حياة الفنانينعام

حوار خاص مع الكاتب والمفكر الجيوسياسي “عمرو عمار” يكشف فيه النقاب عن خبايا وأسرار المشهد السياسي العالمي

حوار تيسير علي

الجزء الأول .. “مخطط تفكيك النظام الإقليمي العربي وإعادة تشكيل الأوطان على أسس عرقية”
– العولمة كانت سبباً فى إنهيار الدول واختراق الأمن القومي لها
– الخطة التى قام بتنفيذها الإخوان وما يسمى بمشروع الدعاة الجدد وضعت أهدافها داخل المخابرات البريطانية

– تم تدريب شباب 25 يناير داخل دكاكين الديمقراطية الغربية على فنون حرب اللاعنف و قدموا لهم الدعم المادى واللوجيستى.
– للمخابرات الأمريكية دور كبير في تجنيد الفنانين والكتاب والإعلاميين للتأثير فى الرأى العام العربي 
 مع
نهاية 2017، هذاالعام الصاخب الممتلىء بالصراعات السياسية التى غيرت مصائر
الكثير من الدول، وفى الوقت الذى تضج فيه منابرنا الإعلامية بلقاء
المنجمين ومفسريَ الأحلام، ليقرأوا لنا الطالع ويرمونا بسيل التوقعات
والغيبيات، كنت أبحث عن من يفسر لنا الواقع دون خوف، ويفك معنا لوغاريتمات
تلك المعادلات السياسية المعقدة من حولنا، ويكشف النقاب عن خبايا المشهد
السياسي المحير،ويضع النقاط الضائعة فوق تلك الحروف المطموسة .

نحاول
اليوم أن نفهم سوياً أسرار اللعبة السياسية التى تدور حولنا، لعبة شطرنج
فوق رقعة ضخمة من الأوطان، كيف تدار اللعبة .. ومن يتحكم فيها .. ومتى يموت
الملك ولمن الغلبة ؟


هذا ما سوف نعرفه من خلال حوارنا اليوم مع مفسر الواقع والمحلل المعلوماتي العقيد مهندس “عمرو عمار” الكاتب والمفكر الجيوسياسي .

لنعرف سوياً أين ستحط بنا رحال السفن السياسية المحملة بالمؤامرات والمواءمات، وتكنولوجيا الرعب السياسي المسيطرة على العقول … 
 فى
بداية الحوار هناك سؤال يطرح نفسه ..لقد شهد العالم بعد أحداث 11 سبتمبر
تحول خطير فى العلاقات الدولية، وتوجه الغرب ببوصلته نحو الشرق والعالم
الإسلامي، وإستبدل التدخل العسكري بنوع جديد من الحروب الفكرية، ولعب الغرب
على حلم التغيير واستغل الإختلاف الثقافي بين الدول ليكون المحرك الرئيسي
للصراع، وبدأ الربيع العبري فى الشرق بتخطيط الغرب وبأيدٍ عربية.. فكيف هيأ
الغرب الشعوب العربية لإستقبال الثورات .. وكيف مهد الأرض لها ومنذ متى ..
وما هى الدول التى تبنت مخطط تفكيك النظام الإقليمي العربي وماذا كانت
خطتهم لطمس العروبة وإعادة تشكيل الأوطان على أسس عرقية ؟

لم
يبدأ توجه الغرب صوب العالم الإسلامي أعقاب انهيار البرجين عام 2001 بل
بدأ عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، إبان الحرب الباردة بما عرف بالتحول من
الخطر الأحمر إلى الخطر الأخضر، أي من خطر الشيوعية بعد تفكيكها إلى خطر
العالم الإسلامي وفق مفهوم المفكر الأمريكي (فرانسيس فوكوياما)،
وبدأ العقل الاستراتيجي المفكر استدعاء أدبيات فوكوياما عن العولمة والتي
صاغها في كتابه (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) الصادر عام 1992 .

 ويقصد
(فوكوياما) بنهاية التاريخ ما بعد الحرب الباردة وهدم سور برلين، أي نقطة
النهاية للتطورالأيديولوجي للبشرية وبداية عولمة الديمقراطية الليبرالية،
كشكل نهائي للحكومة الإنسانية، بعيدًا عن الأنظمة الشمولية واستعباد
الأمم. 
أي
أن أفكار (فوكوياما) ما هي إلا امتداد منطقي لأفكار المتنورين أمثال
(توماس جفرسون) الذين يعتبرون أن نموذج دولتهم هو النموذج المثالي للبشرية
كلها، فكرة الكونية.

فالنموذج الأمريكي يمكنه أن يناسب أي دولة في
العالم وأي شعب، أي يمكن لهذا النموذج الكوني أن يتكيف مع أي دولة وأي شعب
على كوكب الأرض.

الأن يمكن توجيه آليات وديناميكيات الديمقراطية
التي فككت الاتحاد السوفيتي (الخطر الأحمر) ولكن هذه المرة نحو العالم
الإسلامي (الخطر الأخضر)، بفلسفة الهيمنة الديمقراطية على النظام السياسي
داخل هذه الدول (العولمة).

نموذج اقتصاد السوق الحر بأموال
الليبرالية الجديدة في توأمة مع الديمقراطية الغربية، وقد نفذوا به إلى
منطقة الشرق الأوسط عبر بوابة اتفاقية الاورومتوسطية عام 1995 التي وضعت
مبادئ لما بات يعرف بالاتحاد من أجل المتوسط الذي أسسه الرئيس الفرنسي
الأسبق ساركوزي عام2008 في قمة باريس.

عولمة الديمقراطية الأمريكية هي الوحيدة القادرة على توسيع تلك الفجوة التاريخية، والتي يتمخض عنها فقدان الثقة بين الشعب ودولته.

تكمن
من جهة في قدرة الحكومة على إقناع مواطنيها بضرورة التغيير، وحشد الجهود،
والموارد في مواجهة حجم المشاكل التي تفرض عليهم تضحيات عديدة وتغيرات
جذرية في التوجهات والمواقف، ومن جهة أخرى في قدرة المواطنين أنفسهم على
إقناع حكوماتهم بتفهم مطالبهم والاستجابة لها وتقبل النقد.

هذه
الفجوة تتسع بانتشار خطط العولمة داخل جدران الدول وأصبح المحرك الأساسي
للعولمة هو سيطرة الليبرالية الجديدة، والمقصود هنا انتصار أيديولوجية
اقتصاد السوق الحر، والنمط الاستهلاكي، وإعلام الترفيه، والخصخصة.

وتُقدم
فيه الديمقراطية كتوأم لاقتصاد السوق الحر، وقد كونا معًا استراتيجية
النموذج الغربي للرأسمالية في نسخته الأمريكية بعد انهيار الاشتراكية.

والنتيجة
الحتمية كانت تقليص سيادة الدولة وتهميش دورها، واصبحت أمور إدارة الدولة
قاسمًا مشتركًا بين الحكومة من جهة والمنظمات الدولية والمنظمات غير
الحكومية من جهة أخرى.

إذًا العولمة هي السبب في ارتفاع معدلات
النمو دون أن يشعر بها الفقراء، وتستمر الدولة في فقدان سيادتها إلى أن
اصبحت عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها.

حدث هذا
تدريجيًّا، ولكن بسرعة حتى تحولت الدولة من راعية لمصالح المواطنين إلى
حارسة لليبرالية السوق، وحامية لرأس المال الخارجي والمحلي، فتزداد الفجوة
بين الدولة وشعبها

وما إن اشدت عود العولمة، حتى أصبحت الدولة
عاجزة عن تقديم الخدمات الإجتماعية، كالتأمين الصحي، والخدمات التعليمية،
والرعاية الصحية، وحماية البيئة وخلافه.

وفي مراحل متقدمة اصبحت
الدولة غير قادرة على حماية رؤوس الأموال الأجنبية، فاتجه هؤلاء للشكوى إلى
المنظمات الدولية، وبدأ التدخل الدولي في السيادة، فزداد السخط الشعبي على
الحكومات، وتدهورت الأخلاقيات، والثقافات، وساد الفساد وازداد الخلل في
توزيع الدخول والثروات، فانهارت الدول بعد أن فقدت الشعوب ثقتها في أنظمته
الحاكمة التي تواجه بتهم الفساد، رغم كونها أحد ضحايا النظام العالمي
الجديد، مثلها مثل غيرها من حكومات العالم التي دخلت مُجبرة في محراب
العولمة حتى لا تخرج من السباق .

وفي ظل العولمة وبيادقها من
المنظمات الدولية وغير الحكومية، تبدأ في التحول من مرحلة تفريغ الدولة ما
بحوزتها من نفوذ على أراضيها، إلى مرحلة إسقاط أركان الدولة الرئيسية:
الشعب – الإقليم- النظام السياسي، بخطط إضعاف مجالات الأمن القومي المتعددة
من السياسي للاقتصادي للاجتماعي وحتى المعلوماتي والعسكري.

وبعولمة
هذه المجالات يتم اختراق الأمن القومي للدول المستهدفة، وبنهاية المطاف لا
تحتاج أمريكا سوى توصيل الدائرة الكهربائية، ثم الضغط على زر العد
التنازلي للثورات الملونة بأدبيات فوكوياما، واستدعاء رجالتها من المارينز،
وقد تم تجهيزهم عبر خطط اختراق المجتمعات، وفقًا لمبادئ الشرق الأوسط
الكبير بمحاوره الثلاثة .

 سؤالى التالى يبدأ بمقولة “جيمس وولزي” الشهيرة : “سوف
نصنع لهم إسلاماً مناسباً لنا ثم ندعهم يصنعون ثوراتهم” .. مقولة بدأ
بعدها عملهم الممنهج فى اللعب على الدين والتشكيك فى ثوابته وضرب رموزه
وإعادة تصدير الشعارات الدينية المؤثرة، وبداية ظاهرة الدعاة وترديد نغمة
التكفير والتغيير .. ترى .. كيف كانت لعبة الدين تمهيد للعقول من قبل
الثورات بعدة سنوات .. وما هى الدول الراعية لهذا الإتجاه وكيف تم تنفيذه ؟

هنا يأتي دور المفكر الداهية “صمويل هينتنجتون” ورغم أنه يتسق مع أفكار فوكوياما في العولمة الغربية إذ كتب يقول :

فالعولمة إذًا هي غياب البعد الوطني أو القومي كفاعل مؤثر كما كان الحال في الدول الرأسمالية السابقة.

فالمؤسسات
أو الشركات العابرة للقارات تخترق وحدة الدول القومية، وتقوم بتحطيم قدرات
الدول على مواجهة الغزو الجديد الناتج عن قوانين السوق، وتضخيم الصراعات
والنزاعات المناوئة للدولة مثل المشاكل العنصرية والدينية لصالح تفكيك
الدول وتحويلها إلى دويلات عاجزة أمام سيادة السوق العالمية.

ومع ذلك اختلف هينتنجتون مع تلميذه النجيب فوكوياما
في مسألة نهاية التاريخ والإنسان الأخير، عبر اطروحته (صدام الحضارات) هذا
الكتاب الصادر عام 1996 فهو يرى أن النزاع كان أيديولوجيًّا بين
الرأسمالية الغربية والشيوعية السوفيتية، لكن النزاع القادم سيتخذ شكلًا
مختلفًا، وسيكون بين حضارات العالم المختلفة نتيجة اختلافاتها الثقافية
والدينية.

اختص (هنتنجتون) الحضارة الإسلامية بمزيد من الإبحار في
ثقافتها، ودراسة نقاط القوى والضعف بها، وكيف يمكن السيطرة على هذه
الحضارة. وبمعنى أشمل، كيف يمكن للولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على
هذا العالم الإسلامي وتطويعه بما يخدم مصالحها الجيوبوليتية؟.. والتأثير في
ثقافة المجتمعات الإسلامية ومحاولة تغيير ملامحها. وهو ما يفسر لنا مقولة جيمس ويلزى ( كيف نصنع إسلاما مناسبا لنا ثم ندعهم يصنعون ثوراتهم).

والسؤال المطروح، كيف يمكن التغلب على الإسلام ذي الوعي دون تماسك؟

اقترح
المفكر الأمريكي ضرورة وجود دولة مركز للإسلام، يكون لديها موارد
اقتصادية، وقوة عسكرية، وكفاءة تنظيمية وهوية إسلامية، هذه الدولة المركزية
يجب أن تلتزم بأن تكون قيادة سياسية ودينية للأمة الإسلامية.

تجول (هنتنجتون)
بين خصائص ومقومات الدول الإسلامية، ومصادر ضعفها وقوتها، حتى استقر على
ست دول إسلامية تتمتع بالمؤهلات التي تجعل منها دولة محتمل أن تكون دولة
المركز للحضارة الإسلامية إلى أن وقع اختياره على تركيا لتصبح الدولة
المركزية للعالم الإسلامي وبصورة أخرى إعادة احياء للدولة العثمانية
القديمة على أن يكون تنظيم الإخوان المسلمين هم الموالي الجدد في منطقة
الشرق الأوسط لأمير المؤمنين الجديد الذي يحكم من أنقرة. 

وبالتأكيد
كان مشروع النهضة جاهز لدى الإخوان المسلمين والذي هدف لما يعرف بسلسلة
الخديعات في الاستقرار وضرب الثوابت الوطنية والتشكيك في الرموز الدينية
وثوابت الأمة، ومن جهة أخرى كان مشروع الدعاة الجدد اصحاب الكرافتات الشيك
وفق خطة وضعت أهدافها داخل المخابرات البريطانية للفوز بعقول وقلوب شعوب
العالم الإسلامي تسير قدما كوجه أخر من عملة مشروع النهضة الإخواني.  
 جاء
الخامس والعشرين من يناير 2011 وكان الهدف إحداث تغيير إجتماعي وسياسي
عنيف فى المجتمع ليربكه ويهز ثوابته، وبدأ يتمسك كل طرف برأيه والتشكيك فى
الطرف الآخر وتخوينة، وبدأ يتصدر شباب الثورة المشهد، مستغلين شعارات
الحرية والديموقراطية فى التأثيرعلى العوام وإسقاط الرموز وزعزعة
الإستقرار، كيف استخدم هؤلاء الشباب الديموقراطية كسلاح ومن دربهم على
استخدامه ومن قدم لهم الدعم المادى واللوجيستى .. ولماذا لم يتعامل معهم
المجلس العسكرى بشكل حاسم وقتها ؟

هؤلاء كانوا المارينز الأمريكي
لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعت مبادئه عام 2004 من قبل بوش الأبن
لتسير عبر محورين؛الأول وهو تشجيع الديمقراطية والحكم الرشيد: 

فظهرت
منظمات المجتمع المدني غير الحكومية بدولاراتها البرتقالية تحت غطاء نشر
الديمقراطية، ودعم ظهور الصحف المستقلة، وتكريس جهود الشفافية ومكافحة
الفساد.

عملت هذه المنظمات تحت حماية الاتفاقيات الدولية المذيلة
بتوقيع المجتمعات المستهدفة، تسطر أهدافًا نبيلة، وشعارات براقة، ولم ينتبه
أحد آنذاك، أن هذه الشعارات ضمت بين جنباتها خطط اختراق طويلة المدى
للمجتمعات العربية، عبر تنظيم ندوات، وزيارات، وتدريبات تستقطب الشباب،
وتضمن الولاءات، وتجند العملاء، وكلما زادت الدولارات البرتقالية، كلما
اتسعت مساحة التوغل والاختراق داخل جدران الصحافة والإعلام، وبين طبقات
النخب والمثقفين والأدباء والساسة والفنانين، الذين تحولوا بمرور الوقت إلى
فئران تتسلل ببطء لتقرض جدران ومؤسسات الدول، وتختصم الشعوب مع حكامها
ومؤسسات دولها لليلة الموعودة.

وبصورة أعمق، كانت عملية استنساخ لتجربة تفكيك الاتحاد السوفيتي،، أفصحت عنها الكاتبة البريطانية (فرانسيس سوندرز) في كتابها (من يدفع للزمارالحرب الباردة الثقافية). 


أما
المحور الثاني لمشروع الشرق الأوسط الكبير وهو بناء مجتمع المعرفة : عبر
مبادرة التعليم الأساسي، ومبادرة التعليم على الإنترنت، ومبادرة تدريس
الأعمال.

إذ لم تكن التمويلات البرتقالية لبرامج الأمم المتحدة
الخاصة بتطوير البنية التحتية لهذه المجالات، سوى خطط تطمس الهوية العربية
والقومية، ولم تكن عمليات تغيير أُطر المناهج التعليمية إلا لتتواءم مع
تعاليم وقيم الغرب، وتدمج أجيالًا ناشئة بالفضاء الثقافي الغربي، ولم تكن
مبادرة التعليم على الإنترنت سوى وسيلة لتكوين شبكات عنقودية على شبكات
الإنترنت تستطيع التأثير فيمريديها، وتخصيم قطاعات عريضة منهم مع مؤسسات
الدولة.

اما تدريبات هؤلاء فكانت داخل دكاكين الديمقراطية الغربية
من أمريكا وأوربا إلى تركيا وقطر على فنون حرب اللاعنف لقائد قوات هذه
الحرب (جين شارب) وهي ببساطة كيف تثور بحداقة لإسقاط الدول من الداخل.

فيما
يخص المجلس العسكري لم تكن أولوياته أنذاك في مواجهة غلمان أمريكا بقدر
مواجهة حالة اللادولة التي مرت بها مصر والعبور بالسفينة إلى بر الأمان،
وهو ما نجح فيه باقتدار وتصدى لمحاولات انتقال مصر من مشهد اللادولة إلى
المشهد السورى أو الليبي.

وكما
حدث فى تجربة إسقاط الإتحاد السوفيتي فيما يسمى بربيع “براغ”، حيث تمكنت
المخابرات الأمريكية من إستقطاب كتاب وصحفيين وفنانين للعمل لصالحها، حدث
فى ثورات الربيع العبري، وتم السيطرة على بعض المنابر الإعلامية للتأثير
على الرأي العام، حدثنا عن مبادرة “كولين باول” وكيف أثرت فى الواقع
الإعلامي المصري وماهو برنامج تطوير الديموقراطية ودور كل ما سبق فى
التأثير على الرأي العام العربي والشباب فى 25 يناير .
أمريكا
تعرف قيمة وسائل الإعلام كسلاح فتاك قبل أى غزو عسكرى، وطالما استخدمت هذا
السلاح المجرّب، فقد أسقطت به الاتحاد السوفيتى السابق وأوروبا الشرقية،
كما كشفت سوندرز فى كتابها (من يدفع للزمار) .
نفس
التجربة كررتها فى مصر فى وقت مبكر حتى قبل ثورة يوليو 1952، عندما أنشأت
مؤسسة أخبار اليوم لصاحبيها مصطفى أمين وعلي أمين عام 1944، ومعروف أن جمال
عبد الناصر أمم هذه المؤسسة فى الستينيات ضمن تأميمه للمؤسسات الصحفية، و
مصطفى أمين حكم عليه فى قضية تجسس شهيرة لصالح الأمريكان عام 1965 قضى منها
تسع سنوات ثم أفرج عنه السادات بعفو صحى في بداية السبعينيات. 
قررت
الولايات المتحدة تدريب صحافيين يزورون مؤسساتها الإعلامية ويعودون إلينا
حاملين ثقافة اليانكى الأمريكى، وهذا الأمر جرى بتوسع بعد توقيع اتفاقية
كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية عام 1978، وراحت أمريكا تجلب
الشباب المصرى إليها بمنح فولبرايت، وبعض الصحافيين المرتبطين بأمريكا
عملوا كمتعهدين وقاموا بإرسال صحافيين وإعلاميين مختارين بعناية للسفر إلى
الولايات المتحدة فى دورات قد تستمر إلى أشهر .
 وبعد
عاصفة الصحرء فى الخليج عام 1991 حصدت واشنطن ما زرعته، ووجدت ضالتها فى
إعلاميين انتقلوا من صف بغداد إلى واشنطن دون خجل ..
ثم انتقلت من هذه الحالة إلى حالة أخرى، وهى اختراق المؤسسات القومية
بتمويل برامج فيها، وصولا إلى المساهمة فى إصدار مجلة الديمقراطية التى
تصدر فى مؤسسة الأهرام، وتدريب كوادر فى مركز الدراسات الاستراتيجية ومعهد
الأهرام للصحافة الإقليمية.
وبعد
11 سبتمر2001 قررت إنشاء مؤسسات صحافية وإعلامية خاصة، وضغطت على الحكومة
للسماح بإنشاء مؤسسات صحافية مستقلة.. وقنوات فضائية مستقلة، طبقا لمبادرة
كان البيت الأبيض قد أعلن عن إطلاقها لتحرير الإعلام العربي من قبضة
السلطات القمعية عرفت بمبادرة كولن باول،
ورصدت
250 مليون دولار لتنفيذ هذه المبادرة ، منها 10 ملايين دولار لمساعدة
وسائل الإعلام المستقلة غير الحكومية فى المنطقة العربية. 
وفى ذلك الوقت اعترف البرتو فرنانديز،
مستشار كولن باول أن الملايين العشرة للإعلام ستسهم فى وصول المنطقة للحكم
الرشيد، وأن أمريكا ترغب فى وجود انتقاد علنى فى وسائل الإعلام العربية
للأنظمة الحاكمة بدلا من الهجوم على السياسة الأمريكية وحدها، مشيرا إلى
أنهم سيساعدون الصحافة المستقلة بالتقنيات الحديثة والتدريب، وبالفعل ذهب
كثيرون من المنتمين للصحافة المصرية خاصة والعربية عامة إلى مراكز التدريب
الأمريكية، وحصلوا على منح تدربية داخل الولايات المتحدة الأمريكية .
ولعب معهد الأهرام الإقليمى
دورا بارزا فى إرسال الصحافيين المصريين، واعترضت نقابة الصحفيين
المصريين، وأثيرت معركة صحافية بين الدكتور أسامة الغزالى حرب رئيس تحرير
مجلة السياسة الدولية فى ذلك الوقت،المرحب بهذه المنح الأمريكية، وبين بعض
أعضاء مجلس نقابة الصحفيين المعترضين على هذا الاختراق الأمريكى. 
عاد
الأمريكيون ورفعوا التسعيرة إلى 23 مليون دولار، وأخيرا وصلت إلى 29.5
مليون دولار خصصت لصحافة جديدة تتناغم مع الرؤية الأمريكية التى كانت قد
شرعت فى التمهيد لغزو العراق الذى جرى بعد إعلان المبادرة بأربعة أشهر فى
20 مارس 2003 
وفي
عام 2003 كشفت غرفة التجارة الأمريكية عن قيامها بتدريب أكثر من 500 شخصية
سياسية وإعلامية واقتصادية مصرية، بعددٍ من الدورات التي نظمتها في العين
السخنة بالتعاون مع مركز إعداد القادة الذي كان يرأسه رئيس الوزراء الأسبق
عاطف عبيد، تحت عنوان “قيادات المستقبل” .
وقد
ضمت هذه الدورات أشخاصا أصبحوا وزراء فيما بعد، ورجال أعمال سيطروا على
كلِّ مقاليد الأمور خلال حكم مبارك، وعدد لا بأسَ به من قيادات لجنة
السياسات بالحزب الوطنى الديمقراطى “الحزب الحاكم فى ذاك الوقت”، كما حضر
الدورات التي كانت بمثابة بوابة المرورلأي منصب قيادي، عدد من الصحفيين
الذين أصبحوا فيما بعد رؤساء تحرير لصحف قومية ومستقلة.

بعد
الفشل فى تحقيق حلم التغيير على أرض مصر، وبعد أن أثبتت تجربة الحكم
المدني فشلها على يد الأخوان، ودقت 30 يونيو المسمار الأخير فى نعش
الإحتلال المدني .. لماذا لايزال شبح الثورة يلوح فى الأفق ومازالت درجة
الإستجابة للشائعات وإثارة الفتن كبيرة، ومازال الشباب رغم كل ما حدث شوكة
فى ظهر الوطن تأبى أن تلين أو تستجيب .. هل فشلت الدولة فى إحتواء الشباب
وتعيد سيناريو ما قبل 2011 أم أن حجم المؤامرة على أفكارهم صار أكبر مما
نتخيل ؟

لأن الوطن لا يواجه حرب تقليدية بل يواجه حروب
الجيل الرابع وهي خمس حروب ( حرب اللاعنف – زعزعة الاستقرار – الفوضي
المنظمه – صناعة الأزمة – افشال الدولة) ولأن مصر عصية على الغزاة فقد
انتصرت افي كل هذه الحروب وتقف الأن بعد ثورة 30 يونيو في مواجهة الحرب
الخامسة والأخيرة وهي افشال الدولة وهي حرب تسير على ثلاث محاور رئيسية:

الأولى،
وهي وفقا لكتالوج حرب اللاعنف لجين شارب فالتعليمات المقررة لهؤلاء هو
العودة لتنفيذ كل ما تعلموه داخل كتاب (التحول من الديكتاتورية إلى
الديمقراطية) أي اننا أمام قوانين زعزعة الاستقرار والفوضى المنظمة وصناعة
الأزمات مجددًا.

أما المحور الثاني، فيسير نحو خطط انهيار الاقتصاد المصري. 

والمحور الثالث، خاص باستخدام أداة الإرهاب العالمي.

لكن
هناك وجه أخر للعملة وهي أن الدولة المصرية تسير قدما نحو ذبح العولمة
الغربية والتقليل من مخاطرها وهو ما تؤكده كل المشاريع القومية التي تشيدها
الدولة بأموال مصرية خالصة وبسواعد مصرية وشركات وطنية،بعيدا عن أدبيات
اقتصاد السوق الحر والشركات العابرة للبحار.

كما أنها تعلمت من
درس اليانكي الأمريكي وغرفة التجارة الأمريكية وبدلا من تدريب 500 متدرب
على خيانة الأوطان بالعين السخنة كما حدث في الماضي، تمضى الدولة الأن عبر
البرنامج الرئاسي لتدريب الشباب على تجهيز نخب مصرية جديدة ستقود المستقبل
خلال سنوات قليلة. 

ايضا
نجحت الدولة إلى حدا كبير في تقليم أظافر منظمات المجتمع المدني ذات
النهايات الطرفية مع الغرب، كلها انجازات تحسب للقيادة السياسية الأن
والمسألة مسألة وقت فقط.
وهكذا
ينتهى الجزء الأول من الحوار السياسي الغير عادي، وضحنا قدر المستطاع كل
ما كان ضبابياً غير واضح من أحداث عالمية وأثره على المشهد السياسي الداخلي
من قبل أحداث 11 سبتمبر وحتى اليوم، ونلتقى فى الجزء الثانى مع أسئلة أكثر
عمقاً واجابات
وتحليلات صادمة تفسر لنا غموض وتشابك الأحداث السياسية فى المنطقة العربية .

 قطر،
تركيا، السعودية علاقات غاية فى التعقيد، وماهى حقيقة العلاقة بين داعش
وإيران .. وما هو مخطط القضاء على السنة وتمهيد الأرض للحلم الإسرائيلي،
وماهى الخطوط العريضة التى ترسمها القيادة السياسية المصرية اقتصادياً
وسياسياً والى أين تذهب بنا مصر فى الأيام القادمة … اسئلة شائكة تحتاج
لإجابات وافية … فانتظرونا 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock