شعر وحكاياتعام

” أخلاق الفرسان ” قصص قصيرة للطفل تستحق لقب ” الكتاب الذهبى”

دراسة  نقدية بقلم : منى رمضان
أدب الطفل هو نوع خاص من الأدب يخاطب عقل الصغار والناشئة ، والكتابة لهذه الشريحة العمرية ليست بالأمر الهين، وتحتاج إلى دراية، ووعي بقضايا المجتمع، وسوف نتناول سويَا عرضَا مبسطَا وسريعَا للمجموعتين القصصيتين “أخلاق الفرسان” والصادرتين عن دار الجندى للنشر والتوزيع بالقاهرة ، للمرحلة السنية من 9 : 12 سنة ، للكاتب صلاح شعير، وتتميز المجموعتان بوضوح الرؤية، وبما يؤكد أن الكاتب لديه قدرة فائقة علي التعايش مع وجدان الصغار، وكأنه يقطن في نسيج عقولهم وبالتالي فهو متفهم جيدا لطريقة تفكيرهم.    
                                     
 الكتاب يتكون من مجموعتين قصصيتين. كل مجموعة تتكون من عشرة قصص. وتحمل القصص موضوعات شيقة تتميز بالبساطة والعمق فى آن واحد، وبالتالى نسج الكاتب موضوعه الأدبي بطريقة هادفة، ومفيدة، ويمكن إبراز ذلك فى النقاط التالية:                                       
– حرص الكاتب على غرس القيم الأخلاقية، والخصال النبيلة بنفوس القراء بشكل سلس، وذلك في كل القصص المقدمة بالمجموعتين. فعلي سبيل المثال عادة رد الجميل، والتى عرضها الكاتب في قصة “الهدهد والفلاح”. من العادات والخصال الجميلة التى يجب أن تسود مجتمعاتنا العربية. 
                                     
– إثراء ثقافة القارئ الصغير،  فلم تخلوا قصة واحدة من القصص المقدمة من فكرة أو أكثر، حيث تم صياغة الأفكار بطريقة مبتكرة، ومن ثم امتزجت المتعة والتسلية مع قيم البناء. 

– قام الكاتب بإحياء العادات والتقاليد المصرية الأصيلة مثل عادة الاحتفال بالمواسم مثل موسم النصف من شعبان ، حيث تحتفل الأسر وتذبح الطيور البلدية لتناولها كوجبات شهية، وتم عرض هذا التقليد  في قصة ” من يفكر ينجح “. 
             
– الكاتب جعل المتلقى الصغير على دراية بمشكلات مجتمعه، مثل مشكلة الضوضاء، والتلوث السمعي في قصة ” الديك الحائر” وعرض هذه المشكلات له دور إيجابى. حيث يجعل الطفل علي اتصال بما يحدث فى البيئة المحيطة، وبالتالي يتكون بداخله الاحساس بالمسؤلية والرغبة فى المشاركة المجتمعية لمواجهة هذه المشاكل.                                                                               
 – عالج الكاتب ظاهرة انتشار بعض المعتقدات الخاطئة السائدة في المجتمع مثل الاعتقاد السائد أن النعامة تدفن رأسها في التراب وقت الخطر وتترك جسدها في العراء لأنها تتسم بالغباء. وبرز ذلك في قصة “النعامة الذكية” كمثال، حيث يتضح لنا إننا قد ظلمنا والحقيقة أنها تعانى من ضعف النظر ولذلك وقت الخطر تضع رأسها في الرمال للتنصت علي وقع خطوات الحيوانات المفترسة حتى تتمكن من الهرب والنجاة وقت الحاجة.    
 – نسجت القصص عبر الخيال غير المباشر تارة، والخيال الجامح تارة أخرى، وبرز ذلك الخيال الثرى فى قصة “الدجاجة الذهبية ” التى تبيض الذهب. 
              
وكل ما سبق يوضح لنا أهمية وحيوية الموضوعات المقدمة وكيف احترم الكاتب عقلية الطفل بشكل جيد.

واذا انتقلنا إلي البناء الفنى سوف نجد أن ” صلاح شعير” قد راعى  إكتمال العناصر الفنية للقصص، فالبداية جيدة، والحبكة تعتمد علي التشويق وهناك حرص علي تحديد الزمان والمكان، فعلي سبيل المثال فى قصة ” بر الوالدين ” استهل الكاتب القصة بعبارة ” أمام منزل الحاج عبده، فى الصباح الباكر”  فنجد أن ربط القصة بعنصرى الزمان والمكان يضفى عليها الواقعية، ويجعلها أقرب للتصديق. كما أن المقدمات تتضمن ما يشجع القارئ علي الإسترسال فى القراءة، ففى قصة “الحصان العربى” نجد أن السطور الأولي تضمنت فكرة إنعقاد مسابقة للخيل فى لندن، وكان من ضمن خيول المسابقة حصان عربي، وهذه المقدمة مثيرة لفضول المتلقي، فمن المؤكد أنه سيسترسل فى القراءة حتى يعرف ما هي نتيجة المسابقة؟ ويعد هذا عنصرا هاما من عناصر الجذب.

 بالإضافة الى حدة الصراع، وتصاعد وتيرة الأحداث وهذا يثير مشاعر متعددة تجبر القارئ على المتابعة، فاذا قرأنا قصة  ” الأوزة الثائرة ”  نجد أن مشكلة وصول الصرف الصحى من مدينة الفيوم الى بحيرة قارون – الذى أدي الى تلوث خطير يضر بالأحياء- قد أثار حفيظة الأوز نظرا لتضرره من هذا التلوث، وعليه قام الأوز بمظاهرة للمطالبة بتطهير البحيرة، ودار صراع بين الأوز والبشر ، وبلغ الصراع حد الذروة، إلى أن استمعت السلطات المحلية  لشكوى الأوز الثائر،  وانتهت القصة بنهاية سعيدة بنزول الأوز للعب والمرح فى البحيرة. وتحتوى القصص العشرينية علي العقد، والتى تبلغ حد الذروة ومن ثم الحل، ومن النقاط السابقة نصل إلى أن الحبكة المتماسكة فى إطار وحدة الموضوع، والترابط البنائى بين أجزاء القصص. وتشابك الدراما مع الأحداث ، والعلاقات، والأنماط السلوكية لعناصر القصص كلها عوامل تعزز من نجاح الكاتب فى الوصول إلي الهدف. 
     
وبالإنتقال الى عنصر اللغة، نجد أن كافة النصوص إلتزمت اللغة العربية الفصيحة السهلة والبعد عن الصعب فى الشكل والمضمون واشتملت القصص علي مواطن جمالية كثيرة مثل التشبيه والتصوير وغيرها، فعلي سبيل المثال نجد فى قصة  “الوفاء والغدر ” عبارة تقول ” أن رأس الذئب مرتبط بعموده الفقرى، وجسده يتحرك بشكل مستقيم مع الرأس “، وهذا تصوير تفصيلي بليغ، ويعكس لنا  مدى ثقافة وتبحر الكاتب فى الإطلاع على عالم الحيوان.

أما معالم الشخصيات، فقد تميزت بالوضوح التام وقد إتخذ الكاتب أبطال القصص من مملكة عالم الطيور والحيوان، وهذه المملكة محببة لقلب الصغير والكبير وتعتبر ركيزة ناجحة لجذب القارئ.

إلتزم الكاتب بالبعد الجسدى  للشخصيات. فنجد فى قصة “الأرنب الطماع” عبارة تقول: “الأرنب الأسود أكبر الأرانب وأكثرها  لحما”. أما البعد النفسي والاجتماعي للشخصيات كنموذج بقصة ” الطاووس الوحيد ” وردت عبارات تقول:    “الطاووس كان حزينا وهكذا …

ومما سبق يتضح لنا أن الكاتب قد قدم للطفل وللمكتبة العربية وجبة فكرية ثمينة ومبتكرة عندما تعامل بحرفية شديدة مع وجدان الطفل وبلا مبالغة يمكن القول أن كتاب ” أخلاق الفرسان ” يستحق بجدارة أن يطلق عليه لقب ” الكتاب الذهبي”، لأن بناء عقل الطفل العربي  أغلي من اقتناء الذهب.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock