شعر وحكاياتعام

صهيل الذكريات



قصة قصيرة  
  بقلم
إيمان على عبد الهادي 
كانت تبحث عن شيءٍ مختلف لترتديه هذا المساء، اصطدمت عيناها بتلك القطعة الصوفية من ملابسه؛ قديمة لكنها جيدة، تأملتها لبرهة ثم اتخذت قرارها .
مازال عقلها مشحونا بخواطر لا حصر لها هو مركزها وربما محركها الرئيسي، منذ شروق الشمس وشعور غريب يلتف حولها كشرنقة حاولت الهرب منه فسقطت فيه أكثر تلقفتها يد الصغيرة وهي تهزها برفق 
– أمي أريد الذهاب إلى جدتي .
– ليس اليوم فأنا متعبة.
– وعدتني بالأمس.
زاد إلحاح الصغيرة، اختلط بضجيج أفكارها، أرادت أن تتخلص من بعض شتاتها فأذعنت لرغبة تلك الفتاة الشقية وربما لرغبة متأججة بداخلها 
تزامنت دقات السادسة مع جرس الباب، فتحته دون أن تنظر إلى وجه القادم وكأنها لا تريد أن تصطدم بردة فعله بينما نظر هو إلى ما ترتديه باستغراب وضع حقيبته جانبا بعد أن ألقى عليها تحية المساء 
قفزت الصغيرة إلى حضنه : أبي سنذهب إلى بيت جدتي – وكأنه فهم الأمر- ابتسم لها قائلا : حسنا حبيبتي بلغي الجميع سلامي .
 ضحكت الصغيرة سعيدة بموافقة والدها واسرعت ترتدي ملابسها بينما تعد هي المائدة .
الشارع بكل ما فيه من صخب وضجيج؛ هذه الوجوه وتلك العيون ويد الصغيرة في يدها ويده تمسك بيدها منذ زمن بعيد وجهه الحازم بكل طيبته وحنانه، خوفه وقلقه أصداء كلماته حين كان يهاتفها فقط ليطمئن عليها.
اقترب البيت مازال طيفه يرافقها، نظرت إليه وعلى ثغرها شبح ابتسامة :
هنا في هذا المكان كنت تستقبلني بابتسامتكَ المعتادة وتسير معي نحو البيت ممسكا بيدي ومستندة أنا على يدك، أحاديث كثيرة طرقنا أبوابها وأخرى أكثر ما زالت تنتظر.
جادلت تلك الدمعة المختنقة بعينها، في عامه الأخير لم تكن بحاجة لسؤاله عن حاله كان وجهه يمنحها بعض الإجابات وكلها لم تكن مرضية رغم تلك الابتسامة التى يرسمها على ثغرة والتى كانت تبهت شيئا فشيئا.
توقفت قدماها عند مدخل البيت، جسده المسجى على أعناقهم، أجسادهم التى تتصبب حزنا امتزج بدموع قلوبهم، مازالت صورة هؤلاء النسوة المتشحات بالسواد وهن يحاولن وشم الوجع بصراخهن،لم تدرِ كيف خرج صوتها هادرا ليجبرهن على الصمت، ربما لأنها كانت تدرك في قرارة نفسها أن بداخل كل واحدةٍ منهن قصة تبكيها ، ما كان يعنيهن أمره ولا وجعها.
أفاقت على يد الصغيرة وهي تتملص من قبضتها لتنطلق حيث تجلس الجدة فترتمي بأحضانها، تذكرت ضحكاته، مزاحه مع الصغار،وصوته الغاضب حين يبالغن بازعاجه والذي سرعان ما يختفى مع ضحكة صغيرة من أحد أحفاده، ابتسمت وهى تلقى عليها التحية وتضع قبلة على جبينها، صنعت لهما كوبين من الشاي، غزلا بعض الحكايات على أسنة تلك الدقائق اللاهثة، في كل حديث كان يجمعهما كانت تذكره وزفرة حارة تشي بشوقها إليه، انشغلت عنها بتلك الصغيرة المشاغبة، كانت تراقبهما في صمت بينما قلبها ينزف وجعا ” كلنا نشتاق إليه يا أمي آه لو تعلمين “.
تسللت عيناها إلى كل الأماكن التى مالبثت أن وشت بما لديها من ذكريات، احتضنت صورته المثبتتة على الجدار، تمردت تلك الدمعة على همهمات صوتها : ” كنت تجمع حبات العقد يا أبي، كنت تضئ اللحظة وتقف فى وجه الشتات “.

مدير قسم الادب و الشعر
علا السنجري

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock