شعر وحكايات

رواية حياة بعد الموت رولا صبيح

وهم الذكرى ... شبح الحكاية بقلم /سليم النجار

وهم الذكرى … شبح الحكاية
بقلم /سليم النجار
متابعة/لطيفة القاضي
مما لاشك فيه أن رواية ” حياة بعد الموت ” بكل تراكميتها ستظل متعلقة بوجدان القارئ طالما في الصحراء ثوابت وجود الأفق رغم امتدادها لذا نراها تقول : ( في هذا البلد لا يقع تحت مسمى جرائم . ولكن عندما يتعلق الأمر بسياسات بلدي أجدني ألبس قناع الخوف وأصمت ؛ ص١٣ ) .

وكأن لسان الراوية تقول أن العقل الشرقي ينسى والعقل الغربي يتذكر . فالنصوص في ” حياة بعد الموت ” المقطعية المرتبطة فنياً بلغة مكثفة برزت فيها تقنية دمج العناصر الهامة المتعلقة بالربط والتحليل والاسترجاع التاريخي والتي انغرزت في جسد الرواية ضمن ثنائيات متوالية تحكي عن الزمان / الحاضر – الماضي – الحاضر / بجرأة أدبية فكرية تراكمية تجترح عوالم خاصة به / عودة المغترب ….. المدينة المزروعة في النخاع ….. رسالة النقطة …. الإنسانة …. وعوالم خارجية / العلمنة الكاسحة ! : ( – نزار ؛ أنا سأسافر إلى سوريا خلال أيام ؛ وأن وافتني منيني هناك على يد الروس أو الإيرانيين ؛ او داعش أو النظام ؛ فلاتهتم ؛ … أوصيك ان تقرأ عندما أموت كل ما كتبت … فلعلك تفهمني وتسامحني … ! ص٢٩٥ ) .

فالكاتبة من خلال تراكمية أحداثها بين الذاتي والموضوعي استطاعت وبذكاء توظيف اسم الوطن / الثورة / على لسان الراوية التي تتوق العودة إلى مدينتها حلب كما كانت ؛ ( تشوهت الحقائق وطُمست ؛ ومن يدفع الثمن هو السوري البائس الذي لفظه الواقع بعيداً عن وطنه مخلفاً وراءه كل شيء إن كان موالياً أو معارضاً ص٢٦ ) .

رواية ” حياة بعد الموت ” ؛ كهوية ؛ كأسم ؛ لم تزل موجودة حتى الآن : إنَّ الجواب السائد على سؤال : من أنت؟ هو أنا كذا وكذا ( يتبع الاسم : انا راوية او ساردة ؛ مثلا ) . في الأسطورة الأغريقية الثانية هناك ” مساواة ” ؛ لايوجد لا انشقاق ” البراهمانا ” ولا ” انشقاق ” الرَّب ؛ أمَّا في الأسطورة الفارسية فإنّ المسألة هي ” وحدة أصلية ” شقهاّ ” أهرومزاد ” . وفي الحكاية العربية إنّ ” الأختلاف ” في نمط الوجود البدائي للذكر والأنثى ؛ ونمط سردهما لايدل على إلاّ تفسيرات لحقيقة بسيطة : الأنثى هي بداية أي تفسير لأية حكاية ؛ ولكن هذا التفسير يحوّل هذه الحقيقة البدائية إلى ” نتيجة ” تستنتج من سياق الأسطورة ؛ أي نتيجة لعملية الأسطرة ذاتها ؛ لعملية إنتاج معنى ما ؛ وهذا ” السياق ” هو النسيج الذي يكشف اختلاف ثقافة عن أخرى ؛ إذ أنَّه ليس بالتأكيد مجرد ” صدفة ” ؛ ما هو السياق الذي يكشفه ؛ إذاً ؛ ” سفر الوطن ” ؛ ( شعر البحر ان ليس لهؤلاء دية وليس خلفهم من مطالب ؛ فابتلعهم وهو سعيد بغنيمته ؛ لتهلل له أسماكه هاتفة بإسمه وانتصاره على الإنسانية ص١٦١) .

لكن ما يهمنا في هذه الجزئية ليس هو الدلالات السيكولوجية بحد ذاتها ؛ بل ما يهمنا الكشف عن آليات التحويل الدلالي والصوتي التي تؤدي إلى التحويل السردي . فبعد أن تم تحويل نْسجْ إلى صورة مشهدية ؛ ظهرت الآلم في الأفق السردي ؛ وبعد ظهور الموت على شكل فرح قالت الساردة : ( ثأر البحر لأسماكه التي سمّمها الإنسان وقتلها دون رحمة وكان الضحية اللاجئ السوري ؛ وكأنه حكم على السوري أن يدفع فاتورة غدر الإنسان منذ أزمان ص١٦٢ ) .

ومن هنا تنفتح روح نقدية في جثة التاريخ ؛ ليستيقظ هذا الأخير مفخخا بالاحتمالات ؛ فلا هو كائن خيّر عن بيئة ؛ ولا هو كائن شرّير عن بيئة ؛ بل كلاهما معاً في تداخل مستمر سوف يحكم الرواية بأكملها ؛ فمن حيث هذا الكائن شرير بما يتواطس في بحاره من الحروب واليباب ؛ وما يرتفع من بخار الشعوب ليؤلف السحاب ؛ سينفخ في النص ما يكفي من الحيرة لتعميق الشروخ المحفورة بين التجارب عمودياً وأفقياً ؛ حيث لا تكفي التجربة الماضية لتكوّن لدينا – كقراء – توقُّعاً سليماً حول ما قد يمتطيه المسقبل من الفناء ؛ حين تنهمر دماء الأبرياء عقوبةً علينا من الظلم .

ينبغي أن نؤكد هنا بأن حضور الحكاية ( في النص على وجه الخصوص ) يقترح قبص الأشياء بدل قبضها ؛ لأننا نستعمل الحكاية ونستعمل الذكرى . ولاننسى الجو الشطرنجي المخيم على النص ؛ وهذه الطريقة التي تقوم بها الساردة بلعب دور المساعد في أغلب الحالات ؛ فماذا نقول عن شخص يتصرف بهذه الطريقة ؟

للجواب على هذا السؤال ؛ ماذا يقول عن نْزرْ ؛ لنرَ ما إذا كان في دور نزار السردي ما يؤكدها أم لا ؛ النزر يعني القليل من كل شيء ؛ والنزور هو قليل الكلام ؛ وهو الذي لايتكلم حتى تتزره وبناءً عليه فمن الواضح ان الكاتبة رولا في هذا النص نصيباً من اسم روايتها ؛ إذن فهي مقترنة بحالتين ؛ الزيارة للحياة كما جاء في المقطع الأول للرواية ؛ وقلة الكلام وضاءلة الحضور في المقطع الثاني بعد الموت .

يمكن القول أن رواية ” الحياة بعد الموت ” للكاتبة رولا صبيح ؛ هي النهاية الحقيقية ؛ أي أنَّ البدابة تحتاج ؛ منذ البداية ، وهم معيَّن ما عن كونها البداية .
وهم البداية يأخذ شكلاً مكانياً إنَّه وهمٌ مكانيُّ عن المكان ؛ بالضرورة. فكان قرار الساردة مغادرة هذا الوهم والعودة إلى الوطن .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock