أدم وحواء

هندسة التَكَيُفْ مع مصاعب الحياة

بقلم: لميا بانوها

للحياة مصاعبها وللنفس حروب كثيرة وعلينا أن نفطن إلى أن مجاهدة النفس والكشف عن أعماقها لا تأتينا من الخارج وإنما تأتينا من داخل أنفسنا والوعي هو الذي يقود الإنسان العارف بما يجري في عقله وتفكيره إلى تغيير قسري مع مجاهدة النفس للخلاص من الأفكار التي تُثقل كاهله، وحتي نصل إلى درجة الوعي هناك فنون يجب المرور عليها والتمعُن في معانيها حتى نصل إلى درجة مُرضية من درجات التكيُف مع الحياة ومنها:

هندسة النجاح في الحياة

ليست هناك حياة دون مصاعب بل إن المصاعب لو لم تكُن موجودة لبحثنا عنها، لأنها تحمل

في جوفها كل مفاتيح النجاح، فلم أعرف أحداً في حياتي وصل إلى حديقة النجاح دون أن يمُر

على محطات التعب والفشل والاقتراب أحياناً من حافة اليأس، لكن بالإرادة القوية وعدم الوقوف طويلاً في هذه المحطات وبالذات عند محطة اليأس يمكن للمرء أن يواصل طريق النجاح.

هندسة الصبر والإصرار

علمتنا الحياة أن ثمار النجاح لا تأتي إلا من الصبر وأن المرء كي ينجح لابد وأن تكون رغبته في النجاح أكبر من خوفه من الفشل، ولهذا إذا أردت النجاح فعليك أن تجعل الإصرار صديقك والتجربة مستشارك، وعموماً فإن النجاح الدائم يتمثل في القُدرة علي الانتقال من فشل إلى فشل .. ولكن دون فقدان الأمل.

هندسة السعادة

لا شيء يقصف العمر سوى الحزن والاكتئاب، والحكيم هو من لا يمل من البحث عن السعادة لنفسه، فإذا لم يجدها فإنه يصنعها، ومن يعجز عن صنعها لن يصنعها له الآخرون، وعلى المرء أن يتذكر دائماً أن الحياة قصيرة وتستوجب منا أن نسرق لحظات الفرح والسعادة،

ومُخطئ من يظن أن الجاه أو المال هما مفتاح السعادة … هي فقط – تسمح لنا –

إن نعيش تعاستنا بشيء من الرفاهية !!

ومَن يسألني مَن هم السعداء في الحياة لقلت دون تردد أنهم مَن يقتنعون بكل شيء .. وليس

مَن يملكون كل شيء، فالجلوس مع أشخاص أعزاء على القلب لبضع ساعات يمنح القلب سلاماً ليعيش على أثرها سنين وسنين.

هندسة الدقائق

إذا أراد المرء أن يعيش حياة هانئة، عليه أن يعيش اللحظة دون أن يشغل باله بالبكاء على ما ضاع في الماضي أو القلق على ما هو آت في المستقبل والذي هو بعلم الله وحده.

ولكن ما يمكن فعله هو إنجاح الدقيقة التي يعيشها وإن كان على أقل تقدير التفكير بإيجابية

وهذه قصة استرعت انتباهي فأحببت نقلها إليكم لنرى معاً كيف يتكيف الجماد مع المصاعب التي يواجهها، فما بالكم بالعقل البشري !

اشتكت ابنة لأمها قسوة مصاعب الحياة وأنها لا تعرف كيف تواجهها فما تكاد تخرج من مشكلة حتى تجد نفسها تدخل في أخرى لتزيد الطين بلة كما يقال.

اصطحبتها أمها إلى المطبخ وملأت ثلاث أكواب بالماء  ووضعتها على نار ساخنة، فسرعان ما أخذ الماء بالغليان. وضعت الأم في الإناء الأول جزرة وفي الثاني بيضة وفي الثالث كمية قليلة من حبات البن المحمص المطحون. وبدأ الاثنان ينتظران، في حين علامات التعجب تحوم حول تلك الفتاة التي بدأ صبرها ينفد، وبعد قليل وضعت الأم الجزرة في إناء آخر وكذلك فعلت بالبيضة والبن المطحون. وبعد بضع دقائق طلبت الأم من ابنتها لمس الجزرة فوجدتها قد صارت طرية هشة. أما البيضة فطلبت أن تنزع عنها قشرتها فوجدت الفتاة أن لبها صار صلبا، ثم طلبت منها الأم أن ترتشف بعضا من القهوة فأعجبت الفتاة بطعمها اللذيذ ورائحتها الأخاذة.

ولكن لم يبدد ذلك حتى الآن حيرة الفتاة التي تتساءل عن حكمة الأم من التجربة فبادرتها أمها بالإجابة فقالت: اعلمي يا ابنتي أن الجزرة والبيضة والبن المطحون جميعها واجهت خصما واحدا وهو الماء المغلي ولكن كل منها تعامل مع سخونة الماء القاسية على نحو مختلف. فقد كانت الجزرة قوية صلبة ولكنها ما لبثت أن تراخت وضعفت في أول اختبار لها. أما البيضة المعروفة بقشرتها الخارجية الصلبة نسبيا وصفارها السائل فرأت أن تستفيد من شدة حرارة المياه لتصنع من صفارها بيضة صلبة تعطي مذاقا شهيا ومختلفا. أما البن المطحون فكان تأثيره أقوى أمام خصمه (الماء الساخن) فهو لم يكتفي بالتكيف معه وإنما تمكن من تغيير لونه وطعمه إلى مذاق لذيذ من القهوة الساخنة.

العبرة من هذه القصة الرمزية أنه مهما كانت شدة صعوبات الحياة على الإنسان يبقى أمر التعامل معها حقيقة لابد من مواجهتها بتسخير هذه الظروف الصعبة لصالحنا. فهناك، مثلا، من لم يتذمر من الرياح الشديدة وإنما قرر تسخيرها لتوليد طاقة كهربائية نافعة. وهناك من وجد في الظلام الدامس الذي كانت تعيش فيه البشرية تحديا له لإضاءة أول مصباح كهربائي يرجع إليه الفضل بعد الله عز وجل في تسهيل حياة الناس الذين كان ينتهي يومهم بحلول ظلام الليل، والأمر نفسه على من واجه المشاكل التي سبقت اكتشافات مهمة مثل الطيارة والسيارة، أيضاً شبكة الإنترنت الهائلة الضخمة فكل مَن شارك في إيصالها إلينا يستحق مِنا كل الشكر حيث ثبت أن هذه الاكتشافات بالبشرية إلى الأمام مختصرة عليها قرونا طويلة.

بعض الموظفين يتغلبون على صعوبات العمل وضغوطاته بالمواجهة الذكية على غرار التصرف الذكي ‘للبيضة والبن المطحون’ في القصة السابقة. فعندما يواجه أحدهم مشكلة مدير متغطرس أو مدير لا يراعي شعور الموظفين ولا جهودهم، مثلا، ربما يستطيع التغلب على ذلك من خلال التعامل الدبلوماسي معه ومعرفة مفاتيح شخصيته، فلكل إنسان مفتاح يَسهُل التعامل من خلاله أي فهم المناطق المحظور الاقتراب منها في شخصيتهم فنأوا بأنفسهم عن المواجهة.

مواجهتنا لمصاعب الحياة تمتد إلى سائر شؤون حياتنا اليومية فالذي يصبر على أذى ابن عاق أو زوج مؤذ أو زوجته المُرهقة فهو بذلك يتعلم فن المواجهة الذكية الذي يُحتًم عليه معالجة المشكلة من دون أن يخسر الطرف الآخر. على سبيل المثال :

أول من صنع من الليمون المر شرابا حلوا يستحق منا جائزة نوبل للإبداع، فهو بحق يسطر لنا، باكتشافه الرمزي، أنه مهما كان ظاهر الأمر صعبا ومرا إلا أننا نستطيع أن نتكيف معه أو أن نستفيد منه لتحقيق المنفعة الذاتية وربما منفعة المحيطين بنا.

مثالٌ آخر قد قرأته وأعجبني: أن أحد حكام العرب ـ في مطلع التسعينات ـ أهدى إلى الرئيس الأميركي جورج بوش الأب أطنانا كبيرة من أفخر أنواع تمور الجزيرة العربية، فاحتار الرئيس والعاملين في كيفية التعامل مع تلك الأطنان لصعوبة نقلها أو تخزينها في البيت الأبيض الذي لم يعتد أهله على تناول التمور أصلا. ففضل رئيس الطهاة التعامل معه على طريقته الخاصة، وبعد ساعات وزع على العاملين في البيت الأبيض كعكا لذيذا صُنع من أفضل أصناف التمر العربي الفاخر فسموه Date Cake أي كعكة التمر. وهذا دليل آخر على أن حتى صغائر أمور الحياة لا تستدعي التذمر أو الضجر وإنما تحتاج إلى قليل من التفكير

والاستشارة ليستطيع الإنسان الاستفادة منها وتسخيرها لصالحه.

خلاصة القول أن مواجهة مصاعب الحياة صغيرة كانت أم كبيرة لا تستدعي التهويل والتضخيم لأن ذلك لن يحل المشكلة، كل ما في الأمر أننا نحتاج إلى تدبر ما يحدث حولنا من عبر ومواعظ كقصة الجزرة والبيضة والبن وإمعان النظر في قصص ذوي الهمم الذين يتجاوزون مصاعب الحياة بكل همة ونشاط… ورشاقة أحيانا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock