شعر وحكاياتعام

يوم هبط فيه القمر

 الجارحي
 أشرقت الشمس بنورها، وألقت بأشعتها الدافئة، وأزهرت الأرض بخضرتها.
كانت السماء صافية، تُشاهد فيها السحب وهي تُداعب بعضها بعضاً.
الأشجار تتلألأ بأوراقها، والأزهار تملأ الدنيا بنضارتها، والرياحين فاحَ عطرها في الأرض، والعصافير تغرّد.. 

تشدو فَرِحةً مسرورةً.
لن أنسى هذا اليوم، الذي كان علامة فارقة في حياتي، ذكرى وتاريخ أضعهما في أجندتي الدنيوية.
أتدرون لماذا؟
لأنه اليوم الذي هبط فيه القمر إلى الأرض.
لقد خلقنا الله عز وجل وجئنا إلى هذه الدنيا، ونحن نعلم علم اليقين، أنه جلّ في علاه، خلق الشمس والقمر وأسكنهما السماء، الشمس تشرق صباحاً بنورها وتحنُّ على الأرض بدفئها، والقمر يُنير ظلامنا ليلاً، ويُطلُّ علينا بضيائه وبهائه.
كنت أسير بسيارتي، أتقلب في أمواج التفكير، حائر أبحث عمن؟ لا أدري!! 

وإذا بي- وأنا أسير هائماً على وجهي لا أهتدي السبيل- إذا بخفقان قلبي يزداد.. يزداد.. ويزداد، أنفاسي أصبحت تُسارع بعضها بعضاً، لم أشعر بالعالم من حولي، وكأني في صحراء قاحلة وحدي، لا بشر، لا زرع، لا ماء، وبدلاً من أن أقود سيارتي، أخذت تقودني هي، فأخذتني في طريق ما، وكلما اقتربت من هذا الطريق أجد قلبي يزداد خفقانه، فحدثت قلبي قائلاً: ما لكَ يا قلب؟
ماذا بِكَ؟
ما الذي دهاك؟
وأثناء تلك التساؤلات التي تدور بيني وبين نفسي، إذا بي أقف.. لست أنا فقط، بل أنا وسيارتي، تلك الآلة التي لا تَعْقِل توقفت، شعرت بما أشعر، ذُهلتُ، وفوجئتُ، واشتدت نبضات قلبي مما رأيت، فركتُ عيناي لعل بهما غبشاً، ولكن ما أراه ما زلت أراه، هل أنا نائم أم يقظ؟ هل أنا أحلم حلم يقظة؟
لقد توصلت إلى أسباب ما أنا فيه، إنها هي.. أقصد إنه هو.. القمر.
نعم إنه القمر بنفسه، ترك السماء وهبط على الأرض.
نعم إنه هو.. لا إنها هي، لا أدري، لا أعرف، فقد أصابني مسٌّ، لكني تأكدت من حقيقة واحدة وهي إني رأيت القمر نفسه، عياناً بياناً.
ويلاه من قلب ذاق سعادة ليست له طاقة على تحملها.
إنه القمر تمثَّل في هيئة امرأة، تمشي الهُوينا على الأرض، لم أفق من تلك الصدمة الحلوة، وذلك الحلم الشائق إلا على سعادة أخرى ترفرف بجناحيها فوق رأسي، إنها تضحك.. نعم لقد ضحكت لي، تبسّمت وما أحلى تبسُّمها، رأيت ثَغْرها البسّام، كـ لؤلؤ منثور.
ضحكت.. فضحكت الدنيا بأسرها، وعطّرت العالم بشذاها الطيب، وكيف لا؟ وهي القمر ذاته. 

تبادلت معها أطراف الحديث العطر، لم أصدق نفسي بأنني معها وجهاً لوجه، لا أقدر على النظر إليها لفرط جمالها وبهائها ونورها وعذوبتها، تتكلم فأكون معها وكلي آذان مصغية.
تضحك فيرفرف قلبي من السعادة.
وجهها كان البدر في ليلة تمامه، وعيناها كـ عيني المَهَا، وخداها وردتان ناضرتان.
هالة من الضياء.. هالة من البهاء.. هالة من الجمال والدلال.. هالة من العذوبة.. هالة من الرقة والحياء.
تركتني وحيداً وذهبت، تبِعْتُها بناظري حتى غابت عني، أقصد غاب القمر عني، وفجأة وجدتني أكاد أن اصطدم بشيء، صحوت من غفوتي ووجدت نفسي أشارك الناس زحمة السير، ضحكت حتى كدت أن أفقد توازني، قلبي غلبَ عقلي، حدّثت نفسي قائلاً: أمجنونٌ أنت؟!

 هل يهبط القمر على الأرض؟! 
 كلٌّ يدَّعي وصْلاً بليلى …. وليلى لا تُقرُّ لهم بِذاكَ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock