شعر وحكاياتعام

ذاكرة الوجدان



ذاكرة الوجدان
 
بقلم سماح عبد الحكيم
بَعدَ غِيابٍ طَويل , اتّصلَ بِهَا فنظَرت إلى هَاتِفها وإذ برَقمهِ الذِي لَم يُفارِق مُخيّلتِها ..

فاحتَارَت هَل تَردُّ أم تَترُكهُ يرِنّ ثم يَهدأ ..
فخَضعَت لأمرِ قَلبِها فرّدت.

سَمِعت صَوتُه الرّجُولي الخَشِن المَمزوجِ بالحَنان .. فقَال لهَا : كَيفَ حَالُكِ ؟!

قاَلتْ ; أنا بِخَير – مع ضَحكَة – .. وأنت؟

قَالَ بخَيرٍ أيضاً .. لا أُريدُ شَيء فقَد أردتُ الإطمئنانَ عَليكِ فأغلقَ السمَّاعه .

هيَ بدأت بالبُكاء .. وهُوَ احتضن وسادته الخالية, وكِلاهُما يعلمُ أن الآخر يَكذِب..

وأنّهُما يُحِبّان بعضَهُما وأن الشّوقُ قَد هَلكَهُما !

فتحت أوراق رسائلها إليه ..
وبدأت تقرأ في صمت لا يسمع فيه إلا صوت نحيب الروح !
قسيم الروح :

لك وحدك أمدُ في كل يوم عبرَ الآثير جسوراً من نور الشمس التي تسطعُ بالتفاؤل والأمل في سماء روحي..

لتمدكَ بضياء الأنس وتمنحكَ قبساً حميمآ من رأفة وحنان ، يربت علي كتفكَ ..

ليخبركَ أنكَ هنا بآمان ، في جنبات الوطن الذي بنيتهُ لكَ بداخلي..

أغزلُ لكَ علي نول المحبة كلمات متجاوراتٍ ،،

فأحيكُ لكَ مع كل طلعة صباح دثاراً من
الرحمة والألفة والمودة ،،

ليدفئ روحكَ من برد الوحدة ويقيها أذي الإغتراب ،،

دثارآ حانيآ يخشي عليكَ أن يَمَسَّكَ بعضُ من إنهاكِ الوحشة..
أو شيئاً من مرارة الفقد..أو أيآ من معاناة الوجد وحر المصاب.

دثارآ من وئام يحتضنكَ في نقاء وصفاء وسلام ،،

فيطمئن نفسكَ الحائرة التي طال عليها البلاء ويثبّتها علي حسن الظن والإيمان..

دثارآ من حزم ويقين يجزم لك أنكَ بخير وستظل بخير في رحاب الود وكنف البر والطهر والعطاء..

لتنعمَ بظلال الإيثار والإخلاص والوفاء..

لترتوي من زلال الحب وتشبع من قطاف السكينة وتأتنس بتغاريد البهجة والسرور..

فتتنسم رياحين القرب والإنسجام من روح :

هي أقرب ماتكون إليكَ من نفسكَ وأكثر من يعرف عنكَ ؛ معرفةً قد لا تعرفها أنتَ عنكَ.. أو قد لا يعرفها عنكَ خاصة أهلك !

فهي روح تماثلك توائمكَ وكأنها نصفكَ الآخر في مكانٍ ثانٍ !

فهي منكَ وأنتَ منها تلازمكَ في الصحو وفي المنام ، تلاصقكَ كما الثوب الذي يحتكُ بأديم بشرتكَ..

لتكتسي به وتزهو في أبهي صورة..
لتستر به ما يعتريكَ من نقصٍ أو عوز ..

لتتدفأ به في البرد وتتبرد به في الحر ؛ يحميكَ من عين الشمس ويواري عنكَ عيون الإنس وتطلعات البشر ..

إنكَ أنتَ وهي شركاء الوجدان قسماء الكيان ..

روحاً واحدة إستحالت نفحتين في جسدين إحدهما أنتَ والأخري هي..

منكَ وبك وإليك : ضلع في صدركَ قطعة من نفسكَ ، لا تفارقكَ ولا تفترقُ عنكَ تبقي ما بقيتَ ..

تتشبثُ بكَ وبالحياة من خلالكَ فتتنفسُ برئتيكَ وتحيا بنبضكَ !

تبغي لكَ الصمود والنهوض والبقاء بقدر ما تستمدُ منكَ مدادَ شريانها من دماء ؛

بل تفني نفسها لأجلكَ تحترق لتضئ لكَ طريق النضال ..

تفترش تحتك أرض المثابرة لتكون لكَ سلماً ترتقيه فتعتلي درجات التقدم والتفوق والكمال ..

تتمني لك مع كل خطوة أن تكون ذلك القائد الرشيد والنابغ الفائق الفريد..

ف تارة تقف لك كالمرآة الصادقة لتعكس لك الحقيقة دون زيف وتنبئك عن ذاتك أدق ما تحتاج إليه من تفاصيل.

وتارة تكون لك كالزجاج الشفاف الذى ينفذ منه الشعاع إلي داخلك لتلهمك الخير والحكمة والرأي السديد.

فهي وأنت كالجسد الواحد ؛ لا تغض الطرف عن حزنٍ فيكَ ؛ فأوجاعها صدي أوجاعكَ ،،

يئنُ صدركَ فيدب الألم في أركانها وتأبي إلا أن تفتديكَ ..

لا تذوقُ غمضاً إذا ما إشتكيتَ حتي تداويكَ ، تسهرُ علي عتباتكَ لترعي حاجتك وتسد فاقتك ..

حتي تهوِّنُ عليكَ بؤسَ لياليكَ إلي أن تشفي جراحكَ وتندملُ تصدعاتكَ فتهدأ آهاتكَ ،،

لا تملُ من الصبر وقوفاً علي بابكَ ؛ لتلبيكَ عند النداء فتكون لكَ خير سندٍ عند الضيق وعز رفاهةٍ عند الإنقضاء !

حلمٌ أنتَ في خاطرها كادت أن تنساه ..
وحلمٌ هي في خيالكَ كدتَ أن تزهدَ فيه وكادَ كلاكما أن يلفظ فيه نفس اليأس الآخير..

فكنتَ أنتَ لها وهي لكَ نفحةً من حياة لتبعث بك وتبعث بها من بعد الوفاة يأسآ وكمداً ..

لتحيا من بعد الموات بواراً وقفراً وجفافآ..

فأنتَ ميلادها الثاني وهي بعثكَ من جديد.

وآية الإلتئام أن يتصل شطر الروح بتوأمهِ ؛ شبيه القلب ، نظير العقل ، مثيل الوجدان..

فتألفهُ وتسكنَ إليهِ وفيه ؛ يستندُ عليها وتتوكأ عليه ،

تحملهُ جنيناً في رحمها ، ويحملها طفلاً علي ظهره..

يمسكُ براحتيها في قبضته وسط الزحام فتأمن بين كفيه ويستقيم المسير .

وإن تعثر الطريق فلن ينزعجا بإنفصال البين وبعد المسافات ؛ فحيث تعارفا وإلتقيا يكون الوطن !!

فتلك الروح الهائمة المُلهَمَة التي تشتت في جسدين أو بلدين ، لا يضرها إستحالة المنال ولا يعنيها مُحَال اللقاء والنوال ، أو يشقيها عناء الغياب أو ضناء الإرتحال ،،

بل هي في إتصال دائم لا ينقطع ووصالٍ مستمر لا يبلي ولا ينقضي بإنقضاء الآجال.

ثم استطردت تكتب..
رسائلها التي تعلم أنها حتماً لن تصل :

#ويبقي_الحب

كل الأشياء لها عمر وزمان محدد بالأيام أو الشهور أو السنين.

للزهور عمر قصير وللأشجار أعمار قد تطول بعض الوقت ،، وحتى الطيور تختلف أعمارها ما بين رحلة قصيرة فى الحياة وزمن قد يطول بها.

إن الشىء الغريب أن المشاعر لا عمر لها !

وحتى لو تصورنا أنها انتهت فى الحقيقة فانها أحيانا تقتحم سكون أيامنا ونراها أمامنا تتحدى الزمن والأشياء.

أحيانا يتصور الإنسان أن مشاعره تجاه شخص آخر قد انتهت.
فقد فرقت بينهما الأيام ومضى كل فى طريق ،

وفجأة تطفو المشاعر على السطح فى أغنية جميلة أو مكان إجتمعا فيه يوما أو لحظة عتاب إقتحمت سكون الصمت والوحشة.

وما أسهل أن تجد نفسك وجها لوجه فى صدمة غريبة أمام إنسان كان يوما حبيبا وتصورت أن القصة قد إنتهت ..

ظننت حينها أن أحداثها قد غابت وسرعان ما تجد القلب ينبض والمشاعر تتدفق وكأنك ودعته بالأمس القريب.

الإنسان لا يعرف الأماكن التى يحفظ فيها رصيده من المشاعر هل هى القلب ام العقل ام هما معا.

وكثيرا ما يجهل الإنسان أماكن ذكرياته وهى الرصيد الأبقى من المشاعر.

حين تتسلل المشاعر إلى خزائن الذكرى فهى تبتعد قليلا عن مناطق الوعى والإدراك المباشر لعقل الإنسان وقلبه.

إنها تأخذ منطقة أعمق من حواسه وتترسب فيها وتصبح كالأحجار الثمينة فى باطن الأرض كلما مرت الأيام صقلتها وجعلتها أكثر صفاء وثراء وقيمة.

فمن الممكن أن يكتشف الإنسان دون وعى منه أن فى أعماقه كنوزا من المشاعر ربما تساقطت عليها تلال الأحزان والأيام والوحشة..

وقد لا يعرف انها مازالت تعيش فى أعماقه ومازالت حية بشواهدها وربما أحلامها وفجأة يكتشف ان فى خزائن أيامه أشياء ثمينة وهو لا يدرك ذلك.

إنها كنز ثمين يقتحم أيامنا فجأة ونجد أنفسنا نعيش مشاعر تصورنا إنها رحلت ولن تعود.

فى أعماق الإنسان رصيد غامض لا يعرف مصدره وأماكنه وشخوصه وكثيرا ما يعبر أمامنا شريط طويل من المشاعر التى تصورنا انها عبرت.

ولكن الحقيقة انها أخذت مكانا فى أعماقنا قد لا نراه.

فلا تنزعج إذا وجدت قلبك ينتفض بشدة ، إذا رأيت إنسانا كان يوما من الأيام حبيبا واختفى فى ظروف غامضة.

لأنه دائمــاً ستبلى الأيام ويبقى الحب !

سماح عبد الحكيم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock