عاممقالات

فوطة وبشكير لجيهان جمال


قصة قصيرة بقلم الكاتبة: چيهان جمال

صباح يوشك أن يغادر بالرحيل ككل شيئ جميل يأبي البقاء ..
دقات هاتف المنزل قد تُخبر بشيئ جديد بعدما باتت وأصبحت كل الأيام ترتدي ذات الثياب !

ياأتي صوته الذي لم أسمعه منذ سنوات قليلة .. فقد كان كلامنا ولقاؤنا أنا وهي في السنوات الأخيرة قليلاً جداً و خالياً منه !

وقبلما أبادر بالسلام والكلام والسؤال عنهايأتيني صوته مذعوراً ليفجعني بخبر وفاتها فجأة تواً .. وبضرورة تواجدي في أسرع وقت ..!

أحاول أن ألملم بعضي الذي تاه وتخاذل عنها ألوم نفسي كثيراً وأتسائل في ندم لن يُجدي ولن يُعيدها ! أهي حقاً رحلت قبلما تخبرني ماذا حدث ..؟! ومن أوجعها إلي تلك الدرجة حتي تخطفها علي عٓجل عملية جراحية أخبرني تواً أنها كانت بسيطة ثم خرجت علي قدميها بسلام وماتت أيضاً بسلام بعدها با أيام قليلة! هيي لم تخبر أحد بمرضها المفاجيئ تُراها كانت حزينة من الجميع ! ففضلت أن تصفعهم بالرحيل المباغت الموجع ! نزلت من سيارتي مخطوفة في حقائب الحزن عليها وإليها لكنني حين وقفت أمام باب الشقة ولأول مرة أجده مفتوحاً علي مصرعيه كقلوبنا عندما كنا نلتقي لكن تلك المرة لم ولن سأسمع صوتها ثانية لن أسمع صوت خطواتها وكأنها نغم يدندن مع صوتها الذي كااااان يطربني كثيراااااً بأغنيتها المفضلة والمحببة لقلبي .. تمر حنة .. ياتمر حنة .. ليه خليتي بينا وبعدتي عنا ! الورد كله كسا الجناين وإشمعني إنتي إيلي شارده منا ؟! 


أحقاً قد خليتي بنا وبعدتي وشردتي ؟! 
حقاً هذا ماحدث أنتي لم تفتحي لي باب الشقة كعادتك ! فالباب مفتوح علي غير العادة بعدما كان مُغلقاً كقلبك ودنياكي الائي أغلقتيهم عليه هو فقط ! 
لأجده واقف يبكيها ويناديها با إسمها كما عودته .. لكنها تلك المرة وعلي غير عادتها لا ترد النداء فهي الملبية نداؤه دائماً كالراهب علي أعتاب بابه احتضنته كأخي الصغير وكأنها أمي وأخذت أطبطب عليه خائفةًعليه من هول الصدمةوالفجيعة ! مدركة أنه الوحيد الذي لن يكون أحداً غيره ساكن في جوف جبل الحزن فهو كان لها الدنيا وكانت له كل فيها ! 
يستعد الجميع للوقوف في جلال محراب حُرمة المحطة الأخيرة الكل يحتضن اللحظة حتي لا نتركهم وحدهم هي وهو فهي الأن في أرقي وأنقي المحطات هي في مرحلة الغُسل كما يسمونها وأنا أري أنها في هذه اللحظة بالذات هي الرابح الوحيد بيننا فهي تُزيح كل أوجاع دنياها التي ماحنت عليها يوماً وتغتسل ! 
أقف بين بعض بنات العائلة ممن وقعن في غرامها مثلي فسارت أختنا وصديقتنا وأمنا غير نادمة أني ماستدعيت أمي لأخطفها معي علي هذا الوتر المشدود فأمي مريضة قلب ولن تحتمل إختطاف الموت صديقتها بهذه السرعة أنا خائفة علي أمي فيلفني الحزن ويقهرني ..أصمد لأقف لجوارها مكان أمي وها أنا ذا بقربك صديقة وإبنة وفية كما كنا ! أفيق علي صوت المرأة القائمة علي الغُسل و التكفين تطلب فوط وبشكير ! 
أُسرع الخُطي لأتجول في المنزل كي أحضر لها ماتريد … 
في تلك اللحظة وأنا أبعثر في أشيائها البسيطة جداً ! 
تذكرت أنها التي كانت تبخل علي نفسها من أجل أن تُكرمه وهاهي تُكرمه حتي الرمق الأخير 
لأري المنزل كان يُعد لعرسه والذي بالكاد سيلحق بأخر محطة في قطاره بعدما بات من في مثل عمره أولادهم في مراحل التعليم المختلفة ! أُفتش عن فوط فلا أجد غير أشيائها البسيطة منزوية علي إستحياء في كرتونة لا تليق بها وهي من كانت ونحن أطفال ذات شأن وذات وذات لكن كل شيئ ضاع ولم يتبقي غير الذي لايليق بعطاءات السنين ! 
فدخلت حجرة النوم التي كانت تخصها لأجدها جُهزت لعُرسه وكادوا ينتهوا من فرشها بالكامل لتلمح عيناي فوط جديدة كثيرة وبشكير .. فرحت وما أن كادت يداي تُمسك بهم إلا وجدته فوق رأسي يُمسك بيداي ويقول لا .. لا 
فرفعت ناظري إليه غير مصدقة عيناي وغير مستوعبة ماذا دهاه ليفصلني في لحظة واحدة عن المكان والزمان وهو يُقذفني بجحوده ويُرعبني من الأيام ليقول 
سيبي الحاجات دي دي حاجات جوازي وتعالي نشوف في حاجتها ! 
خرجت مسرعة من الحجرة صامتة مخنوقة لا أستوعب والا أصدق وإلتزمت الصمت أخفيت ماحدث منه عن الجميع ولم أبوح حتي لأمي والتي لحقت بها بعد سنة لا أكثر رحمة الله عليهما هي فقط تلك السطور التي حملت حروفها سر ندالته وأسئلة كثيرة يتيمة الإجابات ادركت بعدها أنه ثمة خير قد يخبأه الله لعدم إنجاب البعض للبنين أو البنات وثمة وجع قتلها منه وجعلها تدرك في لحظاتها الأخيرة أن هذا الإبن ماكان يستحق أمومتها والا تضحياتها بكل غالي ونفيث لذا هي 
أحبت الرحيل فأحبها وجاء إليها مُسرعاً لتجدني أبكي عليها … وكأني أراها كانت تكتم وجع يئن بالندم ! فهي التي عاشت وماتت مسكينة لزوج ظلوم جهول بالعطف عليها وإبن مهما فعلت لأجله صار بالأخير كاأبيه .. لكن الأكيد أن حبها المرضي لهذا الإبن ماجعلها لا تري الحقيقة وأيضاً لم تجعلنا نراه حتي أعمتنا جميعاً بحبها له فتلك هي الحقيقة المؤسفة أنها كانت تظن أن الدنيا ظلت تبخل وتضن بكل رحابتها وإتساعها عليها طول الحياة لتؤكد لحظة غُسلها تلك . 
أنه من المؤكد أن المسكينة تأخرت كثيراً في معرفة من بخل عليها لأنها عاشت وماتت لم تري وتعرف من الدنيا سوي أنه كل الدنيا !

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock