مقالات

السرد التعبيري / كتبت / الشاعرة نسرين بدور

من الجميل تقديم اضاءة مفيدة عن هذا الجنس الأدبي

وفق تقنيات ومقومات شعرية معاصرة تحكي عن السردية التعبيرية وخوض أشكال الكتابة

فمتعة الكتابة هي الغوص والإبداع في بحر الأدب

أما عن السرد في ما يلي يطول الحديث

1-السردية التعبيرية

لقد تولد في الآونة الأخيرة حضور السرد في العمل الشعري عموماً ، سواء في الأوساط الغربية

أم العربية ، إذ يقول بيتر هون , ( إن الشعر الغنائي و ليس بالضرورة القصصي ) يمثل بجوهره سيل من المعاناة النفسية و الوجدانية التي عاناها متكلم واحد و أفصح بها من مكانه إلى أن يقول و يمكن تلمس تقنيات السرد في الشعر الغنائي )

ويقول شجاع العاني (إذا كان السرد الفني هو مجرد احتمال فان القصيدة الغنائية على مستوى الصيغة جنس غير نقي و كما إن وجود رواية أو قصة قصيرة بدون حوار هو استثناء كذلك فان خلو قصيدة غنائية من السرد هو استثناء أيضا.)

إلا إنه من غير الصحيح تصور كون السرد في الشعر هو سرد حكائي لأن ذلك من خصائص النثر و القصة، وسيحيل المقطوعة إلى نثر وإن كان شعرياً أو ستصبح قصيدة سردية ، و إنما السردية المقومة لقصيدة النثر هي السردية التعبيرية ، حيث يكون السرد لا بقصد الحكاية وإنما بقصد نقل الإحساس و الرؤية العميقة ، أي حضور تقنيات السرد و توظيفه كمعادل موضوعي.

فملحمة جلجامش نص نثر شعري بالجملة ، يمكن تصنيفه إلى قصيدة سردية ، و التي تكون بشكل سرد حكائي متميز مع تقنيات شعرية من مجاز وايحاء .

هذا هو المزاج العام للملحمة ، لكن في بعض مقاطعها نجد تعبيرية ظاهرة تتراوح بين السرد التعبيري المميز للغة الإيحائية الشعرية و الشعر التصويري ، بمعنى آخر مع إن ملحمة جلجامش في عمومها نثر شعري و قصيدة سردية ، إلا ان فيها مواطن من السردية التعبيرية و التصوير الشعري .

1-مظاهر السرد التعبيري

و الذي يكون القصد منه ليس فقط الحكاية و الوصف و بناء الحدث ، و إنما القصد الإيحاء و نقل الإحساس ، و تعمد الإبهار ، فيكون تجل لعوالم الشعور الإحساس بمعنى آخر ( إن الميزة الأهم للشعر السردي الذي يميزه عن النثر وان كان شعرياً هو التعبيرية في السرد ، فبينما في النثر السردي يكون السرد لأجل السرد ، فانه في الشعر السردي يكون موظفاً لأجل تعظيم طاقات اللغة التعبيرية… )

2-الملامح الأسلوبية للسردية التعبيرية

السردية التعبيرية هي السرد لا بقصد السرد ، السرد الممانع للسرد ، السرد لا بقصد الحكاية و القصّ ، السرد بقصد الإيحاء و الرمز و نقل الإحساس و العاطفة . إنها مثال لطرح الخيال بواقعية المشتمل على الاقناع.

إنها اللغة القوية و السهل الممتنع ، و الشيء العجيب الذي يبهر و يدهش دوماً .

السردية التعبيرية مثال الأدب الممتع القريب .

3-ارهاصات السردية التعبيرية

لقد صار واضحاً ان السردية التعبيرية مقوم أساسي لقصيدة النثر المعاصرة و خصوصا ذات الكتلة النثرية الواحدة ،حيث ينبثق الشعر من رحم النثر و يحصل الشيء العجيب ، بسرد واضح قريب مليء بالإيحاءات و الرموز و الاحساس ، كتلة نثرية ما إن تصل القارئ حتى تتحول الى كم هائل من الإيحاءات و الدلالات و الرموز و العواطف و الإحساس ، مخترقة مواطن الشعور

و الإحساس بالجمال .

لطالما بحثنا و قصدنا لغة قريبة مدهشة ، عالية الفنية واضحة ، لغة قوية تبهر و تمسّ القلب و الشعور ، فكانت السردية التعبيرية .

4-أشكال السردية التعبيرية

السردية التعبيرية تستوعب كل أشكال الكتابة التي تتجلى فيها السردية التعبيرية اللاقصصية ، و المنجز منها في مجموعة السردية التعبيري ، قصيدة نثر الكتلة الواحدة ، قصيدة النثر الحرة ، النص السريالي ، و اللغة التقليلية.

5- النقد التعبيري وأبعاد القراءة

حينما تحدث عملية القراءة فإنها تتطور من مستوى المفردة الى مستوى الإسناد أو التجاور المفرداتي إلى مستوى الجملة إلى مستوى الفقرة ثم إلى مستوى النص أثناء كل مستوى يحضر البعد اللغوي الدلالي و البعد الإبداعي الأسلوبي ، و بمجموع ما يتم من انظمة احتكاك و تقابل و التقاء و تقاطع و بفعل مستوى النقطة التعبيرية لكل بعد تحصل في الفكر و النفس مواضع تعبيرية لكل وحدة كتابية فيه يقابله بعد رابع خاص بالقارئ هو البعد الشعوري و الاستجابة الجمالية ، بعبارة اخرى بينما يكون النص ككيان مكتوب شكلاً ثلاثي الأبعاد ساكن لا حراك فيه ، فانه ككيان مقروء يكون كياناً متحركاً له أربعة أبعاد البعد الرابع هو البعد الشعوري ويمثل بعد الحركة الذي يخرج النص من السكون . فتكون القراءة هي العملية التي تعطي للنص روحاً و تخرجه من الموت إلى الحياة ، وهذا ما نسميه ( حركة النص ) .

القراءة ما هي إلا عملية مشاهدة و تلقي تبحر فيها النفس في عوالم النص و الكتابة ،و الفكر و اللغة ، و الخيال و الإبداع ، و الشعور و المتعة . هذه العوالم الأربعة الحاضرة دوماً في الكتابة الإبداعية هي التي تضرب في عمق النفس و تجعل الكتابة الأدبية مميزة ،

و بمقدار تجلي عناصر و أشياء تلك العوالم و تلك الأبعاد يتحدد وقع القراءة و مقدارها التعبيري . النقد التعبيري هو المجال الذي يبحث الأنظمة المتحققة من تفاعل تلك الأبعاد و ما ينتج عنها من مواضع و قيم تعبيرية في فضاء الكتابة و عوالمها.

ان التشخيص الدقيق و عالي الكفاءة للبعد الجمالي للكتابة بواسطة أدوات النقد التعبيري و تحديد المقادير الكمية و التشكلات الكيفية للبعد الجمالي للنص يمكن من تشخيص عالي المستوى لقيم النصوص جمالياً مما يعد مدخلا علميا للظاهرة الجمالية و الاستجابة الشعورية تجاه الجمال.

6– الشعر السردي و السرد التعبيري

إن التقسيم المعهود للكتابة الشعرية إلى ما يكتب بالوزن و ما يكتب بغير الوزن ما عاد كافياً أمام الزخم و الكثيف للشاعرية المعاصرة ، و توسع الفهم للغة الإبداعية و تغير المعارف العامة باللغة و طبيعة استعمالها . و بعد الفهم العميق لتقنيات قصيدة النثر و الشكل الذي هي عليه في الأعمال الساعية نحو الشعر الكامل في النثر الكامل ،صار لزاماً الالتفات إلى أن الإيقاع و الشعرية بالنثر أما أن تكون بصورة ( شعر سردي ) يعتمد تقنيات السرد التعبيري بشكل النثر اليومي ، أو أن يكون بشكل ( الشعر الصوري ) يعتمد تقنيات الصورة الشعرية و التوزيع اللفظي الإيقاعي بالتشطير و نحوه و لأجل هذه الحقيقة أي وجود شعر سردي و شعر صوري كان لزاماً على النقد تقديم نظرية متكاملة تستطيع مجاراة هذا التطور وهذا الفهم و الواقع الجديد للشعر

إذاً الشعر حينما يكتب بشكل نثر فانه بالنهاية سيكون شعراً ، و المميز بين النثر و الشعر ليس الوزن كما يعتقد ، و لا الصورة الشعرية و المجاز العالي كما اثبته الشعر السردي ، إنما المميز بينهما ان الشعر السردي يشتمل على السردية التعبيرية ،أي السرد لا يقصد الحكاية و التوصيل ، السرد الممانع للسرد ، بينما السرد النثري أما قصصي حكائي يقصد الحكاية أو توصيلي بشكل خطاب و رسالة. بمعنى آخر ان الفرق بين الشعر

و القص و اللذين يشتملان على السرد ، ان السرد في القصة حكائي قصصي يقصد الحكاية و الوصف ،بينما السرد في الشعر تعبيري هو سرد لا بقصد السرد هو السرد الذي يمانع و يقاوم السرد ،إنه السرد بقصد الايحاء و الرمز لا بقصد الحكاية و الوصف.

7- العوامل و المعادلات التعبيرية

أهم أدوات النقد التعبيري في تفسير الظاهرة الأدبية و جمالياتها و عناصر الإبداع في العمل هو نظام ( المعادل التعبيري ) و الذي يتمثل بوحدات لغوية نصية بصور

و أشكال مختلفة تحاكي و تعكس الجوهر الأدبي و الجمالي العميق الذي كشفه و لمسه المؤلف المتمثل ( بالعامل التعبيري ) و الذي يكون بأشكال مختلفة جمالية و معنوية و فكرية و غير ذلك ، إلا انه لا يتجلى و لا ينكشف إلا بواسطة المعادل التعبيري.

إن عملية الإبداع الجوهرية هي الإشراق الإبداعي بالاطلاع و اقتناص و رؤية و تمييز العامل التعبيري الفني . و مهمة المؤلف النصية الأهم هي الكشف عن العامل التعبيري العميق و اظهاره و ابرازه….

8- البوليفونية و تعدد الأصوات

البوليفونية (polyphonic ) مصطلح ابتكره باحثون في الأدب ، أساساً لمعالجة العمل الروائي استقاه من فن الموسيقى ، و اساسها تعدد الأصوات المتجلية في النص .

عند التعمّق نجد ان للبوليفونية بعدين في النص ، بعد رؤيوي و بعد أسلوبي ، البعد الرؤيوي يدعو إلى تحرير النص من رؤية المؤلف و سلطته فتتعدد الرؤى و الأفكار و الأيديولوجيا و تطرح بشكل حر و حيادي ،أما البعد الأسلوبي فيتمثل بتعدد أساليب التعبير و الشخوص بل حتى الأجناس الأدبية في النص الواحد .

كما أن لتعدد الأصوات و الرؤى مجال أوسع في السرد التعبيري الشعري منه في السرد القصي للرواية و القصة ، إذ أن الأخير يعتمد على الشخوصية القريبة و الحدثية الحكائية ، وهو يتطلب الالتزام بالمعايير اللغوية النوعية في الشخوص و الأحداث و الاعتماد على الشخصية المادية و المعهودة نوعيا ، بخلاف السردية التعبيرية الشعرية فان الانحراف و الخروج عن المعايير اللغوية يمكّن من توسعة الشخصية النصية لتتعدى الشخصية الواقعية و المعهودة إلى ما يمكن أن نسميه (بالشخصية النصية ) .

بعد هذا الكلام يحق للكاتب والقارئ

انتقاء ما يحب فالأدب الراقي كتاب مفتوح

ينهل منه رواد الكلمة الذهبية

لتبقى اللغة العربية سلاحنا كما القلم.

اقرأ المزيد

عبير عيسى مسلسل “هام وشامة” بدوي كوميدي بعيد عن المألوف وهذه هي شخصيتي في العمل ؟؟

د. ملاك سباعي تكتب :الصداقة ما بين التعريف والواقع والمثال……

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock