عاممقالات

التعليم في سورية بين اليوم والأمس




بقلم الباحثة والمدرسة . راغده شفيق محمود 
هذا المقال أكتبه وأنا أواكب المسيرة. التعليمية لأكثر من ثلاثين عاماً. 
التعليم في سورية : طرأتْ بعضُ التعديلاتِ على قانون إلزاميّة التّعليم . في السّنواتِ الماضية كانَ التّعليمُ الإلزامي للصّفَ السّادسِ الابتدائي ستُّ سنوات يقضيها الطفلُ في المدرسةِ أيّ في سنتهِ الثانيةَ عشرة يستطيعُ الدخول في سوقِ العملِ وأن يبدأ تحديد مسار حياتهِ المتابعة أو العمل والفتاة الجلوسَ في المنزل للتعود على أعمالهِ إن لم تتابع دراستها . 
من وجهة نظرِ البعض كانَ الأفضل لأنّ الطفلَ يدخلُ سوق العمل في سنّ مبكرةٍ فيتقنَ عمله من منطلقِ العلمِ في الصّغر كالنقشِ في الحجر . أما واضعو القانونِ الجديد الّذي جعلَ سن الإلزام حتى الصّف التاسع بزيادة ثلاث سنواتٍ من العمر على مقاعدِ الدراسة ستكسبُ الطّفلَ فرصةً للنضوج والقدرة على تقرير مصيره ورسمِ مستقبلهِ . 
وهو القانونُ الّذي يطبقُ حتى الآن . إذن التعليم إلزامي ومجاني في مرحلة التعليم الأساسي . بالنسبةِ للثانوي فهو غيرُ إلزامي ولكنهُ مجاني . وبرسومٍ رمزية في التعليم الجامعي بالمقارنة مع الجامعات الخاصة الّتي بدأتْ كالحمى تنتشرُ في كلّ المحافظات السّورية بجانبِ المدارس الخاصة بأقساطٍ تفوق الدخل العام للمواطن السّوريّ مثال السنة الواحدة لطالب الطب البشري تحتاج لراتبِ ثلاث سنوات للموظفِ فئة أوّلى .
النظام التربوي والتعليمي : في إحصائيات عام /2006/ كانت نسبة القادرين على القراءةِ والكتابةِ 83.1 % . المرتبة التاسعة عالميّاً . أما في يومنا هذا أعتقد أنّ النسبة مخيفة بسبب آلافِ المدارسِ الّتي دُمرت وملايين الأطفال الّذين يعيشون تحتَ خط الفقرِ بسبب الحروبِ والمضحك هذه الأرقام والمساعدات الّتي تقدمها الأمم المتحدة والهيئات الإنسانيّة الّتي تعتبرُ مجرد دعاية لإلتقاطِ الصّور ثمّ المغادرة مع الإعتقاد أنّ بعض الكراتين الورقيّة ستكفي لمواجهةِ الفقر الّذي يفرشُ جناحيه الغرابيين على هذه البلاد وهي ملايين الدولارات تدفعُ ثمناً للأسلحة للقتل وتفجير المدارس وقتل الأطفال . 
المستقبل التعليميّ في بلدي ليسَ باعثاً للتفاؤل : 
قراراتُ وزارة التربيّة كألواح الشوكولا الّتي تقدم للأطفال . لن تنتجَ سوى جيل متخماً بالسطحيات والتوافه الّتي لا تفيد في سوق العمل الحياة العمليّة . 
العملية التربويّة تستند إلى أربعة أركان :
1- المعلم : وهو قبطانُ السّفينة فهو الموجه والميسر والمربي , وبقدر ما تسمو الحكوماتُ بالمعلم ترتقي العمليّة التربوية وتتطور . 
ولو سألَ سائلٌ ما وضع المدرّس السّوري في مرحلة الأزمة ؟ الجواب واضح للجميع لم تصدر أيّ قوانين أو قرارات لمساعدة المعلم لتغلبِ على المصائب الّتي ألمت به كفرد تقعُ على عاتقهِ مسؤولية النهوض بالمجتمع . بل نالَ التعذيب من خلال رحلةِ التنقلات للوصولِ إلى مدرستهِ . وبعض المدرسين ذُبحَ نتيجة آرائه وتمسكهِ بوحدة البلاد وأكثر ما يؤلم هذه الأجيال الّتي لا تهتم بالمناهج ولا تحترمُ المعلم بسبب احترافِ الغش , والبعض يسّهل لأغراضٍ ماديّة أو تدميريّة للبلاد . السّبب انعدام فكرة الثواب والعقاب في وزارة التربيّة وانعدام الثقة بالقرارات الوزارية الّتي تعدّ خططها كتجربة وتصرح بذلك . هل تعتقد أنّ البناء الّذي يبدأ من الطابق الأعلى سيكون متيناً , ومن الملاحظ عدم قدرة وزارة التربية على تثبيت كلّ حاجات المدارس من المدرّسين فتلجأ لنظام الساعات وهنا المأساة سعر الحصة مئة ليرة سوري لذلك مدرّس السّاعات لا يهتم بالحضور أو الغياب بل غدة من باب التسليّة وملأ أوقات الفراغ وهذا موضوع كان له الكثير من الاثار السّلبيّة على الوزارة زيادة سعر الحصة في مدارسها احتراماً لهؤلاء . ولكن يجبُ ألا ننكرَ صمود المعلم السّوريّ وتمسكه بعملهِ ومحاولة النهوض به . 
2- الكتاب المدرسيّ : وهو المنهل والمورد الّذي ننهل من معينِ مائهِ , فإن كان صافياً رقراقاً سينتجُ عقولاً سليمة وأنفساً قويمة وإن فسُدَ ماؤه سينتجُ أجيالاً عقيمة لا فائدة منها . تغيرت المناهج في سورية وبدأت بالثانوي ثم الابتدائي ومن ثمّ الأساسي . وأيّ تفكيرٍ وحلقةٍ غير متصلةٍ ستقنع أيّ متابع أن المنهاج متكامل لهذا لجيل . لقد ضحت الوزارة بأجيال وهذا سينعكس على المستقبل التعليميّ في البلاد . وأيضاً هذه الضخامة في المعلومات الّتي لا ترتبط بسوق العمل . وعدم إيجاد الخطط لإدارة الأزمة وأنّ البلاد تحتاج الطبيبَ والمهندسَ والمعلمَ والجندي والعامل والفلاح والعتّال والخبّاز والبحّار ….. 
المناهج لم تستطعْ أن تُقنع الطالب وكذلك الأهل أنّ الوطن يحتاجُ لجميعِ الاختصاصاتِ الفكريّة والعضليّة . ولو سألتَ أيّ طالب ماذا ترغب أن تكونَ سيجيبُ عنه الأهل طبيباً أو مهندساً وهذا ما ظهرَ من أعداد هائلة للأطباء والمهندسين الّذين فقدَوا حق الالتزام بالتوظيف ( سياسة الاستيعاب الوظيفي للمهندسين والأطباء وبعض المعاهد المتوسطة )
لتصل الوزارة لمناهج عالية يجب أن تربط المعلومة بالواقعِ وحاجة المؤسسات وتواكب التطور العلميّ وأنْ تصقلَ شخصيّة الطالب بمعلومات راسخة لا معلومات للحفظ ثمّ النسيان والتلف . 
ولن أتكلمَ عن مناهجِ المعارضةِ لأننّي بعد الاطلاع على بعضها سألتُ نفسي أيّ سمٍ يوضع في الدسم وأي ناشئة ستبني سورية وسط هذه المعمعة التي تقوم على خليطٍ مخيف من الدين واللغة وبعض علوم الكيمياء لصناعةِ المتفجرات ومزجها بالدماء وتكفير الأخرين . كيف سينسجم هذا الذكر الّذي تعلم في هذه المعتقلات التكفيرية مع المجتمع السّوري الحضاري . وماذا تعمل الحكومة للسيطرةِ على هذه العقولِ للعائدين لحضنِ الوطن هل من خطط لإعادة التأهيل ؟؟؟؟؟؟

غالباً يراودني سؤال لماذا يمزقُ الطالبُ كتابهُ ؟ لماذا يرميهِ في الهواءِ فرحاً بعد الامتحان وقد يركلهُ بقدمهِ ؟ أيّ علاقة تعلمها الطالب ليكون الكتابُ صديقهُ الصدوق . سؤال لواضعي المناهج والقرّاء .
3- الطالب : هو الأساس وهذه الشريحة الواسعة الّتي تبلغ

الملايين من الأفراد الّذين يتقاطرون إلى المدارسِ والجامعات يومياً . ماذا قدمتِ الوزارة

فكانت التعاميم والمراسيم من تنقلات وفرصة إعادة بعض مواد الامتحانات والدورة الصيّفية للراسبين في مرحلة التعليم الانتقالي وعدم التركيز على اللباس المدرسيّ والهندام , وغض الطرف في الامتحانات وتقديم المساعدة في حال تقصير الطالب من قبلِ المدرّس وعدم رفع الصوت على الطالب أو الكلام بما لا يليق بقدسيتهِ ووو .
هل هذه القرارات صحيحة أقول كمدرّسةٍ لا .
السبب انتشارُ الفوضى في مدارسنا . يسألُ طالبٌ متميزٌ ومتفوقٌ كيف تفوقَ هذا الزميل الكسول ومن أينَ حصلَ على هذهِ العلامات وكيفَ سيأخذ مقعدي في الجامعة . وهو سؤال محق لأننّا نجد في المرحلة الثانويّة الكثير من الطلاب الغير مهتمين وقد نالوا علامات مرتفعةٍ . أنا مدرّس وأعلم سوية الطلاب لا عدالةَ في الامتحانات على الوزارة أن تكون أكثر صرامة ليُقبل الطالبُ المتفوق على الدرس بهمةٍ وتفانٍ وبذلك يشجع الطالب الأقل مستوى . لقد تحوّلت الشّهادات لسلع تباع وتشترى في الامتحانات ليسَ كلامي بل هو كلام أيّ طالب سوريّ لتسأله عن رأيه في نزاهة الامتحانات هو فقدان للثقة بالرغم من وجود بعض المراكز الّتي تُضبَط جيداً . و لنزور المدارس الّتي تحولت لدور عرض للأزياء وبات الفقير يتردد في إرسالِ ولدهِ اللباس الموحد خير سبيل ولدى الوزارة الكثير من خريجي الفنون لتنشأ في كلّ محافظة ورش لخياطة الملابس المدرسيّة وتوزيعها على المدارس وبذلك تتغلب على هذه الظاهرة السلبيّة والّتي تستحق الاهتمام والمتابعة بعد أن غدا معظم الشعب يحاول التمسك بخط الفقر وعدم السّقوط تحتهُ .
4- المدرسة : بعضُ المدارس في سورية أشبه بسجون الحديد الصلب الجدران الصفراء الأوساخ الّتي تحيط بالمدرسة المقاعد المكسرة الجدران التي تحولت للوحات توحي لك بتلوثٍ بصري وتدوين العبارات النابية أو الأسماء والذكريات والسّخرية . إلا ما قلّ وندر ويعود ذلك للإدارة والقرارات الوزارية الّتي لا تعاقب من يعبثُ بأثاثِ المدرسة فهو ملك عام لنبتعد عن العقوبة هل في مناهجنا أو صدرَ قرار لمبادرة لتحويل هذه المدارس لحدائق خضراء بأشجار وارفة الظلال ومقاعد ملونة وأبنية يشرف عليها مهندس منفتح الأفقِ يبتعد عن إطار الحديد داخل الحرم المدرسيّ . سؤال نطرحه لماذا لا يحافظُ الطالب على مدرسته وهو يقول هي بيتي الثانيّ الجواب هو لا عقوبات تردع الفاسد ليعود لطريق الصواب . بل يصبحُ المشاغب المخرّب بطلاً مِقداماً يُكسّر المقاعد ويلوث الساحات ويكتب ما يحلو لهُ . سأضيف افتقار المدارس للمخابر والمكتبات وقاعات المطالعة وملاعب الرياضة والعدد الضخم للطلاب بسبب الأزمة وعندما تتحدث يقولُ البعض نحن في أزمة نعم نحنُ في أزمة أخلاق لبعض أبناء هذا الجيل الّذي ألِفَ التخريب والتنصل من المسؤولية وعدم احترام المدرّس وتهديده بالقتل والضربِ دون حياءٍ أو خجل وخاصة في أيامِ الامتحانات .وأقول أيّها الطلاب أيّتها الإدارات النظافة تكون بالتربيّةِ والتربيةُ لا تمنعها الحرب . 
وأخيراً : التعليم في بلادي يحتاجُ للكثير ويحتاجُ لتضافر الجهود وعلى الوزارة أن تعيدَ النظرَ في قراراتها لأنّ تصديق الشهادات وتغيير المناهج وإجراء الامتحانات ليس دليلاً أنّ التربية بخير ولو كانت التربية بخير لما حدث ما حدث في مدارسنا وفي بلادنا لنهتم بالمعلم والبناء المدرسيّ والطالب المحبّ للعلم والتفوق والكتاب الصّديق معاً فهي الأركانُ الأربعةُ للتعليم ولن يتقدّم وأحد هذه الأركان منهاراً.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock