أخبار وفنعام

أيها الوغد ، نحن نحبك



أيها الوغد، نحن نحبك



بقلم
     المؤلف والمخرج 
            فارس البحيري
فيلم من أهم أفلام ( كلود ليلوش ) الضاج بالحب والحياة.
يقول المخرج الفرنسي ( كلود ليلوش ) إنه أراد بهذا العمل أن يضع على صفحة بيضاء كل فضوله وملاحظاته، ولأنه يحب الحياة بما فيها من أفراح وأتراح، فقد أراد أن يقنع الناس الذين لديهم شكوك حول هذه الحياة ويجدونها قد أصبحت أصعب من ذي قبل، بأن يحبوا الحياة كما هي.
تحكي القصة عن رجل كان يعمل مصورا في الحرب وهو أب غائب عن أسرته؛ في لحظة من اللحظات يقرر أن يصلح مجرى حياته، وأن يسترجع الزمن الضائع (كما قال بروست)، لأنه تنبه يوماً أنه كان يولي الاهتمام لمهنته أكثر من أسرته، وأنه يعشق آلة التصوير أكثر من حبه لأطفاله.

فجأة، يشعر أنه مذنب، فيفكر في استرجاع دور الأب الذي لم يمارسه يوماً. لكن بناته الأربع قد كبرن وصرن نساء، والنساء عادة لا يُفَوّتن شيئا بسهولة، بل يسجلن المخالفات ويقمن المحاكمات أحيانا.

 توجد شخصيتان رئيستان هما ساندرين بونير، التي ربما هي آخر قصة حب له، قصة رقيقة وراقية، المرأة التي لها القدرة على تفهم شخصية الرجل الحقيقي في أنانيته وسخائه، وهناك صديق يعز صديقه فوق كل شيء، فحين يرى معاناته وأحزانه سيبتكر كذبة الأكاذيب ليجعله سعيدا.

في المشهد الذي يسبق ( الجينريك) في بداية الفيلم، يظهر ذلك الأب رفقة بناته، وزوجته وصديقه في جلسة غداء بالهواء الطلق، يُصدر رنينا وهو يطرق كأسا زجاجيا بسكين معدني ليلفت انتباه الآخرين، ثم حين يعمّ الصمت ويبدو التساؤل في العيون يقول: “ لا أريد أن أعرف من هو صاحب فكرة هذه المفاجأة الرائعة، لا أريد أن أعرف كم من الوقت ستقضون بالقرب مني، لكني أريد أن تعلموا مسألة واحدة وهي أنكم بمنزلي هذا أنتم في بيتكم وأني اليوم أسعد إنسان في العالم”.. (ترسم ابتسامة على محيا كل من بناته فيستطرد): “ولأن كل الأشياء الجميلة لها نهاية، (يأخذ نفسا عميقاً وتشرب إحدى بناته جرعة ماء) لدي نبأ سيّئ جدا أخبركم به..”.

فيبدأ ( الجينريك ) بمنظر جميل لطبيعة جبلية بسلسلة الألب يعلوها أيل فوق القمة، تصاحبه موسيقى هادئة للراحل (جورج موستاكي)، تظهر أسماء الشخصيات الرئيسية (جوني هاليداي، إيدي ميتشيل وساندرين بونير) قبل العنوان ثم تتبعها كلمات تظهر على التوالي: الحياة، الحب، الموت، الصداقة، العائلة وبعض الأسرار.



طوال أحداث الفيلم تعمّ الحياة بفصولها الأربعة، حيث قال (كلود ليلوش)  في تصريح لقناة (tv5) حين حاوره باتريك سيمونان عقب صدور الفيلم في 2 أبريل 2014: “إنه فيلم عن فصول الحياة الحقيقية، فلقد كان عليّ التصوير في الربيع والصيف والخريف والشتاء، والموسيقى التصويرية عنصر أساسي في كل أفلامي، وربما بشكل أكبر في هذا الشريط، حيث جمعت كل الأغاني التي أحبها، فهناك فيدجيرالد وأرمسترونغ (الجاز الذي هو الموسيقى المفضلة لديّ)، هناك جورج موستاكي وأغنيته “مياه مارس” التي تشبه الشريط بشكل غريب ولست أدري لماذا، فقد يظن البعض أنها أعدّت خصيصاً لهذا الفيلم، هناك أيضا الشريط الغنائي لريو برافو، وآخرون..”.



كلود ليلوش : تناقضات الحياة جعلتني لم أشعر يوماً بالانزعاج أو الملل ولو لثانية واحدة
يواصل: “أما عن المشاهد الطبيعية فهناك الريح، المطر، الحيوانات.. الحياة باختصار، فقد حاولت تصوير الحياة بكل مكوناتها: الرجال النساء، الأطفال، الحيوانات، الطبيعة. حقيقة، لكأنها بلاد العجائب، لكنها في نفس الوقت سباق حواجز، فليس لدينا الوقت لرؤية تلك العجائب، هناك الكثير من الأشياء المزعجة التي تطفو في كل حين وكل مرة”.

يختم: “إنها تلك التناقضات التي جعلتني -لست أدري من ملأ مفكرتي عند الولادةـ لم أشعر يوماً بالانزعاج أو الملل ولو لثانية واحدة. هذه الحياة بالنسبة لي هي أجمل حفل وأراها لعبة بسبعة مليارات لاعب، ومن حيث العقيدة بوجود الله، فهو الحَكم الذي يطرد الغشاشين، يخرج البطاقات الصفراء والبطاقات الحمراء، وفي وقت معين يرسل لك رسالة نهاية الخدمة، كأنه يقول لك لقد أنتهى دورك فلنمرّ إلى أحد آخر”.




عن دور البطل الذي يلعبه ( جوني هاليداي)،   أدّاه بشكل أفضل من أدواره السابقة.  صرح المخرج أنه قام بتصوير الإنسان وليس الممثل المشهور، ذلك الرجل الذي لا يزال الطفل بداخله، يحب اللعب مع صديقه، يحب اللعب في الحياة ولا يعبأ بشيء. أما ساندرين بونير فستلعب دور المرأة الزجلى والمتزنة التي ستسقط في حب الطفل.

 أهم ما يميز  (كلود ليلوش) تفاؤله الزائد في كل أفلامه وأنه لا يحاكي الواقع. بصورته المملة ولكن بعض النقاد لم يعجبهم ذلك عن هؤلاء يرد قائلا: “حقيقة، أنا أتفاءل، فقد عوّدت نفسي على التأقلم مع كل الحالات. لست أدري كيف سيكون بوسعي التأقلم مع المرض، فهذه المرحلة الوحيدة التي لم أجربها بعد وألمس الخشب كلما ورد الحديث عن ذلك الاحتمال. لكني أرى أنه من الواجب التأقلم في كل الأحوال، فأنا أعشق الحاضر وأظن أننا لن نعرف أبدا من أين أتينا وإلى أين نحن ذاهبون، فالحياة عبارة عن شريط بدأ قبلنا وسينتهي بعدنا، لهذا يجب استغلال المشاهد التي نعيشها، فأنا مهووس بالحاضر وأعشق التفاؤل والسعادة والتطلع للمستقبل بصوره متفائلة.. 


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock