عاممقالات

همزات الشياطين


للاديب / عميد أركان حرب / رؤوف جنيدى
عبر طريق يؤدى إلى فناء الماضى واجران حصادى . وفوق جدار متهالك يريد أن ينقض فاقامه القدر الى حين . رايته واقفا ينعق بما لا يسمع ويصيح كالسقم فى اعضائى . طائر اسود اللون كقطعة من الليل المظلم . كريه المنظر . رث ريشه وكانه خارج لتوه من وحل الشياطين . سرت فى طريقى خطوات ليست بالقليلة الى ان وصلت إلى مدخل هذا الوادى الذى استودعته اعمالى . بوابه خشبية متهالكة سحبت مزلاجها فأصدر صريرا ينبئ عن سنوات هجران طوال لهذا المكان . فتحت احد بابيها فصرخ فى يدى وكاننى اقيم كهلا عنوة من جلسته فصرخت أوصاله . 
رافقنى هذا اللعين يجوب السماء من فوقى ذهابا وايابا . ضاربا بجناحيه اطناب مشاعرى وعزيزات نفسى . تجاهلته ووقفت عند مدخل اعمالى . تجولت بعينى بين ركامات الماضى ومزروعاته . فهذه حبة انبتت سبع سنابل وتلك حبة لم تنبت . هذه نخلات باسقات لها طلع نضيد وتلك فسيلات لم تخرج من اكمامها بعد . هذه شجرة طيبة وتلك اخرى اظنها غير ذلك . هذه غرسات اثمرت وتلك لم تثمر . هذه ذواتى افنان وتلك ذواتى اكل خمط واثل وشئ من سدر قليل . 
تراقص قلبى عند الاولى واغرورقت عيناى عند الثانية . رضيت عن بعضها وعلى أخريات ندمت . شاخص بصرى ترهقنى ذلة . وتعترينى النشوة احيانا . لاحقنى هذا الوسواس وراح يحط فقط على اليابسات من اعمالى فيزداد نعيقه . اشيح بوجهى عنها وعنه . اقترب منى . دنا من راسى . دوى جناحيه كدوى الرعد . فحيحه أشبه بنزغات الشياطين . تصدعت جدرانى . سمعته يعنفنى . لماذا فعلت هذا ؟ ولماذا لم تفعل هذا ؟ .
 راح يلطمنى بجناحيه . صممت اذناى بيدى . احطت راسى بذراعى . دسستها بين ضلوعى . يدور من حولى وادور . شعرت بدوار . سقطت مغشيا . تكورت . صرخت فيه أن يبتعد . رحت فى غفوة الإعياء الروحى . أفقت قليلا . بحثت عنه فاذا به فوق احد اغصانى الجافة جفاف قلبه . يصيح ينعق يعوى . يرقب فريسة تحتضر . ينتظر اخر أنفاسها لينقض . رحت فى غفوة اعمق . 
فاذا الميزان قد انتصب .جئ بى . أوتيت كتابى . قلت يا الهى ماله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها . شعرت أنه قد انكشف عنى غطائى فبصرى اليوم حديد . اسلمت وجهى لله واستسلمت . نطقت ونطقت جوارحى . نعم تواجدت حيث نهيتنى وغبت عن حيث امرتنى والفضل منك واليك . نعم هذه صحائفى وتلك ايضا قلة حيلتى . نعم هذه ذنوبى وتلك رحمتك التى وسعت كل شئ . 
صوت ملكوتى يهز ارجاء الكون وكانه نفخة فى الصور . قمت فزعا مضطربا . وجدتنى اردد فى لهفة دعوة نبى الله نوح عليه السلام ( فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا …. يرسل السماء عليكم مدرارا …. ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) ……….صدق الله العظيم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock