أدم وحواءعاممقالات

الغزو الثقافي ( الفكري) و الإعلام العربي و إنعكاساتهما السلبية على المجتمعات العربية و الإسلامية.


الغزو الثقافي ( الفكري) و الإعلام العربي و إنعكاساتهما السلبية على المجتمعات العربية و الإسلامية.

كتب : المحامي بشار الحريري

لست فناناً و لا ناقداً فنياً، و ما أنا إلا مثقفا كما أزعم و متلقّياً و متابعاً كغيري من المتابعين، و المتلقين لما تعرضه الشاشات العربية بمختلف أنواعها و توجهاتها السياسية، و الفكرية، و العقائدية، من أفلام و مسلسلات و نشرات إخبارية و غيرها من البرامج الاخرى و المتنوعة في موضوعاتها …

و مع تطور التكنولوجيا الحديثة و لا سيما على الصعيد الإعلامي ، باتت الشاشة الصغيرة الأكثر التصاقا بالفرد و الأكثر اختراقا للأسرة و التي تشكل الأساس المتين لأي مجتمع في ظل اختلاف الأدوار المجتمعية للأب و الأم وبشكل خاص في إطار الأسرة، كنتيجة طبيعية لطبيعة تطور الحياة و سيرورتها بما لحق بها من تغيير نتيجة الغزو الثقافي و الفكري لمجتمعاتنا غير المحصنة لمواجهة، و درء المخاطر و الأهداف الخفية المباشرة من وراء هذا الغزو الذي يستهدف الأسرة بشكل خاص في مجتمعاتنا من أجل تفكيكها و إضعاف منظومة القيم الأخلاقية السليمة التي تمتاز بها، و هي الهدف المباشر من وراء الغزو الثقافي الغربي لتفتيت مجتمعاتنا ، و سلخها عن المنظومة القيمية الأخلاقية التي تشكل الحصن المتين لهذه المجتمعات من جهة،و لمواكبة هذا الغزو في مساره الإيجابي من جهة ثانية و توظيفه في إطار التنمية بمختلف مجالاتها .

و لذلك سأتناول هذا الموضوع من خلال ما يلي :


اولا – خصائص الأسرة في المجتمعات العربية و الإسلامية.

ثانيا – مظاهر الغزو الثقافي.

ثالثا – الٱثار السلبية للإعلام العربي و الإسلامي على مجتمعاتها .

رابعا – النتيجة .

اولا – خصائص الأسرة في المجتمعات العربية و الإسلامية.


1- تعريف الأسرة : 

تشكل الأسرة في المجتمعات العربية و الإسلامية، الخلية الأساسية التي تحتضن الفرد في نشأته الأولى، حيث تغرس فيه كل المبادئ القيمية، الأخلاقية، والإنسانية، التي تتشكل منها مبادئ الحياة في هذه المجتمعات.

2- خصائص الأسرة : 

١ً- الالتزام و الانضباط بقواعد الحلال و الحرام،و الاحترام، و العطف، و مساعدة الآخرين، و إغاثة الملهوف، و التعاون و إحترام حقوق الجار …الخ .
و هذا كله الذي يشكل الأساس المتين لبنية الأسرة في المجتمعات العربية و الإسلامية، و التي تشكل بدورها البنية القوية للمجتمع بكليته . 
في حين أن الغرب يفتقد لهذه القواعد و غيرها من القواعد الأخرى التي تشكل البنية الاجتماعية القوية لمجتمعاتنا .
لذلك كانت هذه القواعد تشكل هدفا أساسيا في المخططات الغربية من خلال ما يعرف بالغزو الثقافي لتفتيت البنية الاجتماعية لهذه المجتمعات و بالتالي التمكن منها و السيطرة عليها.

٢ً- أسرة تقوم على أساس المودة والرحمة المتبادلة بين أفرادها .
قال الله تعالى في محكم كتابه : 
“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “

فالأسرة هي التي تؤمن مواطن الراحة النفسية و الطمأنينة و المحبة والسلام و المودة و الاحترام . 
و هذا أيضا تفتقد إليه الأسرة الغربية التي تتميز بتشتت الأسرة و تفتتها و عدم الترابط الأسري فيها .

٣ً- الدين يشكل الوازع الأساسي للأسرة العربية و الإسلامية في كل تصرفاتها و مقومات و أسس التربية السليمة وتوزيع الأدوار بين الزوجين حيث يقوم الزوج بالرعاية و النفقة و معاشرة الزوجة بالمعروف ، و الأم تقوم على رعاية و تربية الأبناء و غرس قيم الاحترام للوالدين و لبعضهم البعض، و صلة الرحم 
… بحيث تتكامل الأدوار مع بعضها البعض و تظلل الأسرة بظلال المودة والرحمة و السكينة.
قال الله تعالى : 
” (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)”

٤ً- الخاصية الرابعة للأسرة العربية و الإسلامية تتمثل من حيث الهدف الذي ترمي إلى تحقيقه و هو :
” مخافة الله و النجاة من عقابه و الفوز برضوانه . 
و تنشئة أجيال مؤمنة صالحة تخدم أمتها و أوطانها بنشر قيم الخير و المحبة و السلام و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و العمل على بناء الحضارة الإنسانية بوجهها المشرق القائم على التعاون و التعايش السلمي المشترك بعيدا عن التناحر و مشاعر الكراهية والبغضاء و إشعال الحروب .

ثانيا- مظاهر الغزو الثقافي أو الفكري :


١ً- تعريف الغزو الثقافي ( الغزو الفكري ) : 

إن ظاهرة الغزو الثقافي أو الفكري ليست بالجديدة ، و إنما هو ظاهرة قديمة و استفحل خطرها حديثا بالتزامن مع ظاهرة الثورة المعلوماتية والتكنولوجية و اختراقها للمجتمعات العالمية، بكل سهولة دون استئذان ، في ظل غياب وسائل الأمن و الأمان لدى المجتمعات المستهدفة ككل، و تبرز خطورتها بشكل خاص على صعيد الأفراد في ظل غياب سياسات التأهيل، و أمن المعلومات على صعيد الحكومات .
و يعتبر الغزو الثقافي او الفكري أشد خطراً من الغزو العسكري ، لأن الغزو الفكري يتصف بالسرية و اتباع أساليب و سلوكيات بما يسمى ، المسارب الخفية في بادئ الأمر، حيث لا تشعر به الأمة المغزوة إلا و هي فريسة له وتكون نتيجته أن هذه الأمة تصبح مريضة الفكر ، تابعة ، مقلدة غير مبدعة ، متواكلة ……الخ و بالتالي يكون مآلها الإندثار.


الغزو الثقافي ( الفكري) و الإعلام العربي و إنعكاساتهما السلبية على المجتمعات العربية و الإسلامية.

و نستطيع أن نعرف الغزو الثقافي أو الفكري بأنه :


“مجموعة الجهود التي تقوم بها أمة من الأمم للسيطرة على أمة أخرى أو التأثير عليها لدرجة الاستيلاء و السيطرة عليها احتلالها ! “.

٢ً- أسباب الغزو الفكري: و للغزو الفكري اسباب عدة تجدها لدى الأمة الغازية نذكر منها :


١ – الحقد والكراهية لدين الأمة المغزوة .

٢ – دثر تاريخ الأمة المغزوة و تشويهه .

٣ – إلحاق الضعف والوهن بفكر الأمة المغزوة وتفكيك مجتمعاتها واشغالها بسفاسف الأمور وعدم مواكبة تطورها الحضاري .

٤ – السعي إلى طمس هوية الأمة المغزوة و جعلها تغيب في غياهب التخلف و الاندثار الحضاري .

إن معظم الأسباب التي تبررها الأمة الغازية هي أسباب واهية لا مبرر لها سوى الحقد، و الكراهية حبا و طمعا، في السيطرة و التحكم، و استعباد الأمم، و الشعوب، و نهب خيراتها، و مقدراتها ….

و هو حال الأمة العربية و الإسلامية اليوم نتيجة ما تعانيه من غزو فكري ، و ثقافي للعادات و التقاليد و القيم عبر مصطلحات ناعمة براقة في العنوان سامة في الجوهر .

٣ً- مظاهر وأهداف الغزو الثقافي أو الفكري ضد المجتمعات العربية و الإسلامية : نذكر منها :

١- زعزعة الثقة في نفس المسلم بدينه، و تشكيكه بعقيدته الدينية.

٢- القضاء على اللغة العربية ودثرها لأنها لغة القرآن الكريم.

٣- زرع الفتنة و الشقاق بين المجتمعات العربية و الإسلامية بإثارة النعرات بينهم سواء كانت قومية أو عرقية، أو طائفية، مذهبية.

٥- الدعوة إلى الشهوات والملذات باعتبارها أمور طبيعية تتطلبها النفس البشرية، وإغراق المجتمعات العربية و الإسلامية فيها.

٦- طعن الأمة الإسلامية في أخلاقها و قيمها ، عبر التحفيز على التحلل و الإباحية.

٧- التدخل في المدارس و المعاهد والجامعات من خلال اللمسات الغربية التي تحقق أهدافهم .

٨- نشر العنف و إلصاقه بالثقافة الإسلامية.

ثالثاً- الغزو الثقافي (الفكري) و الإعلام و أثارهما السلبية على المجتمعات العربية و الإسلامية.


استطاعت الدول الغازية للثقافة العربية و الإسلامية أن تخترق منظومة القيم الأخلاقية و الفكرية و الثقافية للأمة العربية الإسلامية ضمن خطط مدروسة وفق استراتيجية محكمة ، عبر وسائل متعددة و الأكثر إلتصاقا بالأسرة العربية و الإسلامية لتحقيق أهدافها من هذا الغزو الذي فشلت من تحقيقه عبر الغزو العسكري . فوجدت ضالتها بوسائل الإعلام، و وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة و المتنوعة بالتزامن مع ثورة المعلوماتية و اختراقها للمجتمعات بكل سهولة ودون أي رقابة في هذا الصدد . و كان لها ما تريد عبر اختراق الإعلام المرئي بالدرجة الأولى و الانترنت اللذان شكلا فضاء رحبا لبث سمومها الفكرية و الثقافية عبر مصطلحات يراد بها باطل. كحرية الإعلام و النشر ….الخ. 
لذلك انتشرت في العقود الأخيرة من القرن المنصرم و إلى اليوم المحطات الإعلامية المتنوعة بشكل صارخ مع غياب الرقابة عليها بحجة حرية الإعلام …

١- انتشار المحطات الفضائية الفنية و التي تعرض الأفلام التي تحض على العنف والجريمة كالقتل و الدعارة و المخدرات و العلاقات غير الشرعية بين الذكر و الأنثى …الخ 
حيث تناولتها هذه المحطات باعتبارها قضايا تمس الواقع السائد في المجتمعات باعتبارها ضرورة مجتمعية يجب تسليط الضوء عليها من أجل معالجتها و ايجاد الحلول المناسبة لها. 
في حين أن طريقة العرض و الطرح تتنافى مع هذه المبررات و تتنافى مع حقيقة الواقع قبل انتشار هذه المحطات .. فبدلا من طرح الحلول و معالجة هذه الظواهر على اعتبار أنها مستفحلة بأساليب منضبطة وفق منظومة القيم الأخلاقية لهذه المجتمعات!! 
كانت طريقة الطرح خارج حدود منظومة القيم الأخلاقية حيث كان العري و العلاقات غير الشرعية بين الجنسين، و ممارسة الجنس، و التحرش الجنسي، و تناول المخدرات و طرق تهريبها و كيفية الحصول عليها، هو ما تعرضه هذه المحطات مستهدفة بذلك فئة الشباب المراهقين لتهدمه و القضاء على طاقاته الإبداعية، و سلخه عن بنيته الفكرية و قيمه الأخلاقية و الدينية ، كونه يشكل الفئة الأكثر نسبة في مجتمعاتنا العربيةو الإسلامية وهو أساس التنمية و النهوض بهذه المجتمعات . و هذا هو أهم هدف من أهداف الغزو الفكري والثقافي لمجتمعاتنا.

٢- انتشار المحطات الفضائية الإعلانية التي تحض على الفجور و الإتصال الجنسي عبر نشر ارقام هواتف خاصة للاتصال و التواصل .

٣- انتشار المحطات الفضائية الإعلانية التي تدعو إلى الشعوذة و فك السحر ….

٤ – انتشار المحطات الفضائية الإعلانية للأدوية والمستلزمات الجنسية التي تقوي من القدرة الجنسية و تطويل و تضخيم العضو الذكري ، و تكبير الصدر لدى النساء . و الأخطر من ذلك كله هو استخدام تلاوة القرآن الكريم خلال عرض هذه الإعلانات من أجل استقطاب المتابعين من كلا الجنسين.

٥ – انتشار المحطات الفضائية الدينية على أساس طائفي و قومي لبث الكراهية بين الطوائف و المذاهب و القوميات التي تشكل المكون الاجتماعي في العديد من مجتمعاتنا.

٦ – انتشار المحطات الفضائية الإخبارية الموجهة في تأزيم التفرقة و العداء بين حكومات الشعوب العربية و الإسلامية.

٧ – انتشار المحطات الفضائية التي تستهدف الأطفال من خلال المسلسلات الكرتونية الموجهة على أساس طائفي .


الغزو الثقافي ( الفكري) و الإعلام العربي و إنعكاساتهما السلبية على المجتمعات العربية و الإسلامية.

رابعا – النتيجة : 

رغم ما تم عرضه أعلاه إلا أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أنه ليس هناك محطات إعلامية عربية و إسلامية استطاعت أن تستشرف ما هو مخطط من مشاريع عدائية ضد أمتنا العربية و الإسلامية و العمل على مواجهته . 
و نستطيع القول ان الدول المعادية للأمتين العربية و الإسلامية استطاعت أن تحقق أهدافها عبر الغزو الثقافي و من خلال وسائل الإعلام و و سائل التواصل الاجتماعي من تمزيق مجتمعاتنا عبر إختراق افراد الأسرة و تفكيكها و تفكيك بنيتها الأخلاقية التي امتازت بها عبر العصور .

المراجع


– مقالة على النت : خصائص الأسرة المسلمة للكاتبة : مريم أماوي. 
– مقالة على النت : مظاهر الغزو الثقافي للكاتبة : إيمان الحياري.
– مقالة في مجلة سحر الحياة : الغزو الفكري للكاتب : بشار الحريري.
– سورة الروم الآية 21
– سورة الإسراء الآية 23.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock