عاممقالات

باروخ وأشفور وأدمون ” من الحكايات الشعبية ليهود مصر القرائين _الحلقة الخامسة “


كتب . د. احمد زكريا  
-5-
 بعد ما سمعاه عند المعبد لم يستطع “أشفور” و”أدمون” قضاء ليلتهما فى الفسطاط و بالكاد خرجا مع أول ضوء للنهار يلتمسان طريقهما نحو القاهرة العامرة بأهلها، لم يكن معهما ما يدفعاه للمكّارى فكانت رحلتهما شاقة قطعوها سيرًا على الأقدام وبلغوا بوابة القاهرة قبل دقائق من رفع آذان الظهر؛ بالرغم من انهما استراحا عدة مرات فى الطريق إلا أن ملابسهما القديمة بليت وتركت الصحراء عليها مسحة من تراب، فصارا مثل اثنين من الدراويش، هكذا حسبهم حرس البوابة ؛ فلم يأبه بأمرهما أحد وتركا ليدخلا المدينة بسلام.

كانت المدينة رائعة كأنها قطعة من الجنة كل شوارعها مستقيمة، لم يكن بها أى منزل بل قصور متراصة الواحد تلو الآخر، سأل الأخوان من صادفوهم فى الطريق عن طبيب عظيم يدعى “باروخ”، فأجابهم الجميع بأن فى القاهرة لا يوجد سوى طبيب واحد يدعى باروخ ولكنه طبيب الخليفة ولا يمارض أحدًا غير الأمراء والخاصة من آل البيت وأشراف القاهرة فإن كانت بهما علة فليذهبا لمشفى الفقراء..هناك سيجدا العلاج بالمجان، ولكن “أشفور” وأدمون” أصرّا على مقابلة باروخ بنفسه وعرض مسئلتهما عليه!
فأخبرهما أحد المارة أن فى هذا الوقت من النهار ينتظر باروخ “الخليفة” أمام مدخل “مسجد القمر”( )، ودلّهما على طريق المسجد وكيف يصلان له دون أن يمران عبر الساحة الكبيرة بين القصرين فلا يضايقهما أحد من الجنود وقد فعلا.
عند بوابة المسجد كان “باروخ” يجلس على المكسلة متأبطًا تحت ذراعه خف الخليفة يراقب سيده وهو يصلى، كان باروخ مرتديًا ثوبًا من الحرير الأصفر وعمامة رأس سوداء حبست طياتها بياقوتة حمراء كأنه “شهبندر التجار” ولكم أثارت رؤيته الغيظ والكراهية فى نفس الأخوين، فبرغم كل ما عليه من زينه ووجاهة تعرّفا عليه من النظرة الأولى بعدما فارقاه وهو صبى لم يتجاوز السنوات العشر، وبرغم من كل ما عليهما من قاذورات وأذى مما تركته الأيام استطاع “باروخ” أن يميزهم ما أن وقعت عيناه عليهما،
 فاضطرب “باروخ” فى مجلسة وأخذته رعدة ونظر نحو صحن المسجد فوجد الخليفة قد أنهى صلاته ويتقدم نحوه بينما الحرس فى كل مكان تلتقط رماحها استعدادًا لتحية الخليفة عند خروجه، وما كان منه إلا أن هز برأسه فى حركة سريعة منعتهما من الإقتراب؛ لم يشر لهما باروخ سوى ليتركا المكان ويغربا عنه، كان وجهه مرتبكًا وغاضبًا حين رآهما، ومع ذلك فأى من الأخوين لم يلتقط تلك الإشارة وظن أخوهما الكبير يطلب منهما أن يسبقاه للمنزل!!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock