شعر وحكايات

قصة قصيرة “قلب واحد”

نسيم رجل يتوخى الحذر في كل شيء حتى في بيته وبين اسرته فهو حريص جداً على أمور صحته وصحة عائلته وأولاده فهو رجل طويل القامة أبيض البشرة يتجاوز عمره الأربعين وملامحه تدل على ذلك عيناه زرقاوان وبشرة وجهه صافية ليس بها أي اثر يشيبها يشبه تماماً ضوء القمر منساب وهو في كامل بدره .

بيته مكون من ثلاث غرف اشتراه بعد جهد جهيد من تعب الحياة بين هنا وهناك ويعشق تفاصيل بيته بل يحافظ عليها بدقة إذ يحب دائماً وجود أحواض الزرع في كل غرفة وفي كل زاويا تلك الغرف وأما في الصالون الذي يمتد ما بين أربعة طول وثلاثة عرض فهو ممتلئ بالأحواض وفي الزاوية الشمالية يضع حوض السمك متوسط الحجم ممتلئ بالزينة والقليل من السمك ، هو رجل يحب الجمال وتفاصيله لم يكن يعلم منذ أكثر من شهر سبب هبوط الضغط المفاجئ لديه وعدم قدرته الحركية والتعرق في بعض الأحيان وكان يعتقد بأنه تعب ليس إلا لهذا كان يكتفي بالراحة بعد أن سأل جاره الصيدلي إذ قال له بصوت غير مبالي 

الصيدلي : ضغطك عادي بالنسبة للعمر حاول أن تكسب الراحة لنفسك وخفف من شرب المنبهات ، وأخذ بنصيحة جاره الصيدلي ولم يخبر زوجته سيدرا بما يحدث معه وشعر بتحسن بطيء مع الأيام فاعتقد بصحة كلام جاره ولم يعد يكترث لكن حالته الصحية بدأت تتراجع كما السابق ولاحظت عليه زوجته سيدرا ذلك فامتعض قلبها وذهبت معه إلى الطبيب لفحص نسيم وبعد ذلك طلب منه مجموعة من التحاليل للتأكد من مرضه حتى يعطيه العلاج المناسب ونصحه أيضاً كما جاره الصيدلي بالراحة النفسية .

لم تكن تعرف سيدرا ما يقلق زوجها فأمورهم بخير ولم يمرا بمشكلة طارئة منذ زواجهم فانتابها القلق وبدأت تشعر بخوف ما داخل جوف قلبها وذهبا إلى المختبر للفحص وبعد ذلك ذهبا إلى المنزل ، لن تصدر نتيجة التحاليل إلا في الغد حصراً .

استمر القلق في قلب سيدرا حتى صدور النتيجة عكس زوجها نسيم الذي اخذ الأمور بشكل عادي ولم يكترث فهو يعرف نفسه جيداً وهي مجرد حالة عرضية لا أكثر هكذا حدثته نفسه وهو دائماً يصدق نفسه أكثر من أي شيء حتى لو كانت زوجته ، لم تكترث تفاصيل وجهه لأي نزعة خوف بل سيطر على نفسه بحزم وكأنه يمتطي جواد حياته وهو واثق اللجام من على جانبي الحصان ( فهو لا يخاف ولا يقلق يمشي ويهرول يعدو ويستمر لا ينحني إلا إذ أتاه الغدر من حيث لا يدري واثق النفس والخطى عازم في كل اتجاهاته لا يستسلم قوي النبرة صوته حاد إذ تطلب ذلك وضوء عينيه سماوي لا يتغير إلا إذا غدرته شمس الحياة )

بعد مضي يومين اتصل الطبيب ممتعض الصوت وكأن كلماته لا تخرج من فمه إلا بصعوبة إذ يبلغه بأن نتيجة التحاليل غير مبشرة بالخير فهو مصاب باللوكيميا وعليه أن يراجعه اليوم ليبدأ مرحلة العلاج فهو مرض لا يمكن السكوت عليه .

ذهل نسيم تماماً مما سمع لم يعد يستطيع الحركة شعر بشلل في دماغه حتى أخمص قدميه أصبح كدمية خشبية لا روح فيها ولا نبض .

راجع الطبيب في نفس اليوم دون أن يخبر زوجته وأخبره الطبيب بنتجة التحاليل وأنه في بداية المرض وعليه أن يراجعه غداً إلى المشفى ليتلقى أولى حالات العلاج وإلا الأمر سوف يتطور وتدهور حالته

أخذ نسيم الأمر العادي والقلق بدأ يتسرب في ملامحه دون أيّ إرادة منه ليقاوم خوفه والمشكلة الأكبر في أخبار زوجته فهو يدرك تماماً بأنها سوف تنهار لسماع ذلك الخبر ( السرطان ) يعني الموت بطيء وهذا الأمر معروف لدى كافة الناس مهما طالت مدة علاجه فالموت هو عنوان لذلك المرض مهما طالت الأيام على المريض ، لا يعرف ما يقوله لزوجته فهو يخاف عليها من الصدمة فأكتفى بأن قال لها الطبيب يريدني في المشفى لاستكمال فحوصات أخرى في الدم .

في تلك اللحظة أتاه اتصال من الطبيب نفسه يخبره بأن نتيجة التحاليل التي وصلت إليه من المختبر ليست له وبأنها لمريض ثان يشبه اسمه فلم يصدق نسيم ما سمع وتابع مشواره إلى المشفى ليتأكد من صحة خبر الطبيب وبدأ سريان القلق يختفي من على وجهه وحينما رأى الطبيب يرسم ابتسامة عريضة له وهو يقول له : بأن التحاليل سليمة وهو يشكو فقط من ارتفاع ضغط الدم والنتيجة الأخرى هي لرجل يشبه اسمه وهو يتعالج منذ فترة في هذا المشفى وقد أكد مدير المختبر اعتذاره لهذا الخطأ وهو على استعداد لكافة المصاريف وتحمل كافة النتائج .

عادت الروح لقلب نسيم وشعر ببشاشة الفرح وطلب من الطبيب رؤية ذلك المريض الذي يشبهه بالاسم ليواسيه في مرضه ولكي يدعو له بالشفاء وذهبا سويا إلى غرفة المريض وما أن فتح باب الغرفة حتى تفاجئ بوجود شخص يشبهه نائماً على السرير وأكياس الدم معلقة ولون وجهه يميل إلى الصفراوية وهو بين النائم والمستيقظ يحبس آلامه داخله أنه بسيم أخاه التوأم الذي قطع علاقته به منذ خمس سنوات وجمعهما قلب واحد في غرفة واحدة ، انسالت الدموع من عينيه وهو يقف عاجزاً حائراً أمام وجه أخيه لا يعرف ما يقول والطبيب ينظر إليه بنظرات استغراب بينما زوجته تنظر إليه بحزن وندم .

الكاتب/ علي محمد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock