![]() |
باروخ وأشفور وأدمون ” من الحكايات الشعبية ليهود مصر القرائين _ الحلقه الثالثه ” |
كتب . د. احمد زكريا
-3-
فلما سئلته؛ وأين وجدت البشارة؟..أجابها بأن شمّاس المعبد قد أخبره عن نزول الفسطاط عالم كبير من شيوخ الطب من أهل الإسكندرية وهو يبحث عن صبية صغار فيعلمهم الحكمة وصنعة الطب، فى مقابل ثلاث دنانير من ذهب؛ قالت الزوجة: “وما شأننا فى هذا؟”..فاجابها معترضًا:” كيف؟.. هل شاهدت يومًا طبيبًا فقيرًا؟.. هل سمعتى عن حكيم خلا بيته من الطعام !!” قالت الزوجة مقرّةً: “لا إنهم أغنياء اغنياء اليهود ولكن انظر بنفسك، ان لدينا ثلاثة من الابناء وليس عندنا إلا ثلاث دنانير أجرة ذلك العالم، هذه الدناير الثلاثة هى حظ أبنائنا جميعًا وليس حظ واحد منهم..ام أنك تطلب السرقة؟”
“لا لم اكن لصُا قط ولن أكون ولن اطلب الخير ألتمسه بباب الشر وليس هذا عهدى مع الله، ولكنها فرصة وقد جاءت لنا فلم نتركها، أنت قلتى بنفسك، ان الأطباء هم أغنياء أغنياء اليهود وزراء الخليفة، ربما ليس لدينا من الحظ ما يجعل الأقدار تبتسم لأبنائنا الثلاثة، ولكن لو أن أحدهم صار طبيبًا وتعلم هذه المهنة واتقنها منذ الصغر فسيأخذ بيد اخوته بل وبأيدينا أيضًا، لن يطأ الفقر عتبات هذه الدار”
الزوجة: “هذه مخاطرة كبيرة وانت تلعب بمصير أولادنا”
الأب: “مخاطرة كبيرة نعم ولكن ألعب بمصير أولادنا فلا، وهل مصير الخلائق بيد المخلوق أم بيد الخالق، لنلتمس الفرصة ونعرض دنانيرنا على ذلك العلامة الفهامة علّه يقبل بأحد ابنائنا.. لتكن هذه هى هى المخاطرة الوحيدة فى حياتنا التعيسة!”
الزوجة: “لتكن مشيئة الواحد، فمن من أولادنا قد اخترت، لا أظنك هنا تستشيرنى يبدوا أنك عزمت رأيك فى كل شيىء”
الاب: “بالفعل قد اخترت باروخ هو أكبرهم وأذكاهم كما انه سيكون الأنسب لهذه المهمة”.. الام باكية: حسنًا قد اخترت.
وهكذا جمع الأب أبنائه الثلاثة وأخبرهم بحكاية كنز الدنانير الثلاثة التى أخفاها القرّائى الفقير؛ والمستقبل الواعد الذى ينتظر باروخ فى صنعة الطب، ثم أوصى باروخ على أخويه بأن يرعاهما ويتكفل بهما من بعد والديهما كما تكفلا به فى تعليمه، وأخبره بمنتهى الوضوح أنه سيتعلم الطب من نصيب أخويه فى الميراث الذى اجتهد هو ووزوجته فى إدّخارة للأبناء الثلاثة طوال عمرهما وكانت آخر كلماته لباروخ:
“أنت لست الناجى الذى سيقفز من القارب قبل ان يـــــــــغرق
بل انت المراكبى الذى يقفز من القارب ليسحبه لشاطىء النيل”
وهكذا ودّع الجميع “باروخ” الذى رحل مع معلمه الجديد إلى الإسكندرية حيث معبد الربانيين الكبير ومدرسة الطب، كانت ليلة حزينة قضتها الأم باكية و الأب يفكر بينما “اشفور و”ادمون” فقد استغرقا سريعًا فى النوم كما لو ان كل ما حدث لم يكن يعنيهما بشيىء؛ فى الصباح الباكر حملها الأب وطاف بهما أسواق اليهود والصاغة وهناك أودعهما لدى صائغ يعمل فى صك النقود الفضية وسباكة المصاغات.