شعر وحكاياتعام

آنا كارنينا



كتبت:
علا السنجري
~~~~~~~
تعد رواية “آنا كارنينا” واحدة من أشهر الروايات التي تندرج ضمن الأدب الواقعي، لها أثر كبير أدبيا و إنسانيا . تم ترجمة الرواية إلی معظم لغات العالم ،  صور تولستوي من خلال العائلات الثلاث التي تدور حولها أحداث الرواية، صوّر تحولات القيم داخل مؤسسة الأسرة الروسية، مستحضراً من خلالها شبكة العلاقات الاجتماعية، كما صوّر  الصراع الذي يجري في أعماق الإنسان بين العقل والعاطفة والروح والغريزة.

في ذلك الوقت كانت روسيا تعبر واحدة من أكثر مراحلها حساسية وخطورة؛ حيث كانت البلاد “في طور التحول من دولة زراعية متأخرة اقتصادياً، إلى قوة صناعية عالمية كبرى. في هذه الفترة؛ شهدت الساحة الثقافية الروسية جدلاً حاداً حول أي القيم ينبغي على روسيا أن تتبناها، فانقسم الرأي العام الثقافي الروسي إلى فريقين: الفريق الأول  يدعو إلى التمسك بالهوية القومية الروسية ورفض القيم الدخيلة عليهم؛ بينما يتبنى الفريق الآخر اعتناق القيم الغربية الليبرالية في الفكر والسلوك والنظام السياسي .
يسهب تولستوي في سرد هذا الصراع بين هاتين المنظومتين القيميتين منذ بداية الرواية وحتى نهايتها، فتارة يسرده من مدخل النقاشات السياسية والصراع بين منظومة الحكم القيصرية الأرستقراطية وبين دعاوي الديمقراطية والتمثيل النيابي، وتارة يسرده من مدخل الحريات الفردية والصراع بين الالتزام بالتقاليد الاجتماعية التي نقبلها عادة بدواعي الواجب وحسب؛ حتى وإن أصبحت تلك التقاليد شكلية وفارغة من أي مضمون قيمي وأخلاقي كما هو الحال في المجتمع الأرستقراطي الذي تجري أحداث الرواية فيه، وبين الرغبة في التمرد على تلك العادات البالية ومواكبة العصر الحديث وتطوراته وقيمه الفردانية!
  
في اعترافاته؛ يذكر تولستوي أن معظم شخصيات رواية “آنا كارنينا” إنما تمثل مرحلة من مراحل تطور شخصية تولستوي وتقلباته الروحية والفكرية، فخلال مشواره في البحث عن إجابة سؤال المعنى من الحياة، وكيف ينبغي علينا أن نحياها، وما الذي يتوجب علينا فعله لمواجهة الموت الذي يتربص بنا “كالوحش الكاسر”، يقول تولستوي إنه وجد أن ثمة أربعة إجابات محتملة لهذه الأسئلة، وقد اختبر تولستوي معظمها قبل أن يهتدي إلى الإيمان بعد طول بحث وعناء.
من أنا؟ وما هو هدف حياتي؟ والأهم: أين الله؟ من هو الله؟ وكيف أحيا بوجود الله؟ ما هو الوجود؟ ولماذا أنا موجود؟” كانت هذه الأسئلة التي عصفت بشخصية قسطنيطين ليفين وألقت به في نار الشك والقلق قبل أن يهتدي إلى الإيمان بعد رحلة بحث طويلة، هذه الشخصية التي قال عنها ليو تولستوي في كتابه “الاعترافات” الذي صدر عام 1879؛ أي بعد سنتين فقط من صدرو رواية “آنا كارنينا”، قال إنها لم تكن سوى مرآة لشخصيته هو!

يفتتح رواية أنّا كارينينا بالجملة المشهورة: “كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة.”

تولستوي قد أولى اهتماماً خاصاً بثلاث شخصيات رئيسة وهم: آنا كارنينا، وقسطنطين ليفين، وأخيراً ستيفا أوبلونسكي؛ حيث سيجسد كل من هذه الشخصيات نمط عيش مختلف عن الآخر.

آنا كارنينا، فإنها ستختار أن تعيش وفقا ًلما يمليه عليها قلبها وعواطفها، إن الشغف وحده هو المحرك لشخصية آنا والمحدد لسلوكها وتصرفاتها، فالقوانين التي تحكمها هي قوانين من صنعها الخاص، نابعة بالدرجة الأولى من عواطفها الصادقة وإرادتها المحبة للحياة، وهو ما سيضعها بطبيعة الحال في مواجهة المجتمع الأرستقراطي المكبل بعدد لا متناهٍ من العادات والتقاليد الشكلية المتهافتة.

تنقاد آنا خلف سيل العواطف التي تجتاحها حين تلتقي بعشيقها فرونسكي أول مرة؛ حتى إنها ترفض رفضاً قاطعاً عرض زوجها كارنين -بعد معرفته بعلاقتها بفرونسكي- أن تبقى معه لمجرد الحفاظ على مظهر أسرته أمام المجتمع الأرستقراطي، وحين ينتابها الشك لاحقاً بأن عشيقها فرونسكي لم يعد يبقى معها سوى لدافع الواجب، وأن حبه لها قد خفت، تدخل آنا في دوامة من الاضطراب واللايقين الذي سينتهي بها  إلى الانتحار تحت عجلات القطار الذي التقت به فرونسكي لأول مرة!

إن حب آنا لفرونسكي يمثل قصة حب أسمى من أن تكون مجرد علاقة استهلاكية هدفها إشباع الرغبات الجنسية كما نجدها عند شقيقها ستيفا رمز الحداثة، ولكم حرص تولستوي أن يُظهر لنا كيف أن حب آنا كان حباً منزهاً بحق عن جميع الرذائل والنزوات الجنسية، ورغم ذلك فقد كان تولستوي متذبذباً بين إبداء التعاطف مع آنا وإدانتها، لقد كان “ممزقا بين العاطفة والوازع الأخلاقي، بين العطش وإنكار الذات وكبح جماحها”.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock