أرض بلاد الشام ليست مجرد تراب وحجارة؛ أو جنات تجري من تحتها الأنهار.. بلاد الشام فكرة ورؤية عالمية عن الإنسان ابن التاريخ والحضارات. انسانها نموذج ساطع لمعنى تفاعل الجينات البشرية التي أنتجت أسس الإبداع في الكون.. اول حرف.. اول نوطة.. وأبدع عمارة. أول من علم العالم أسس الزراعة والصناعة والتجارة. ..مهبط وملتقى الرسالات السماوية… منها انطلقت رسالة المسيح.. وفيها تأسست اول دولة اسلامية .. على أرضها نشر موسى وصاياه العشر..
. عرفت الغزوات.. وطردت آلاف المحتلين.. ذهب الجميع وبقيت بلاد الشام منبرا لصناعة الحب والسلام.
اما سوريا فهي اسم الشهرة لبلاد الشام.. ورمز حضارتها.
..التاريخ الطويل الذي مر على هذه الأرض أعطى دروسا للعالم بأن الخلود ليس قدرا.. بل حرفة اتقنها سكان هذه الأرض …
و ما حدث في السنوات الماضية في سوريا. بكل ضجيجه ودخانه ..لن يغير اي حقيقة صنعها التاريخ عبر آلاف السنين.. لن تتغير الجينات.. ولن يختفي الإبداع.. ولن تموت روح الاصرار على صنع المستحيل.
الأمثلة كثيرة حول اصرار الشعب السوري على أن يبقى على قيد العيش والاستمرار في إبراز معنى أن يكون الإنسان كريما.
..الحديث يطول حول إنجازات السوري في كل مكان هبط إليه. ولكني اريد ان اخص بالحديث اليوم الجهد الجبار الذي قدمه مجموعة من الشباب والشابات على مسرح الحمراء في دمشق.. بعد دورة تدريبية في مجال إعداد الممثل.. ورشة إبداعية رعتها بمحبة وزارة الثقافة / مديرية المسارح والموسيقا.
وكان نتاجها عرضا مسرحيا بعنوان “هواجس “اشرف عليه وأخرجه المخرج مأمون الخطيب وبمعاونة الفنان إبراهبم عيسى.. استمر تقديمه لمدة أسبوع .. وتابعه الجمهور بكل محبة.. ونال ممثلوه تشجيع ومحبة جمهورهم من أهالي وضيوف ومهتمين.
..ورشة تكوين ممثل.. انتجت عرضا نال التقدير والاهتمام.. واستطاع خلال ساعة ونصف أن يستحوذ على انتباه ومتابعة المشاهدين وهو عرض يستحق الإشارة إليه وان نتقدم بالشكر لكل من عمل على إنجازه بدءا من الجهة الحاضنة والداعمة. واقصد مديريه المسارح والموسيقا.. مرورا بمدرس ومخرج الورشة.. وكل من عمل معه من فنان أو فني.. وصولا إلى الجمهور الذي شجع وحضر…واستمتع..
. .. هذا العرض نال النجاح لأسباب ثلاث :
١. وجود جهة داعمة وحاضنة اقامت نشاطا تعليميا مجانيا.. وافسحت المجال للشباب على كافة المستويات لتقديم ما يستطيع من فن ورغبة بالإبداع.
٢ .المخرج / المعلم.. مأمون الخطيب ومساعده ابراهيم عيسى.. اللذان قدما حبها قبل خبرتهما للشباب. والفنيون العاملون في مسرح الحمراء جميعا.
٣ . الشباب/ الممثلون.. الذين كتبوا على الخشبة بكلماتهم واوجاعهم الماضية والحاضرة.. وبأدائهم الحي حكاية العرض.. ونجحوا بالاستيلاء على قلوب الحضور…فقط لأنهم حكوا عن أنفسهم بكل شجاعة وعفوبة وصدق… ونثروا على الخشبة هواجسهم… أحلامهم.. خيباتهم…. احباطاتهم.
. وارادوا أن يقولوا للعالم . انهم هنا.. حيث دخان الحرب لم ينتهي.. واللقمة عصية على أفواه الشرفاء.. حيث الحرب مازالت مستمرة ولكن بثوب منافق.. هؤلاء الشباب حكوا كل ما نعرفه ..ولكننا نتردد في قوله.. فكأنما اشجع منا جميعا.
هواجسهم.. هي نفس هواجس جيل عرف الوطن بصورة ساحة معركة.. وعندما أراد أن يعيش.. هربت لقمة العيش والكرامة من بين أصابعه.. كل ذلك. وأكثر.. قالوه بلغتهم النقية. وبادائهم الذي ماضيعته الصنعة..بل صاغته العفوية.
هواجس. اعلان ولادة .. وجنس المولود يحتاج محبتنا كي نميزه..
شكرا للشباب ..مستقبل المسرح السوري. هم وزملاؤهم . من فنانين وفنيبن ..وكل من يعشق هذا الفن المقدس. المسرح..أبو الفنون…و بوابة الحضارة.