مجتمعية خاصة بنا تقوم على الشوفينية والتعصّب وتقديس ابن البلد وتمجيد ابن الفريق على حساب المنطق والواقع، بعيداً عن كلّ المعايير الفنية والتقنية المعمول بها في بلدان ومجتمعات أخرى، وبعيداً عن كل حيادية وموضوعية وروح رياضية، ربما بسبب أنانيتنا المفرطة، وافتقادنا مصادرَ فخر واعتزاز أخرى في مجالات أكثر أهمية وقيمة، وربما نريد لشعوبنا أن تبقى حبيسة مقاربات ونقاشات هامشية بعيدة تماما عن باقي الاهتمامات الأساسية.


محرز وصلاح، من خلال السيتي وليفربول، يتنافسان من أجل الفوز والتتويج مع فريقيهما، وبعض الجماهير الجزائرية والمصرية من خلال منصاتها وصحافتها تتنافس على أحقية كلّ واحد منهما في لقب فخر العرب، علماً أن كلّ واحد منهما يعتبر فخراً لنفسه وناديه ومنتخب بلاده ووطنه قبل أن يكون فخراً لأمّته، لأن ميسي ورونالدو لا يعدوان أن يكونا فخراً للبرسا والأرجنتين واليوفي والبرتغال وكلّ عشاقهما في كلّ مكان، ولا أحد يعتبرهما فخراً للعجم أو العرب، ولا للفرس أو الروم، بل بالعكس تجد المقاربات بينها صنيعة جماهير عربية وإعلام عربي رغم أنهما غريبان عن مجتمعنا، وتجد أن التعصب لهما أكبر من التعصب للدين والوطن والشرف بسبب تقزيم القدوة عندنا من طرف وسائل إعلام لم تعد تجد ما تقوله وتكتبه!!

كرة القدم العالمية مليئة بالمبدعين والمتميزين الذين لا يشبهون بعضهم البعض، مثلما هو الأمر في رياضات أخرى وفي مجالات الفن والثقافة والإبداع الفكري والعلمي، ولا تمكن مقارنة اللاعبين المبدعين بعضهم ببعض أو تفضيل كبار الفنانين من المغنين والممثلين بعضهم على البعض الآخر، ليبقى عندنا كل شيء نسبيا وظرفيا يخضع لمعايير ذاتية بعيدة عن الموضوعية، ويخضع لمبدأ الانتماء والولاء قبل المنطق والعقل، حتى وصلنا إلى درجة الحقد على من يثني على واحد منهما واعتبار ذلك تقليلا من شأن الآخر، وتهكما على الطرف الآخر وكأن الكرة العالمية لا يوجد فيها سوى محرز وصلاح، أو كأنهما في مواجهة ثنائية كلّ أسبوع.

الحقيقة أن ما يتميز به صلاح قد لا نجده في محرز، وما يميز محرز قد لا يتوفر في صلاح، كما أن مجال الإبداع في الكرة يسع الجميع، ولا توجد معايير ثابتة نقيس بها أفضلية الواحد على الآخر إلا ما تعلّق بالأرقام والألقاب الفردية، لأن رونالدو وميسي لم يتوجا بكأس العالم التي توج بها لاعبون دون مستوياهما، فهل يمكننا القول إن غريزمان وأوليفييه جيرو أفضل من ميسي ورونالدو لأنهما توجا بكأس العالم ؟ هل يمكن أن نقول إن محرز أفضل من صلاح لأنه توج بكأس أمم أفريقيا، وبأن صلاح أفضل من محرز لأنه توج بلقب دوري أبطال أوروبا؟ ثم لماذا انقلب الجزائريون على محرز عندما أخفق مع منتخب بلاده في التأهل إلى مونديال روسيا، ولماذا انقلب المصريون على صلاح عندما أخفق في التتويج بكأس أمم اظفريقيا في مصر؟

صحيحٌ أن المقارنات في الأوساط الجماهيرية جزء لا يتجزأ من متعة كرة القدم، لكن يجب أن يتجاوزها الإعلام المحترف ويبتعد عن تأجيج مشاعر التعصب والعداوة والكراهية بين جماهير الكرة المصرية والجزائرية، التي تفتخر وتعتز بنجميها اللذين حققا إنجازات فردية وجماعية تثير الفخر والإعجاب والتقدير، وتجعلهما قدوة للأجيال الصاعدة في كلّ المجالات وليس في الكرة فحسب، ويجب أن يشكل الاثنان فخراً لعشاقهما وليس لواحد منهما على حساب الآخر، وأن يكون لدينا عشرات المبدعين من أمثال محرز وصلاح في الجزائر ومصر والعالم بأسره حتى تحلو وتزداد المتعة والفرجة، وليس الفرقة والكراهية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock