عاممقالات

عيونُ كُلٍ مِن: “زوسر”، و”محمد علي”، و”بابلو بيكاسّو”

كتب . د.ياسر منجى 

على امتداد سنوات عُمري، لم تؤثِّر فِيَّ عيونٌ بِقَدْرِ ما فَعَلَت عيونُ كُلٍ مِن: “زوسر”، و”محمد علي”، و”بابلو بيكاسّو”.


أمامَ تمثالِه المَهيبِ، القابِع في زاويةٍ مِن مدخل المتحف المصري بالقاهرة، كَم وقفتُ أتطلَّعُ في رهبةٍ لِعَينَي “زوسر” الغائرَتَين. عينان غادَرَتا مِحجَرَيهِما، تارِكتَين في مكانِهِما ذبذباتٍ مِن الجبروت الصامت، تتسلَّلُ لتكسو الوجه صرامةً مشؤومة، تنتزعُ مِن روح مَن يُحَدِّق فيها كلَّ أثَرٍ للسَكينة، وتُحبِطُ كلَّ محاولةٍ عبثيّةٍ قد يحاولها لإدراكِ طمأنينة

 الخاطر.



وفي تلك الصورة التي رسمها “أوجوست كودر” لـ”محمد علي”، لا تَملِكُ إلا أن تتحسَّس ما بقي لديكَ مِن مخزون المقاومة، كيلا تقع في شِراكِ هذه الإرادة النافذة، التي تنسَلُّ كالسيف متَّجِهةً نحو صميم قلبك مباشرةً، حاملةً معها رغبة الباشا بالانصياعِ لأوامِرِه، والاعترافِ بتَوَقُّدِ ذِهنِه الحادّ دون قيدٍ أو شرط.

ومن خلال هذه النظرة، التي تضطرِمُ فيها نارُ ذكاءٍ شيطانيٍّ تَعِس، تُغذّي لهيبَه رغبةٌ عارمةٌ في إشباع أنانيةٍ لا تعرفُ أمواجُ جوعِها شاطئاً، يخاطبُكَ “بيكاسّو” خطاب الولد العابث، الذي اكتشف أنه يمتلكُ قوة ثورٍ جامحٍ وخيال “ساتير” شاردٍ مِن إحدى الأساطير الشهوانية.


ربما لم يُخطيء من قال إن: “العين مرآةُ الروح”، غير أنه – أغلب الظن – لم ينتبِه إلى أن مَقولتَه تلك تفتَحُ أبواب جحيم الاحتمالاتِ، أمام أرواحٍ تأبَى أن تُريحَ أو تستريح؛ لِفَرْطِ ما يَصطَرِعُ فيها مِن نوازِعَ لا تكتَرِثُ بالاحتراقِ في سبيل التَحَقُّق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock