عاممقالات

تّحَــــــــــيــــــَـــــا مـّـِـــــَــصـَـِـــــــــْر

تّحَــــــــــيــــــَـــــا مـّـِـــــَــصـَـِـــــــــْر


“اهبطوا مّصِر فإن لكمُ ما سألتُم”، لا أُغالي إن قُلتُ، بأن مصر كانت، وستبقي، وستظل أم الدنيا، وسيدتها، ومظلة العرب، والمسلمين، والمسيحيين، ولكل أصحاب الديانات السماوية، فهي مهوى الأفئدة، وبلسم الجروح، وجمال وسكينة الروح، وبلد الأمن، والأمان، ومن دخلها كان بسلامٍ، وبأمنٍ، وأمان؛ لقد رأيت فيها من كل أصقاع، وبقاع الدنُيا، وخاصةً من قارتي أسيا وأفريقيا، واتسعت، وفتحت ذراعيها وقلبها للجميع، كالأُم الحنونة التي تحنو، وتحنُ، وتّأِنُ، شجنًا، وحباً، وشوقاً ورحمة، ورأفةً بكل أولادها، فتجدهم سواسية يسيرون في شوارعها، الأبيض، والأسمر، العربي والأجنبي بكل سكينة، وهدوء ووقار، لا يكُدر صفو أمنهم أحدٌ، ولا يفزعهُم أحد، فعاش فيها الفلسطيني، والسوري، واليمني، والسوداني واللبناني، والليبي، والعراقي والأردني ودرس في جامعاتها الخ….؛ ولم تطرد يومًا كل من لجأ إليها فاراً بنفسه وولده وماله من أتون الحرب، ومن الخريف العربي الدموي!؛ فرحمت الجميع وسكنوا فيها وسكنت فيهم، ولكن الجميع لم يرحمها، ولم يغفر لها أيٍ من زلاتها التي قد يقع فيها أي إنسان!؛؛ ولكن هكذا الأُم حمالة الأسية دومًا، صابرةً محتسبةً؛ وحيث أن سعيهاُ مشكورًا، لكنها لن، ولم، ولا تنتظر من أحدٍ جزاءً ولا شكوراً، لأن مصر أمُ الحضارة، والأصل، الأصيلة، والجميلة، فيها النيل ينبوعه من فوق سبع سماوات من جنات النعيم ؛ قيل أن القرآن الكريم أُنزل في مكة، وفُسر في الشام، وقُرأ في مصر؛ وكيف لا!؛ فحينما تسمع القرآن الكريم من صوت القُراء المصريين تبكي القلوب قبل العيون، وتخشع الأصوات لكلام الرحمن فلا تسمعُ إلا همساً، وتشعر كأنه صوت من السماء، فيه من الروعة والجمال والروعة والرقة ما يجعلكُ تذوب شوقاً، مثل صوت الشيخ المنشاوي، والحصري، وعبد الباسط، ومحمد رفعت، رحمهم الله جميعاً، وفي الزمن الجميل كنا نسمع المذياع يقول: هُنا القاهرة؛ فترق القلوب وترق الأسماع، وتطرب الٱذان، وينتبه الفؤاد، والعقل؛ يا مصر أنتىِ كوكبة العصر، وكتيبة النصر، وإيوان القصر، وأم الحضارة، ورائدة المهارة، و منطلق الجدارة، وأختم مقالي في أجمل ما قرأت في قول الحجاج بن يوسف الثقفي عن مصر، والمصريين في وصيته لطارق بن عمرو حين صنف العرب فقال عن المصريين: لو ولاك امير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل، فهم قتله الظلمة، وهادمي الأمم، وما أتى عليهم قادم بخير إلا التقموه، كما تلتقم الأم رضيعها وما أتى عليهم قادم بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب؛ وهم اهل قوة، وصبر، وجلدة وحمل، ولا يغرنك صبرهم، ولا تستضعف قوتهم؛ فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا، وقد قطعوا رأسه؛ فاتقى غضبهم، ولا تشعل ناراً لا يُطفئها إلا خالقهم؛ فأنتصر بهم فهم خير أجناد الارض وأتقى فيهم ثلاثا: نساءهم فلا تقربهم بسوء، وإلا أكلوك كما تأكل الأسود فرائسها، وأرضهم، وإلا حاربتك صخور جبالهم، و دينهم وإلا احرقوا عليك دُنياك”””؛ و يكفي ما قيل من رب العباد في محكم آياته بالقرآن الكريم بأكثر من خمس مرات في الآيات التالية: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا”، وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ”، وقال تعالي: “فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ”،: “وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ”،، وقال تعالي: ” اهْبِطُواْ مِصْرً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ”؛؛ وقال عنها سيدنا محمد صل الله عليه وسلم: ” إنكم ستفتحون مصر ، و هي أرض يسمى فيها القيراط ، فإذا فتحتموها ، فاستوصوا بأهلها خيرا ، فإن لهم ذمة و رحما ، فإذا رأيت رجلين يختصمان في موضع لبنة ، فاخرج منها”؛ وأما رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إلى عمرو ابن العاص رضي الله عنه، فقد بعث عمر بن الخطاب رضى الله عنه وكتب إلى عمرو بن العاص قائلا : “أما بعد فإني قد فكرت في بلدك ( مصر) و هي أرض واسعه عريضة رفيعة، قد أعطى الله أهلها عددا و جلدًا، و قوة في البر، والبحر ، قد عالجتها الفراعنة، و عملوا فيها عملاً محكمًا، مع شدة عتوهم فعجبت من ذلك، وأحب أن تكتب لي بصفة أرضك كأنى انظر إليها ، والسلام ..؛ فكتب إليه عمرو بن العاص قائلاً: “قد فهمت كلامك و ما فكرت فيه من صفة مصر ، مع أن كتابي سيكشف عنك عمى الخبر، و يرمي على بابك منها بنافذ النظر، وإن مصر تربة سوداء و شجرة خضراء ،بين جبل أغبر و رمل أعفر، قد أكتنفها معدن رفقها (أي عملها ) و محط رزقها ، ما بين أسوان إلى منشأ البحر ، فسيح النهر(تدفقه) مسرة الراكب شهرًا ، كأن ما بين جبلها، ورملها بطن أقب (دقيق الخصر)، و ظهر أجب ، يخط فيه مبارك الغدوات، ميمون البركات يسيُل بالذهب، و يجرى على الزيادة، والنقصان كمجاري الشمس و القمر ، له أيام تسيل له عيون الأرض و ينابيعها مأمورة إليه بذلك حتى إذا ربا، و طما واصلخم لجه (أي اشتد) و اغلو لب عبابه كانت القرى بما أحاط بها كالربا ، لا يتوصل من بعضها إلى بعض إلا في السفائن و المراكب، و لا يلبث غلا قليلا حتى يلم كأول ما بدا من جريه، وأول ما طما في درته حتى تستبين فنونها، ومتونها .ثم انتشرت فيه أمة محقورة ( يقصد أهل البلاد الذين استذلهم الرومان ) ، قد رزقوا على ارضهم جلدا و قوة ،لغيرهم ما يسعون من كدهم (أي للرومان ) بلا حد ينال ذلك منهم ، فيسقون سها الأرض، وخرابها و رواسيها ،ثم ألقوا فيه من صنوف الحب ما يرجون التمام من الرب، فلم يلبث إلا قليلا حتى أشرق ثم أسبل فتراه بمعصفر و مزعفر يسقيه من تحته الثرى و من فوقه الندى ،و سحاب منهم بالأرائك مستدر ، ثم فى هذا الزمان من زمنها يغنى ذبابها ( أي محصولها و يدر حلائبها ( اللبن) و يبدأ في صرامها (جنى الثمر)، فبينما هي مدرة سوداء إذا هي لجة بيضاء ، ثم غوطة خضراء ثم ديباجة رقشاء ، ثم فضه بيضاء، فتبارك الله الفعال لما يشاء، و إن خير ما اعتمدت عليه في ذلك يا أمير المؤمنين، الشكر لله عز و جل على ما أنعم به عليك منها، فأدام الله لك النعمة، والكرامة في جميع أمورك كلها والسلام؛ وقد أوصي النبي صل الله عليه وسلم بقبط مصر خيراً فقال:( اللهَ اللهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ، فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عِدَّةً ، وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللهِ)؛ وقال من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى: ( مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا ، وَمَنَعَتِ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا ، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ )، أما الحديث عن النيل أنه من أنهار الجنة فقد جاء في الحديث الصحيح:( سَيْحَانُ ، وَجَيْحَانُ ، وَالْفُرَاتُ ، وَالنِّيلُ : كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ)؛؛ ويكفي مصر شرفاً أن الله عز، وجل تجلى جل جلالهُ للجبل في طور سيناء فجعله دكاً، فقال تعالي: ” وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ )، تحيا مصر أم الدنيا وشعبها وجيشها العظيم، ودامت منارةً للعلم، وللعلماء، ومهوى، ومستقر القلوب، والعقول، والعاشقين، ونورًا يشع أملاً لكل العرب الحالمين بالحلم العربي بالوحدة، والنصر والتمكين وتحرير الأقصى، وفلسطين،،، تحيا مصر.
الأديب الكاتب الصحفي الباحث، والمفكر العربي 
الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل
عضو الاتحاد الدولي للصحافة الإلكترونية، والدولية
عضو مؤسس في اتحاد المدربين العرب ، ورئيس المركز القومي لعلماء فلسطين
عضو نقابة الصحفيين بفلسطين، و عضو مؤسس في اتحاد الكتاب والأدباء العرب



مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock