حياة الفنانين

الشاعرة ريما حمزة ” أحب روحَ النثرِ المتمردةَ التي لا تنصاعُ لإشارات السير، و الشعر بالنسبة لي لعبة الخيال والحلم 

ريما حمزة بدأت بكتابة رواية تشبه نساء كثيرات

إعداد وحوار/ ريمه السعد
التدقيق اللغوي/ ميرفت مهران

شاعرة شغوفة بالشعر ،صاحبة إحساس لا يشق له غبار ،امرأة عاشت تجربة استثنائية حولتها لامرأة تعرف كيف تخرج من تحت الرماد ،شاعرة تجعل من كلماتها قناديل مضيئة في العتمة ،تكتب للمرأة وللقضايا الإنسانية وللحب كثقافةٍ وخبزٍ يومي وإكسير للحياة وتكتب للحرية والسلام ، ترسم بحروفها الكثير من المعاني والأحاسيس المرهفة التي تتغلغل إلى أعماق القلب الشاعرة ريما حمزة ضيفة مجلة سحر الحياة

في البداية نرحب بالشاعرة ريما حمزة ، لنعرف القراء عليكِ :

من هي ريما حمزة ، ولماذا اخترتِ كتابةَ الشعر؟

بدايةً أشكرك  على استضافتك الكريمة لي ، وأرحب بدوري بمتابعيكِ، أنا امرأةٌ عاشت تجربةً حياتية استثنائية ، وأنا مَدينة لهذه التجربة بالنضج المبكر وربّما بالإبداع الذي خرج من رحم المعاناة ، فلقد حولتني لامرأة تعرف كيف تخرج من تحت الرماد.

في الشعر لا أحِبُّ النُسخَ الكربونية ، وتغريني رائحة الخروج عن القانون ، لأنه بدونها لا قصيدةٌ جميلةٌ ، وكل المفردات خيولٌ من خشب.

أنزع للحرية ولكنِ الواعية المسؤولة ، وأعتنقُ دين الإنسانية ..

دراستي للموسيقا ناغمت الشعرَ والموسيقى في هارموني جميل ، ولا يخفاكِ أن الموسيقى هي ربّةُ التهذيب والتذوق والجمال وأستاذة التناغم والانسجام ، والفنون تتداخل جميعها وتهذّب الذائقة الجمالية وترقى بها ، والشعر هو موسيقى أيضاً ..

ولهذا وجدتُ نفسي شغوفةً بالشعر وعلى سلالمه يمكن أن أصعد لحلمي وأعلقه على استدارة قمرٍ .

وعموماً لا زلت أعتبر نفسي هاويةً ومبتدئةً وأمامي طريقٌ طويل.

الشاعرة الفذة صاحبة الكلمات والحروف المعبرة

منذ متى كانت البداية ، وبمن تأثرت وما هي أول قصيدة خطها قلمك ؟

البداية كانت منذ الطفولة ، كنت متفوقةً بمادة اللغة العربية ومواضيعي الإنشائية لفتت أنظار أساتذتي ، فشجعوني على الكتابة والمواظبة ، وكذلك عائلتي فقد كانت بيئة حاضنة ، وهيّأتْ لي الأسباب من احتواءٍ واهتمام ، وأكثر من منحني الثقة هي عمتي المرحومة الشاعرة غازية حمزة ..

اقتنيتُ الدواوينَ الشعرية في سن مبكرة وقرأت لدرويش والسياب ونزار ، كما قرأت من الأدب العالمي وجبران وميخائيل نعيمة وغيرهم ، وكان لدي شغفٌ لقراءة كل ما يقع تحت يدي ومطارَدَةٌ لعناوين الكتب في واجهات المكتبات .

أول تجربة كانت قصيدة بالموزون ، وكان ذلك في المرحلة الثانوية ، وقد عرضتها حينها على موجه اللغة العربية ، وكدت أطير من الفرح عندما مازحني قائلاً:

أنا لا أستطيع أن أكتب مثلها يا ريما.

هناك قصيدة عمودية وتفعيلية ونثرية ، ما هو اللون الذي سرتِي به في الشعر ؟

في البداية كنت اكتب بأسلوب المقالة ، ثم نصحني بعض الأدباء بالتوجه للقصيدة النثرية ، ربما لأنهم لمسوا إيقاعاً أو موسيقى في كتاباتي ..

كتبت الشعر المحكي والموزون كتحدٍّ ،ولكنني أجد نفسي متصالحةً مع مساحة الحرية في النثر أكثر وأؤمن أن الرائز الأساسي هو روح الشعر ،فما جدوى نظم قصيدة كبلاط روماني مرصوص، أو لوحة فسيفساء بقالب متخشّب خالٍ من روح الشعر ونسغ الشاعرية ؟!

 

ماذا وجدتِي في قصيدة النثر من مغريات وفق رؤيتك النقدية ؟

كما أسلفتُ ، أحب روحَ النثرِ المتمردةَ التي لا تنصاعُ لإشارات السير، فالحرية روح الإبداع، والإبداع هو شجاعةُ التخلّي عن الثوابت والنظرُ للأشياء العادية المألوفة بطريقة غير مألوفة، لا أحب القولبةَ والقيودَ

فقصيدةُ النثر أطلقت العنان للشاعر ليُسبغَ رؤياه وتوجهاته وأفكارَهُ وقناعاته على النص الأدبي.

أيضا ً قصيدة النثر غنية بعنصر التكثيف وبعيدة عن الخطابات المباشرة وتعقيدات البلاغة وبهلوانيتها وهذا يروقني ويشبهني أكثر.

كيف يكون الغموض إيجابيا في قصيدة النثر برأيك ؟

برأيي الغموضُ كالوصفة الطبيّة الدقيقة، فالمغالاة فيه تجعل النصَّ طلاسمَ وأحاجي، أما الاعتدال وذكاء التوظيف فيمنح القارئَ مساحةَ حريةٍ أكبر ليُسقطَ رؤياه الخاصّةَ عليه وينظر من زاويته، فضلاً عن أنه يرفع صهيلَ التشويق والإثارة والشغف بتفكيك الرموز لكن دون مبالغة.

 

الشاعرة والكاتبة ريما حمزة ما هي أكثر الموضوعات التي تشكل الهاجسَ في قصائدك ؟

أولاً أنا أُنصتُ بأمانة لعوالمي الداخلية وأكتب نفسي ، فأنا أمثّل المرأةَ والمرأةُ هي الوطنُ والأم والحبيبة ،والقصيدة أنثى، وأكتبُ وطني في ربيعهِ وعلى أعواد المشانق وأحاول بكلمتي أن أهذّبَ شعوراً لا جمعياً

وأكتبَ للقضايا الإنسانية ، فكل ما لا يبدأ بالإنسان وينتهي به ضيِّقٌ وهامشيٌّ ولابُد من إعادة هندسة وصياغة النفس الإنسانية، وأكتبُ للحب كثقافةٍ وخبزٍ يوميٍّ وإكسيرٍ للحياة، أكتبُ للحرية والسلام .

بالحقيقة أنا لا اختار موضوعاتي بل هي التي تختارني.

ماذا يشكل الشعر في حياة ريما حمزة ؟

يقول الشاعر الكبير نزار قباني: هل من الممكن حبسُ البحر في قارورة ؟

واعتقال الياسمين ؟

الشعر بالنسبة لي لعبة الخيال والحلم فهو يمنح روحي أجنحةً ، ويُطلقُ عصافيرَ دهشتي، أنا أتنفس الشعر، وأستعذبُ عبوديته وناره الإبراهيمية ، وفي الشعر أؤدي رقصةً بربرية أتخطى فيها جسدي وأتجاوز الإيقاعَ لأصبحَ أنا نفسي إيقاعاً.

 

كيف تنظرين إلى التحولات الحاصلة في الساحة الشعرية في المرحلة الحالية وانعكاستها على وعي المرأة ؟

 

عندما نكون في زمن لا يشبهُ إلا الصفرَ، ولايُقاس إلّا بالعدم ، يكون القتيلُ الوحيد في ساحة الشعر هو الشعرُ نفسه ، كأن الشعرَ كله قصيدةٌ واحدة،

وكأن الحداثةَ سفينةُ نوحٍ بتشابه أجناسها وتداخل أصواتها ، وأنتِ بانتظار المُنتظَرِ ، كأنكِ تشاهدين فيلماً بالأبيض والأسود للمرة العاشرة وتعرفين نهايته،

لقد اختلط الحابلُ بالنابل وانقلبت المعادلات، أمّا القصيدة المكتملة الأنوثة فتقف حائرة أين تذهب!

الأدب يقدّمُ رسالةً ويكرّس الوعيَ مع التقادم ، ولكن المرأة في سعيها نحو الحرية والتحرر ورفض القيود وخروجها للحياة والمشاركة نزعت لسلوكٍ معيّنٍ كردّةِ فعلٍ على المجتمع الذكوري ، سلوكٍ يمثّل التحررَ من وجهة نظرها.

لكنْ برأيي التحررُ الحقيقي هو وعيها لذاتها وإمكاناتها وقدراتها الحقيقية وتوظيفها بالمكان المناسب تماماً، فضلاً عن حرية القرار والاختيار.

 

الشاعرة ريما حمزة ما هو مفهومك للحداثة في الشعر وماهي معايير القصيدة الحديثة ، كيف يمكن تحديد الحديث في القصيدة من وجهة نظرك

الحداثة من حيث الشكل الفني هي خروجُ القصيدة عن الوزن والقافية، ومن حيث المضمون هي اعتماد البساطة اللفظية، واقترابها من تفاصيل الحياة المختلفة، وكذلك الغموض والرمزية، والمحاولة الدائمة لكسر النمطية والتقليد والانصهار في كيان التجديد ..

ولكن الحداثة فيها الجودة وفيها الرداءة، والقصيدة الحديثة ، وإن فقدت الوزن والقافية ، فيجب أن لا تفقدَ موسيقاها.

لابُدَّ من إيقاعٍ ووزنٍ وصوَرٍ و استعارةٍ رمزية، والمعايير التي يستخدمها الشاعر تعتمد على أسلوبه الشخصي ورؤيته الفنية.

 

هل تعد القصيدة التي تكتبها المرأة ومضات ونبضات آتية من الحلم أم من الواقع ؟

وبماذا تختلف المرأة عن الرجل بكتابة القصيدة برأيك ؟

نعم هي نبضاتٌ وومضاتٌ قد تكون من الواقع أو من ملعب خيالها، من ذاكرتها البعيدة أو القريبة،الأهم أنها تضيء في روحها فجأةً وكأنها تنتمي إليها، تتورط بها فلا تجد خلاصاً لها إلّا في الورق.

بالنسبة لاختلاف المرأة والرجل في كتابة القصيدة : أنا لا أؤمن بالتخصص فلا علاقة للشعر بجنس كاتبه، بل بمدى حساسيته تجاه الحياة ونظرته إليها، وقد يكون هذا الشخص ذكراً أو أنثى مع وجود فروقات بسيطة لها علاقة بتكوين المرأة نفسياً فهي أكثرُ تفصيلاً وعاطفةً .

الشاعر الكبير نزار قباني كتب المرأة بأعمق ما قد ترى به نفسها، ويوسف إدريس كتب ببراعة عن عالم الأنثى، وطاغور كان يحمل من الرهافة ما لم تحمله الشاعرات ، فلافرق إلّا في العقول والموهبة.

 

إلى متى سوف تكتب ريما الشعر ، وهل لديك خطة للكتابة بعيداً عن الشعر في المستقبل ؟

الكتابة هي فنُّ التورط، كلماتي كينونتي، إيماءةُ فكري، تسبيحة روحي في الوجود، كلماتي تأخذُ حجمَ عشقي واشتعالَ شموسي، وهبوبَ رياحِ الخماسين بداخلي، أنا أكتب حتى لا أصل لعتبات الانطفاء.

سأتوقف عن كتابة الشعر عندما يصبح خطّي البيانيُّ مستقيماً، سأكتب مجموعةً قصصيةً لأنني أحب فنَّ السرد، وبدأت بكتابة رواية تشبه نساءً كثيرات.

 

ما الرسالة التي توجهها الشاعرة ريما حمزة للجيل الجديد ولكل من يحب كتابة الشعر منهم ؟

أقول للبعض : ارحموا الشعرَ فهو ليس مهنةً، ولا طردا بريدياً مستعجلاً ، ولو كان قطار العمر سريعاً، كما أنه ليس تسكعاً على الأرصفة لجمع ما هو قابلٌ للتدوير .

وأقول لكل موهبة حقيقية : الشعر فطرةٌ سماوية، روحٌ وثّابة، موسيقى وجوقةٌ داخليةٌ لا تهدأ، إبداعٌ ومخزونٌ إبداعيٌّ ، والرائز الحقيقي هو الموهبة، فالموهبة الحقيقية تفرض نفسها في أي زمان ومكان.

 

كلمة نختم بها حوارنا الشيق معك ؟

أشكركِ على استضافتك لي أستاذة ريمه ، وعلى حواركِ الشيّق الذي يترجم أناقةَ فكرك وذائقتك

، وأتوجه بالشكر لكل القراء والمتابعين، وأتمنى لوطني السلامَ والأمان.

اقرأ المزيد الكاتبة والروائية ” رانيا كمال “لا يوجد شخص قادم من النجوم لينير عتمتك !كن لنفسك نوراً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock